مصطفى ياسين.. يكتب: هُدْنَةُ القوّة والثَبَات
الحمد لله الذى ينصرُ رسلَه وعبادَه الصالحين على عدوِّهم، رغم قِلَّةِ عددهم وعتادهم، وهكذا هو وعدُه الحقّ دائماً وأبدا فى كلّ العصور والأزمنة، فهو سبحانه يملأ قلوب المؤمنين به قوّة وثباتًا لا يعرفه غيرُهم.
وإذا نظرنا إلى ما يعيشه أشِقَّاؤنا فى قطاع غزّة، بل فى كلّ الأراضي الفلسطينية المحتلّة، تتقطَّع أوصالُه على حالهم ووضعهم تحت نَيْرِ الاحتلال الإسرائيلي الغاشم، منذ ٧٥ سنة، ومع ذلك نجدهم أكثر ثباتاً وصمودا، والإيمان يملأ قلوبَهم، فلا تسمعهم إلا وهم يحمدون الله ويشكرونه و”يُحَوْقِلُون” على كل ما يصيبهم جرّاء عدوان أعداء الإنسانيّة.
ونلحظُ كذلك هذا الثباتَ والقوّة حتى على الأشبال والفتيات والنساء الذين خرجوا مؤخّرا من سجون الاحتلال، ضمن صفقة تبادُل المُحتجزِين لدى حماس، بعد أن اُعُتقِلوا وهم أطفال و”بَلَغُوا” داخل جدران السجون الإسرائيلية، وسط أجواء اعتقال غير إنسانية ومعاملات وحشيّة همجيّة لا تراعى حُرْمًة ولا فِطْرًة إنسانيّة سليمة، من كائنات تحوّلت قلوبُها إلى حجارة أو أشدّ قسْوة، خرج هؤلاء الفتية وفى كلّ لقاءاتهم يؤكّدون قولهم: (إحنا أقوى منهم، صامدون حتى النصر والاستقلال).
كشفت صفقة التبادل هذه- أمام العالم أجمع- سَوْءَات الاحتلال الإسرائيلي الذى يدَّعى التحضُّر والرُقِيّ، من خلال الفروق الواضحة للجميع فى تعاملهم مع الأشبال والفتيات المُعتَقَلين- وحتّى اللحظات الأخيرة- وإصدار الأوامر بمنع احتفال وفرحة الخروج من الأَسْر، ووصلت البجَاحة الإسرائيلية حدَّ إخراج الأهل والأصدقاء المقرَّبين من منازل المُحرَّرين، لكن الشعب الفلسطيني البطل الصامد لم تُرْهِبْهُ آلةُ العدوّ، ولم يرضخ لها، وازداد إصْراراً على موقفه من الاحتفال باستقبال المُحرَّرين!
فى المقابل شاهَد العالَمُ كلُّه، عَبْر الفضائيات المختلِفة، كيف تعامَل أتباع الدين الحنيف- والذين يُتَّهمُون بكونِهم جماعة إرهابية- مع المُحْتَجَزين لديهم والذين ظهروا وكأنّهم كانوا في نُزْهة، بثياب نظيفة، صحَّة جيّدة- رغم الحصار الخانق الذى يعيشه أهل القطاع منذ قرابة العقدين، والعدوان الغاشِم والمدمِّر طوال الخمسين يوما- بل المشاهَد الأكثر تأثيراً إنسانياً تلك التي تُبيِّن مدى العلاقة الطيّبة التى نشأت بينهم وبين مُحتجَزِيهم، من الودّ والأُلفة وتحيّات الوداع وكأنّهم كانوا في ضيافتهم وليس أماكن احتجاز!! وهذه هي قيم ومبادئ الدين والإنسانيّة التى يفتقر إليها أبناءُ بنى صهيون!
أمّا على الجانب العسكري الميداني، فقد أكّدت الوقائع ومَجْرَيَات الأمور ثباتَ وقوّة وصمود أتباع الدين والإنسانيّة، فى مواجهة أعداء الأديان والإنسانيّة، قَتَلة الأنبياء والمرسلين، الذين لم يتوَرَّعوا عن أى جريمة إلا وارتكبوها، فلم يرتدِعوا بقتل الآمنين العُزَّل والأطفال الأبرياء، والمرضى فى المستشفيات، والعابِدين فى المساجد والكنائس، والمُستَأمَنين فى المناطق الآمنة دوليا، وحتّى المَمَرات الآمنة التى تدَّعى قوّات الاحتلال تخصيصها تقوم بقصْفِها على من صَدَّقَهم!
وكانت من أعظمِ المشاهَدات فى عملية تبادل الأَسْرَى، اختيار المقاومة الفلسطينية لأماكن تسليم المُحتجزِين، فمرَّة فى رفح جنوبا، جنين شرقا، والأنكى للمُحتل أن يتمّ التسليم فى ساحة فلسطين- وسط مدينة غزّة- حيث يدَّعى العدوّ فرض سيطرته عليها بعد تدميرها بشكل شِبْه كامل!
وأنا شخصياً لا أستبعد حدوث مفاجآت كبرى حين تبادُل المحتجَزِين العسكريين، واضطرار المُحتَل للرصوخ لمطالِب المقاومة الفلسطينية والتى أعلنها “أبو عبيدة” من قبل، من “تبييض” كافة سجون الاحتلال من أبناء فلسطين عامة.
بل أضيف إلى ذلك، تحمُّل مجرمى الحرب الإسرايليين، لتكلفة إعادة إعمار ما تمّ تدميره فى كافة الأراضى الفلسطينية المحتلّة.