د. عبدالقدوس الكليدار.. ممثل أشراف الخليج والدول الإسلامية: تطبيق المواطنة بالمنهج النبوى.. يقود الإنسانية للفلاح الربانى
أدعو لإطلاق"برنامج تنموي" و"منصة إلكترونية" لترسيخ المواطنة الشاملة
كتب / مصطفى ياسين
أكد د. عبدالقدوس أسامة الكليدار، ممثل نقابة أشراف العراق في الخليج العربي والدول الإسلامية، مستشار جودة مشاريع التعليم بالإمارات، أن تطبيق المواطنة الشاملة بالمفهوم والمنهج النبوي الشريف يقود الإنسانية للفلاح الربانى. مشيراً إلى أن هذا يتطلب بدء الغرس والترسيخ فى الناشئة منذ الصغر، حتى يتشربوا معاني الانتماء للقيم الدينية والوطنية والأخلاقية.
وطالب بتدريس هذه القيم والمفاهيم فى جميع المراحل التعليمية، داعياً إلى إطلاق “برنامج تنموي” برعاية سيادية يهدف إلى تغذية كافة جوانب المواطنة وروافدها، والمشاريع ذات الصلة المعززة لها. وإلى انبثاق نواة “منصة إلكترونية” تعرّف بمفهوم المواطنة الشاملة بأبعادها القيمية.
وفيما يلي نص الحوار الذى أجرى معه على هامش فعاليات الدورة الثامنة عشر للملتقى العالمي للتصوف، الذي عقد مؤخرا تحت الرعاية السامية لجلالة الملك محمد السادس، ملك المغرب، بمناسبة الاحتفال بالمولد النبوي، وحملت عنوان “اﻟﺘﺼﻮف واﻟﻘﻴﻢ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ واﻟﻮﻃﻨﻴﺔ من أجل تأسيس مواطنة شاملة”، والذى نظمته الطريقة القادرية البودشيشية ومشيختها، برئاسة العارف بالله مولاي جمال الدين القادري بودشيش، رضي الله عنه، ومؤسسة الملتقى، بشراكة مع المركز الأورومتوسطي لدراسة الإسلام اليوم، ومؤسسة الجمال.
*ونحن نحتفل بذكرى ميلاد خير البرية، نتذكر دائما الدروس النبوية فى الانتماء للوطن، فكيف نطبقها فى حياتنا المعاصرة؟
**في إطار السعي لإعادة الأجيال إلى ثوابت الأمة وهدي آل بيت النبوة في حب الأوطان وصحة الولاء للدين والقيم والوطن، تؤكد نقابة السادة الأشراف آل البيت في العراق وممثليتها العامة في الخليج العربي والدول الإسلامية على ضرورة إحياء المشتركات القيمية الدينية والوطنية والأخلاقية التزكوية لدى الشعوب لتحقيق المواطنة الشاملة وصولا إلى الشهود الحضاري للأمة في قيادة الإنسانية نحو الفلاح الرباني المدبج بالتقوى من خلال الثوابت الدينية وهدي آل بيت النبوة الأطهار..
ومن هنا نؤكد على ضرورة بعث الأمة واجيالها ومؤسساتها على الاستمساك بالمعاني القيمية وتحويلها إلى سلوك منضبط المفهومية يستمد أطره من الهدي النبوي الشريف، ومن تلك المرتكزات التي خطها آل بيت النبوة فمكنوا الناس من فهم مراد الله تعالى والالتزام به، والتأسي بمنهج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حب الأوطان والتزام الأخلاق في القول والعمل، وتحويل هذا الموروث الثقافي المعرفي الذي يُعتبر وقودا حقيقيا لإعادة انتاج الحضارة وتحويلها إلى واقع سلوكي وممارسة ترقى بالسلوك المجتمعي المعزز بالقيم، وهو ما كانت تتمتع به المجتمعات الاولى والتي تمثل مرحلة التأسيس لبيئة تحكمها قيم الإسلام ،وكذلك تلك التي حملت لواء التنمية والتطور والجذب للآخر وتعتبر ذات صلة بالإسلام او لا تعارضه.. وتمكّن لحالة التعايش السلمي الإنساني بعيدا عن التمييز العنصري او العرقي أو القبلي أو المذهبي او الفكري او الطائفي أو الجغرافي، وصولا إلى تلك المشتركات الجامعة بين هذه المسميات لتكون ورقة للحقوق المتبادلة بين فئات الشعوب وتنوعها ،وهذا ما صنعه النبي الخاتم في مجتمع المدينة عندما خط لهم صحيفة حفظ من خلالها حقوق الجميع بل مكنت الجميع من التعايش والمواطنة وبسطت الأمن والسلم المجتمعي ونقلتهم إلى الشهود الحضاري، وتطورت المدينة الشريفة وصدّرت دعوتها ومعارفها وعلومها وتجاراتها ونموذجها الحقوقي الشامل إلى العالم أجمع.
