بقلم / نسرين عبدالمجيد
تتسلل لخبايا الذاكرة بعض من تفاصيل الماضي السحيق …. كانت تتجنبه زمنا طويلا … وتحاول الإبتعاد عن تفاصيله الدفينة ..فتظهر ما بين الفينة والأخرى …وسأخرجها من كبتها المؤلم قصه طويلة … عنوانها /متاهة الحياة….الجزء الثالث……….
عندما يقتلعك حنين بعض سنوات الحرمان ….لمرابع الطفوله …. أو عندما تضيق بك مرارة الأيام دائما ما يأخذك الحنين نحو المكان الذي وجدت فيه سعادتك لأول مرة ….. وهذا ما إقتاد اتجاه الطرق نحو الوطن والمنزل والعائلة ….ولم يكن لقاءً على قدر الحنين والمواجع …. فأستقبلني والدي بكل أنواع الجبروت والهيبة ….وكأنه لم يعد يتقبلني كفرد من العائلة …..هل تعلم يا صديقي ما هي الحالة النفسية اللعينة التي تتعرض لها عندما يقول لك والدك …أنت فاشل …أنت لا شيئ …أنت لا تصلح لأن تكون مسؤولا عن شيء … تصبح شخصا كئيبا تحوم حوله الأمراض النفسية المستعصيه محاولةً غزو ذاتك… وبعد خمسة عشرة يوما قضيتها بصراع مدقع بأعماق النفس … كان قرار الهروب الثاني ….فهذا المسافر الذي لم يستطع أن يرتاح من عذاب المحطة الأخيرة إختار محطة جديدة في مسيرة العذاب اللامتناهي … وهنا كانت العاصمة الكبيرة بصخبها وأهازيجها ..لألقي فيها أمتعتي وأذوب ما بين شقاء العمل وملذات النسيان ….. هنا تحولت النفس لآلة عمل نهارًا وهروب نحو راحة مسروقه ليلاً ….. وجدت ضالتي في كل ما يذهب العقل والروح …. وغصت في عالم المجون والملذات … حينها علمت أن الإنسان لا يختار طرقا وعرة بإرادته … أو لأنه شخص سيئ …ولكنه هروب من واقع مرير … وما بين ملذات المجون التي كنت مغيبا فيها …ولدت أجمل قصائدي …. وخط قلمي أعظم نصوص النثر … وبعض القصص ..على أمل أن تكون منجيتي في يوم من الأيام .. وبعد سنتين من هذه الحياة الصاخبة وفجأة في ليلة ربيعيه جميلة وعلى وقع ما يغيب النفس عن واقعها … إستدرجني بعض الاصدقاء لفكرة الخروج من البلد ..والهجرة نحو عالم جديد … وإنطلقت نحو وجهتي الجديدة … وفي أعماق روحي كان الحنين قد ظل بقمم الآهات …ولكنها سخرية القدر …. وهناك في محطتي الجديدة ..في ذاك البلد العربي حيث الثقافة مختلفة والأفكار منفتحة …. وانا شاب ريفي ترعرع في مجتمع منغلق …تعلمت حياة الأحياء المهمشه … وكل ما يولده الفقر من عادات يغوص بين طياتها شباب بعمر الورود …. كم كانت حياة صاخبة ومجنونة …..عرفت وقتها اصول تجارة(……..)ليس طمعًا بالربح ولكن لأسد حاجتي الشخصية من تلك الترهات الباليه ….وتوالت الأيام وأنا غارق في ملذاتي متناسيا …أو هاربا ………..
في ذاك الوقت ..بدأت بوادر الحروب تدور أحداثها المؤلمة في الوطن … وبدأت تتمزق أشلائه ما بين هذا وذاك …وعلا صوت المدافع فوق صوت المنطق والحق … وأنا في غربتي أتابع أحداثها بصمت موجع …فالوطن يبقى عزيزا حتى وإن دفعك نحو مرارة الايام …. وحينها إنتبهت …وبدأت أفكر في ذاتي ..إلى أين ..ألا يكفيني غرقا ما بين الملذات الوهمية …. وكالعادة ….وكما في كل غرق هناك منقذ …. وكانت لي منقذتي …..
خرجت تلك الحسناء الجميلة وكأنها من حوريات الأساطير … جميلة كجمال الربيع …. قادتني الصدفة نحو طريقها …أو قادها القدر أمام مفترق طرقاتي …كانت تعمل في إحدى مراكز إعادة التأهيل الكبيرة في البلد …. بصدفة بحته وضلت بين يديها إحدى قصائدي …. فأنقادت وراء سحر الكلمات …وحضرت برونقها اللامتناهي ..
وفي محادثة قصيرة استطاعت اقناعي بأن أدخل مركز إعاده التأهيل ..لأخرج من تراكم السواد الذي كنت قد إنغمست فيه حتى النهاية …وبدأت معها رحلة العلاج الطويل..أو رحلة الحب … كم كانت جميله خِلقة وخُلقا ..ومع مرور الوقت بدأت تولد بيننا شرارة الحب ……أحببتها وأحبتني … وبعد ٣ أشهر متتالية كنت قد شفيت بدواء الحب من كل ما كان عالقا بنفسي من مستنقعات القاع … لأخرج من المركز …ولم أخرج من قلب الحسناء ولم تخرج من قلبي … كنا نلتقي في كل مساء … نفترش رمال الشاطئ لنروي أحاديث العشق والغرام …. هناك بين يديها وجدت أَمْنِي ..ومأمني من كل ما كابدته سابقا … ولكن الزمن لا يتوقف،بل عاد حاملا معه منحنيات جديدة في كل مرة ..ثلاث سنوات قضيتها عاشقا هائما .. إستطعت تكوين بعض المال لأوسس فيه مستقبلا جديدا لي ولها ….ولكن وكما قلت سابقا
القدر يخطط لك ما كنت تجهله وتعاقب كل من الأيام والذكرى لا يأتيان كما تريد احلامك وذاتك …….
يتبع………