القانون الناعم .. قانون السلوك الإجتماعي
بقلم / رشا صلاح
يعد القانون إحدى وسائل تنظيم السلوك الإنساني إلى جوار الدين و الأخلاق . فالقانون فى مفهومه التقليدي هو مجموعة القواعد الملزمة التي تكفل السلطة العامة تطبيقها من خلال جزاء توقعه جبرآ عند الاقتضاء .. وهذا المفهوم التقليدي للقانون هو السائد حتى اليوم .
ويمتاز القانون بخصائص تجعل تأثيره مهماً أبرزها اقترانه بالإلزام
لذلك قالوا ( يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرأن)
فالقاعدة القانونية بهذا المفهوم هي مجموعة القواعد الملزمة المقترنة بجزاء والمنظمة للسلوك الإنساني او أو الاجتماعي
واذا كان هذا المفهوم التقليدي للقانون هو السائد حتى الان
الا ان رياح التغيير لم تتوقف واحدثت هزة فى تلك القواعد التقليدية للقانون فأضافت إليها مفهوما حديثا مؤداه ان ( القانون يشمل مجموعة القواعد غير الرسمية ( السياسية ) . الغير ملزمة ويطلق على هذا المفهوم اصطلاح القانون الناعم soft law
فإذا كان القانون يتمثل فى تلك القواعد القانونية العامة الملزمة والمقترنة بجزاء … فإن القانون الناعم هو تلك الأدوات غير الملزمة وغير المقترنة بجزاء وتتمثل قواعد القانون الناعم فى إطار القانون الدولي العام فى الاتفاقيات غير الملزمة بين أشخاص القانون الدولي والتعهدات بين أشخاص القانون الدولي والتي يطلق عليها اتفاقيات سياسية أو ( إتفاقيات غير رسمية ). او الاتفاقات الواقعية أو أعمال التفاهم غير الاتفاقية أو أعمال التفاهم القانونية او اتفاقات الشرفاء
والاتفاقيات غير الملزمة هي اتفاقيات دولية بين أشخاص القانون الدولي التي تكون نتيجة مفاوضات وتنشئ حقوقا والتزامات متبادلة غير انها لا ترتب مسئولية دولية لأ طرافها في حالة مخالفة أحكامها
والقانون الناعم هو ترجمة للاصطلاح الانجليزي soft law ..
غير أن الفقه الفرنسي قد اختلف في ترجمة الاصطلاح الانجليزي وقت ماكانت الترجمة الشائعة له Droit mou اي القانون اللين .. وقد فضّل البعض من الفقه استخدام اصطلاح Droit souple اي القانون المرن .او الناعم . ومن ثم فإن المصطلح يسمح بترجمات متنوعة مثل القانون اللين او الرخو او او الغامض او الناعم
ويرجع انتشار قواعد القانون الناعم في إطار القانون الدولي إلى ما تتميز به العلاقات فى قيامها على مبدأ ( السيادة والمساواة )
ومن ثم لا يحق لمنظمة دولية او دولة فرض قرارات ملزمة على منظمة او دولة أخرى
كما أن حرص الدول على سيادتها هو السبب الرئيسي لما هو ملحوظ فى مواثيق المنظمات الدولية من ميل إلى نفي طابع الإلزام عن قرارات هذه المنظمات . وذلك حتى لا تأخذ المنظمة الدولية طابع السلطة التى تسمو على أرادة الدولة
ومن ناحية اخرى تبدو أدوات القانون الناعم متنوعة إلى حد كبير قد يكون حصرها أمر صعب على عكس قواعد القانون الجامد
التى تبدو مصادرها معروفة مقدما
فتتنوع أدوات القانون الناعم وتأخذ تطبيقات مختلفة مثل
النصوص التشريعية واللائحية ومدونات الأخلاقيات المهنية والآراء والتوصيات والمعايير الفنية والاعمال النموذجية
فمن بين الأدوات القانونية غير الملزمة فى القانون الدولي على سبيل المثال :
الأدوات القانونية غير الملزمة للمنظمات الدولية والتي ترجع إلى معاهدة فرساي عام 1919. التي انشأت بمقتضاها منظمة العمل الدولية ( oit )
وقد كان نتاج منظمة العمل الدولية من التوصيات وفيرا . فقد بلغ عدد هذه التوصيات حتى الآن 214 توصية فى مقابل 189 اتفاقية و 6 بروتوكولات
ولا تفتقر قواعد القانون الناعم على منظمة العمل الدولية وإنما هي أداة رئيسية لأداء المنظمات الدولية لوظائفها . وتتخذ هذه القواعد تسميات مختلفة مثل ( المدونات ) . ومن أشهر المدونات التى أصدرتها منظمة الأغذية والزراعة (FAo ) . دستور الغذاء عام 1963
ومدونة السلوك الدولية لتوزيع واستعمال المبيدات الحشرية فى عام ١٩٨٥
ومدونة الصيد الرشيد عام ١٩٩٥
كما أن نتاج القانون الناعم للوكالة الدولية للطاقة الذرية أكثر تنوعا فهمي تصدر مدونات وأنواع ومعايير تستمد اختصاصها فى هذا المجال من المادة 3 من نظامها الأساسي
.. ومن أشهر المدونات التى أصدرتها الوكالة حتى الآن
مدونة الممارسة الجيدة بشأن النقل عبر الحدود الدولية للنفايات المشعة عام 1990
ومدونة السلوك بشأن أمان وأمن المصادر المشعة . ومدونة السلوك بشأن أمان مفاعلات الأبحاث
وفيما يتعلق باللوائح فقد أصدرت الوكالة لائحة نقل المواد المشعة عام ١٩٩٦ وفيما يتعلق بالمعايير فقد وضعت الوكالة الدولية للطاقة الذرية عام 1996 معايير للوقاية من الإشعاعات المؤينة وامان المصادرالمشعة
وعلى الرغم من افتقاد القانون الناعم عنصر الألزامية او الجزاء . وبالرغم من أن المادة 38 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية التى تعدد مصادر القانون الدولي لكن تعتبر قواعد القانون الناعم قواعد قانونية بالمعنى الدقيق وانها مصدر من مصادر القانون الدولي .. فقد خلص الفقه على هذه النتيجة منذ وقت مبكر نسبيا . فالمرحوم الأستاذ الدكتور صلاح الدين عامر كان قد خلص إلى أن الجزاء لا يعد عنصرا فى القاعدة القانونية الدولية . وان عدم وجوده لا يعني عدم وجود القاعدة القانونية وأنه من المتعين وجوب النظر إلى مفهوم الإلزام نظرة تتفق مع التطورات التي طرأت على القانون الدولي العام والتي سمحت بالحديث عن القانون الهش ( الناعم ) فكثيرا ماتكون القرارات المهمة المجردة المحركة التي تصدر عبر أجهزة المنظمة الدولية التي تؤدي الى نشأة قواعد قانونية متصفة بقدر كبير من المرونة وتتيح إمكان التخلص من الإلزام بغير جزاء . او مع جزاء طفيف . بحيث نكون فى مواجهة نوع من القانون الهش ومع ذلك فأننا فى مواجهة قواعد قانونية دولية نشأت من قرارات المنظمات الدولية وان وصف هذا القانون ليس مقصورا على قرارات المنظمات الدولية فقط بل على بعض القواعد القانونية الواردة في معاهدات دولية