وهذا ما نجده حقيقة في نموذج دولة الإمارات، على المستوى العربي والإقليمي بل حتى العالمي؛ إذ عشت في ظلالها لأكثر من عشرين عاما وتنقلت في مستويات وظيفية رفيعةؤ وتبيّن لي أنها بحكمة شيوخها وقوانينها ونظامها الإداري وسلوكها المجتمعي وطيب شعبها وفرق عملها وتطلعها الدؤوب مكّنت روح التعايش بين ساكنيها ونجحت في إسعاد شعبها واستقطاب أكثر من ٢٠٠ ثقافة، اعني جنسية، على ترابها الوطني، وبذلك تفوقت على حدود الزمان والمكان ومكّنت تميزها في رعاية الأرواح وحفظ النفوس والمحافظة على الحقوق المتبادلة وتيسير مصالح الناس وتغليب الإنسانية لتكون هي الهوية للمواطنة الشاملة لهذه الثقافات التي آوت إليها وتعيش في ظلال حكمتها.. وباتت المؤئل للمفكرين والمبدعين ومن له بصمة خير في الإنسانية، فالكل ينتمي إليها ويعيش تحت راية علمها الشامخ.
الطريق إلى الوطنية
*لكن ما هو السبيل نحو تحقيق هذا الهدف الإنسانى السامى؟
** السبيل الوحيد يكون بضرورة إقتباس المجتمعات الشرقية، ولاسيما مجتمعات بلداننا العربية هذه الأفكار وتحويلها إلى برامج وطنية تنموية ممنهجة ترقى بمستويات أبنائها وتعمد إلى تغذية عقولهم وأرواحهم بمعاني تلك القيم رباعية الأبعاد (الدينية والوطنية والأخلاقية والسلوكية) وتشمل كافة مراحل دراستهم الابتدائية والمتوسطة والإعدادية الثانوية والعليا، لتسهم تلك الحكومات او وزاراتها المعنية بالتربية والتعليم او هيئاتها المشرفة في حفز تلك الأجيال وشعوبها نحو الهدف الأسمى، وجعلها شريكا حقيقيا في تعزيز المواطنة بمعانيها الكلية وتمكين حب الأوطان في القلوب الواعدة، وتلقينهم دروس الأنموذج الجامع قدوة الأمة في التعامل مع هذه القضية، وفي تجذير قواعدها وتمكين مرتكزات وبسط سماتها في الأمة والإنسانية وهو سيدنا رسول الله بقوله وحاله وفعله وعلاقته مع الآخر.
ترسيخ المفهوم
*وكيف يمكن استثمار مثل هذه الملتقيات الدولية في ترسيخ مفهوم الوطنية والانتماء؟
** إن الملتقى العالمي السنوي في المغرب يعتبر فرصة حقيقية لتبادل الفكرة ونضوجها بين المغرب والمشرق والتحول إلى ما ورائها من جوانب التطبيق والعمل على المستوى الفردي الفئوي او الجمعي المحلي والتطلع إلى عالمية التعارف أسس لها القرآن الكريم في علاقاتنا مع بعضنا ومع الآخرين، فقال تعالى (وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم).
إننا نسعى من خلال حضورنا ونقابة الأشراف التي نمثلها إلى تعزيز السلم المجتمعي والحفاظ عليه، وإثراء التأثير القيمي الديني و الأخلاقي في المجتمع، وتطوير الوعي الثقافي والتربوي لدى الأفراد والمؤسسات، وتمكين العدالة والمساواة بين الأفراد في المجتمع الواحد لتفعيل المواطنة المنضبطة الشاملة على مستوى وطننا العربي الكبير، والحفاظ على الهوية الثقافية للمجتمعات والأمة، والعمل على تنمية الاستدامة البيئية والحفاظ على الموارد واستثمار المقدرات الطبيعية، وتطوير القدرات البشرية، مما ينعكس إيجابا على المجتمعات في المشرق والمغرب وتعزيز آفاق التعاون الشامل فيما بينها.
برنامج ومنصة
*وما هو المطلب أو الدعوة التى أردتم تبليغها؟
**لقد دعونا إلى تحقيق التعليم والتوعية لتصحيح القيم في المناهج الدراسية والبرامج التعليمية، وإلى إطلاق “برنامج تنموي” برعاية سيادية يهدف إلى تغذية جميع جوانب المواطنة وروافدها، والمشاريع ذات الصلة المعززة لها.
وإلى انبثاق نواة “منصة إلكترونية” تعرّف بمفهوم المواطنة الشاملة بأبعادها القيمية، وتعين على ترسيخ مقوماتها، والتبصير بأسباب تحقيقها، وحُسن إشاعتها بين الجماهير بمختلف الوسائل العصرية ذات التأثير الحسي والمعنوي في تمكينها.