900
900
مقالات

معطف الأمطار الدافئة

الحلقة رقم ٧

900
900

بقلم / سلوى مرجان

البعض تراهم كأنك التقيت لأول مرة بالحياة، والبعض الآخر إن تراهم تتمنى لو تترك لهم الحياة.
أسامة كان أول رجل أبتسم له، لكنه لم يكتف بهذا، فطوال الطريق حتى البيت وهو يلقي علي النكات تارة، وتارة أخرى يحكي لي كيف خطرت لهم فكرة الحيلة، والأغرب من ذلك إنها كانت فكرة لورين الصغيرة وهو فقط قام بتعديلها وتنفيذها، قال لي قبل أن نصل بمسافة صغيرة:
– كل ما قلتيه عن نفسك لا يمثل لنا جميعاً أي شيء، وإن أردت أن تستقلي بحياتك وتبعتدي عن تلك الشمطاء سأساعدك.
– أنا لا أريد ترك أمي وأخواتي.
أوقف السيارة فجأة ونظر لي وهو رافع حاجبه وهتف بحنق:
– ليست أمك يا كاميليا.
– لكنها هي التي ربتني وأطعمتني وأعطتني سريراً دافئاً.
– هي لا تنفق من جيبها، كل هذا من مال الدولة، إنها تضع النقود التي تعطيها لها في جيبها الخاص، أنت وغيرك كنزها ولن تترككم بسهولة.
– لا … لقد قالت أن من يريد أن يخرج لن تمنعه، ولقد خرجت نجاة ولم تبحث عنها.
-ربما لأن نجاة هذه لم تكن تعمل.
– على العكس تماماً، فنجاة كانت تعمل طوال الوقت لدرجة أن لديها مال خاص بها.
شرد للحظات وهمس:
– غريب جداً.
– ما هو ؟
– أن تتركها.
– ألم أقل لك أنها لا تمنع أحداً.
هز رأسه ثم تحرك بالسيارة حتى وصلنا البيت، وهناك كانت الجدة صفية ولورين في انتظاري في حجرة الطعام وفي وسط المائدة كانت هناك كعكة كبيرة.
احتضنتني الجدة بحب لدرجة أنها بكت وهي تضمني وهمست:
– حمدا لله على سلامتك يا حبيبتي.
ثم ألقت لورين بنفسها في حضني قائلة:
– أنا من فكرت لتعودي لي يا معلمتي، فأنا لا أريد الحياة بدونك.
مسحت على رأسها وقلت وصوتي يرتعش من هذا الموقف الذي لم يخطر ببالي أبدا:
– أنا دائما موجودة من أجلك يا لوري.
نظرت لي بدهشة، ثم أخذت تصفق وهي تصيح بسعادة:
– إنها تدللني، إنها تدللني، أرأيت يا جدي، ألم أخبرك أنها تحبني بشدة.
ضمها أسامة إليه برفق وهمس :
– أعرف يا حبيبتي، أعرف.

بعدما احتفلنا، أعطيت الدرس للورين كعادتي، وعندما هممت بالعودة، أعطتني الجدة ظرفين، واحد لأمي والآخر قالت إنه لي وعلي أن أخبأه، ثم تقدمني أسامة وهو يقول:
– هيا لأوصلك.
– لا لا لا …..
– لا تخافي سأوصلك حتى الشارع الخلفي ولن يراك أحد.
انصعت لأمره ومضينا، وفي الطريق فتح الإذاعة فسمعت أغنية جميلة ولحنها رائع، فسألته:
– من الذي يغني؟
ضحك بصوت عال وقال:
– اقسمي أنك لا تعرفينه.
– دون قسم، أنا حقا لا أعرفه
– ألا تستمعين للإذاعة أبداً.
– فقط في رمضان وقت الإفطار.
– لا تعرفين عبد الحليم ؟!
– الذي يغني؟
– نعم هذا اسمه.
– وأين سأسمع عنه؟
فجأة دخل شارع جانبي ثم أوقف السيارة أمام محل كبير واستأذن لدقائق، وبعدما عاد كان معه علبة، قال لي:
– راديو صغير لك، أصغر حجم وجدته حتى لا يراه أحد معك، وتستطيعين أن تسمعي ما يحلو لك
– ربما يشي بي أخوتي.
نظرة غاضبة ظهرت على وجهه وهو يقول:
– أين أنت من كل هذا، أنت لست ريشة، أنت إنسان، افعلي شيئاً من أجل نفسك.
– لا أستطيع.
– إن لم تخوضي حربك، لن يخوضها أحد نيابة عنك.
– لا أريد حروبا، أريد حياة هادئة.
– المستسلمون لا ينعمون بالراحة، الراحة للمحارب فقط.
لم أجد ما أرد به، لن أفعل ما يقول، لا أريد حبسا وضربات وإهانة كالتي عشتها منذ أسبوعين ، لذت بالصمت وأخذت أستمع ل
يااااااا مالكاً قلبي
يااااااا آسرا حبي
النهر ظمآن لثغرك العذب
مل ل ل ل ل به له مل بي يااااااا مالكاً قلبي
قل لي الى أين المسير في
ظلمة الدرب العسير
طالت لياليه بنا والعمر لو تدري قصير
يا فاتن عمري هل انتهى أمري
أخاف أن أمشي فى غربتي وحدي
في ظلمة الأسر……..يااااااا يااااااااا مالكاً قلبي.

وصلنا إلى الشارع الخلفي، فأوقف العربة ولم ينظر لي، كل ما قاله:
ننتظرك بعد يومين كما تعلم مديرة الدار.
فتحت الباب وخرجت، فسمعت صوت العربة تنطلق بسرعة.
*
في المساء انتظرت حتى نام الجميع وقررت الصعود إلى السطح لأجرب الراديو دون أن يراني أو يسمعني أحد.
صعدت السلمات على أطراف أصابعي وأنا أتحسس طريقي في الظلام، وقبل أن أصل إلى باب السطح سمعت صرخة مكتومة سمرتني بمكاني، وقفت لبرهة ألتقط أنفاسي ثم استدرت لأكمل الصعود لكن الصرخة عادت أعلى وتبعها صوت ارتطام شديد، كاد قلبي يقف من الخوف، فعدت أنزل السلالم مرة أخرى لأدخل حجرتي، وبمجرد أن وصلت ألقيت بنفسي على السرير ونظرت للفتيات النائمات جميعهن، وسألت نفسي ” كلهن هنا، فمن أين يأتي الصوت؟! من تلك التي تصرخ وكأنها…..”
لا لا ، لا شأن لي بمن تصرخ أو لم تصرخ، لا أتدخل فيما لا يعنيني أبدا.
استسلمت للنوم ولكن بعد مدة سمعت وكأن أحدهم دخل الغرفة، خطوات تقترب من السرير ، وتقترب وتقترب، الآن أشعر بأنفاس قريبة مني…….
هل أصرخ؟
لم أصرخ ، لأنني سمعت صرخة أقوى تأتي من أسفل ، وعلى آثارها تحركت الخطوات مبتعدة عني.

اترك تعليقك ...
900
900
زر الذهاب إلى الأعلى