900
900
الثقافة

“آثار الصناديد”.. فى مدينة دلهى

900
900

كتب- مصطفى ياسين

تُعتبر ترجمة هذا الكتاب إلى اللغة العربية مهمة للغاية لما تُمثِّله من قيمة تاريخية لآثار مدينة “دهلي” العتيقة؛ وخاصة الإسلامية منها؛ ومن هنا تصبح هذه الترجمة سجِلًّا لهذا التراث المعماري، الذي اندثر بعضه، وطوت يد الإهمال بعضه الآخر.
لقد تطلّب هذا العمل أن يقوم مُؤلِّفه “سرسيد أحمد خان” برصد هذه الآثار من خلال العمل الميداني، مصطحبًا رفاقه من الرسامين من أجل توثيق واقع هذه البنايات؛ حيث يبدو وصفه مثل “الصورة الفوتوغرافية” التي تنقل لك المشهد كله، بكل تفاصيله، بكل ألوانه. كما أجاد في وصف مظاهر العمران البشري وما يصاحبه من نشاط اجتماعي، وتعاملات مجتمعية، وأعياد ومهرجانات شعبية، ومراسم دينية، وغير ذلك من الأنشطة البشرية.
أوضح مترجم الكتاب- د. أحمد القاضى، الأستاذ بجامعة الأزهر، المستشار الثقافى سابقا بالسفارة المصرية بالهند- أن البنايات التاريخية في شبه القارة الهندية قليلة مقارنة بحجمها وحضارتها؛ وذلك لأن معظم بنايات الهنادكة، والبوذيين كانت خشبية باستثناء الكهوف الجبلية، وحتى ما شيّدوه من معابد يعود إلى القرن العاشر الميلادي باستثناء بعض آثار الملك “أشوكا” التي تعود إلى القرن الثالث قبل الميلاد.
ومن الجدير بالذكر أن كتاب “آثار الصناديد”؛ يُعدُّ أول مُؤلَّف رئيس- حتى وإن لم يكن الأول- عن آثار مدينة “دهلي”، وقد نشره “سرسيد” عام 1847م، وهذه هي النسخة التي تمّت ترجمتها، وقد أصدرها “مجلس تطوير الأردية” كراتشي، باكستان عام 2017م، وتم معالجة الرسومات الأصلية فيها بطريقة الأبعاد الثلاثية من خلال التقنيات الحديثة لتصبح ملوّنة دون المساس بما جاء في الأصل.
يتألّف كتاب “آثار الصناديد” من مقدمة، وأربعة أبواب، ومائة وأربعة وثلاثين رسمًا توضيحيًا، لم يتمكّن “سر سيد” من رصد كل المواقع الأثرية في “دهلي” حينذاك، حيث زادت عن الألف موقع، واكتفى بذكر مائة وخمسين منها.
أمَّا بالنسبة إلى مدينة “دهلي”؛ فهي ليست العاصمة فقط؛ وإنما ظلَّت نموذجًا لحضارة عظمى، وقد نقل البريطانيون عاصمتهم من “كلكتا”في “البنغال” إلى “دهلي” عام 1911م، وشَيَّدوا حاضرة جديدة باسم “نيودلهي”، كانت امتدادًا لـ”دهلي” القديمة، شاهجهان آباد.
ومن هنا تأتي أهمية “آثار الصناديد” نظرًا للبنايات التاريخية التي هُدمت سواء بدافع التطوير، أو بدوافع أخرى ظهرت فيما بعد، ولا تزال أطلال هذه البنايات تحكي لنا قصة الماضي، ليس هذا فحسب، بل إن تقسيم شبه القارة الهندية عام 1947م طال الكثير من البنايات التاريخية، وخاصة الإسلامية منها، سواء بدافع طائفي، أو من أجل إنشاء تجمعات سكنية جديدة، ووفقًا لهيئة المسح الأثري، فقد كانت هناكألف وثلاثمائة وسبع عشرة بناية تاريخية، لم يتبق منها إلا ما يقرب من سبعمائة وخمسين بناية لم ينل الكثير منهااهتمام هيئة المَسح الأثري نفسها، وما حَظي بالاهتمام لا يتجاوز المائة أثر، والباقي في رعاية الله.
إن المكتبة العربية تفتقر إلى تاريخ معظم هذه البنايات التاريخية في مدينة “دهلي” العريقة، التي جذبت إليها أنظار الفاتحين والمستعمرين؛ نظراً لأهميتها الجغرافية في شمال “الهند”؛ فقد كانت إحدى حواضر العالم الإسلامي في القرون الوسطى، ولا يزال ما تَبقَّى من بنايتها التاريخية مَزارًا للسائحين، وقِبلة للزائرين من جميع أنحاء العالم، فما أروعها مدينة؛ حيث يتجلَّى فيها امتزاج الحضارة الإسلامية بالهندية.
أمَّا مؤلف الكتاب؛ فهو “سر سيد أحمد خان “17 أكتوبر 1817م- 17 مارس 1898م” ، أحد رواد التنوير في العصر الحديث كغيره من دعاة التنوير أمثال: “رفاعة الطهطاوي”، “محمد عبده”. ولقد أسس “سر سيد” الكلية “المحمدية” التي أصبحت فيما بعد جامعة “علي جره الإسلامية”، وهي واحدة من أعرق الجامعات المركزية في “الهند” الآن؛ حيث أثمرت عديدًا من رموز الثقافة، والفكر، والسياسة من المسلمين وغيرهم، أمثال “د. ذاكر حسين” الذي تولى رئاسة جمهورية الهند”1967 م ــــ 1969م”كأول رئيس مسلم، وله شارع مشهور باسمه في “مدينة نصر” في”القاهرة”.
لقد ذاع صيته، وعلا نجمه بين طبقات المثقفين والكتَّاب، والأدباء في “مصر”، و”الهند”، وفي العالم العربي والغربي؛ ولقد أشاد به كاتبنا المصري “أحمد أمين” في كتابه “فيض الخاطر”؛ فيقول: “ولما بلغ الحادية والثمانين من العمر أسلم روحه لخالقه، فبكاه الأوروبيون، والهندوس، والمسلمون على اختلاف عقائدهم، وطبقاتهم، ومذاهبهم السياسية، والاجتماعية، وأشد ما بكوه من أجله؛ شجاعته التي لا تُحدُّ في تنفيذ خطته، وصراحته البالغة في الجهر برأيه، وعدم اعتداده بنقد الناقدين على اختلاف ألوانهم، وإصراره على ألا يسمع إلا صوت ضميره؛ حيث ينتقد الإنجليز في ترفّعهم، والمواطنين في تخلّفهم، ورجال الدين في جمودهم، ورجال السياسة في تخيّلهم، على حد سواء”. (الجزء الخامس: ص 272)
كما أشاد بهذه الترجمة العديد من المتخصصين وعلى رأسهم د. أحمد الشوكي- وكيل كلية الآثار جامعة عين شمس- حيث قال: “ولا غرو فإن ترجمة هذا العمل ونقله من اللغة الأردية إلى اللغة العربية في هذا الثوب القشيب لهو أمر شديد الأهمية لدى المتخصصين في العالمين العربي والإسلامي، إذ يشي لنا بالمصطلحات والتعريفات والعناصر المعمارية التي قد تغيب عن الكثيرين من المتخصصين الذين لا يجيدون اللغة الأردية، ومن جهة أخرى فإن هذا العمل ثري بالمعلومات عن العمارة الهندية وعناصرها”.

اترك تعليقك ...
900
900
زر الذهاب إلى الأعلى