بقلم / سلوى مرجان
أنا الخطوات والطريق والطريقة، أنا القصة بدايتها ونهايتها وأنا السطور، أنا الباب والبيت والمفتاح، أنا السماء والبراح والقمر الوردي، أنا البحر والشراع وأنا……الغريق.
بعدما تعبت من الجري وقفت ألتقط أنفاسي، كانت دموعي تتساقط وأنا أتذكر دفعة واحدة كل ما حدث لي، ماذا لو كنت حقا مجنونة ويهيأ لي كل هذا، فالمجنون لا يدرك أنه مجنون، ربما هم على حق وأنا……….. لا ، لا ، لن أدع الشك يدخل قلبي ، ولكن علي الآن أن أعود إلى الدار لليلة واحدة أخيرة، حتى أحصل على ملفي الذي به جميع أوراقي، فبدون الأوراق أنا لا شيء.
عندما رجعت إلى الدار كان البعض يتناولون الغداء والبعض الآخر يثرثرون في الصالون، ولم يكن هناك أثر لأمي ، حتى الأم الصغيرة لم أرها على البوابة، فقررت الاحتفاظ بالمال لنفسي إن لم تسألني، وتوجهت مباشرة إلى الحمام وأخذت أعد كل نقودي، ووضعتهم في كيس داخل ملابسي الداخلية ، ثم نزلت وسألت عن أمي فأخبروني أنها تم استدعائها منذ قليل في قسم الشرطة.
كنت أجلس في مواجهة بابها، وأتحين الفرصة حتى إذا قام الجميع تسللت وأخذت ملفي من غرفتها، وطال انتظاري وعندما يئست قلت بصوت عال وكأنني تذكرت :
– لقد نسيت أشيائي داخل غرفة أمي، أتمنى لو كان الباب مفتوحاً.
ثم تحركت ناحية الباب لأفتحه، فسمعت واحدة منهن تقول:
– وما هي أشيائك التي نسيتيها بالداخل، لا أحد منا لديه أي شيء.
تجمدت في مكاني وأدرت وجهي ناحيتها وحاولت أن أتمالك نفسي وقلت بسرعة:
– بالطبع لدي، ملف العمل الخاص بالتدريس للصغار.
نظر لي الجميع وشعرت أن هذا ليس الوقت المناسب للدخول، فالجميع ينظر نحوي فقلت متمتمة:
– حسنا سأنتظر أمي، فهي بالتأكيد قد وضعته في مكان ما.
ثم صعدت لغرفتي فوجدت إحدى الفتيات تمسك بالفتلة وترسم حواجب لفتاة أخرى وعندما رأتني أطلقت ضحكة ساخرة ورقيعة وقالت:
– تعالي يا كاميليا أرسم لك حاجبيك اللذين يشبهان حواجب الرجال.
أجابت الأخرى:
– اتركي المعلمة يا نوجا، هي لا تحب الاختلاط بأمثالنا.
واستمرا يضحكان، فوضعت رأسي على الوسادة وأدرت ظهري، فشعرت بإحداهما تقترب مني، ثم شدت الغطاء من فوقي وصاحت بي:
– لقد احتملت كثيرا ولم يمنعك عني سوى وجود الأم، ولكنها اليوم أطلقت يدي.
لم أفهم كلامها إلا بعدما سحبتني من شعري إلى الأرض، فشعرت بغضب شديد لم يسبق وشعرت به، فقاومتها ثم قفزت نحوها وأمسكت أنا الأخرى بشعرها أجذبه، فتدخلت الأخرى والتفوا حولي وبدأوا يضربوني بأرجلهما وأيديهما، كنت أقاوم وأحاول ضربهما بكل ما أوتيت من قوة، وأصرخ عالياً ، وعندما أخذت ضربات لا بأس بها، فتحت هدى الباب وصرخت بهن وأزاحتهما من فوقي، ثم أجلستني فصرخت بهما من شدة غضبي:
– يا أولاد الكل-ب.
أشارت واحدة منهن إلى لسنها وقالت:
– سأقطعه لك يا ساقطة يا ابنة الساقطة.
قلت ساخرة والدماء تسيل من فمي:
– من التي تتكلم؟! زميلة الدار ابنة الساقطة هي أيضا.
همت أن تضربني مرة أخرى فوقفت هدى بيننا، ثم نظرت لي بدهشة وقالت:
– ماذا بك يا كاميليا اليوم؟!
– ماذا بي؟! لقد ضربوني، ألم تريهم بنفسك.
– لكنك أول مرة تسبين وتضربين هكذا.
لم أرد عليها ودخلت الحمام لأغسل وجهي،وعزمت على شيء واحد فقط هو أن تلك الليلة هي آخر ليلة.
كان معي المال الكافي وتنقصني الأوراق، وانتظرت حتى انتصف الليل وغط الجميع في النوم، فتسللت وهبطت السلالم بحذر وأنا أتلفت يمينا ويسارا، وقفت أمام الباب في البرهة المظلمة وتصنت لأتأكد من عدم وجود أحد بالداخل، ثم فتحت الباب بحذر ودخلت.
كانت الحجرة تقبع في الظلام، ففتحت جزءا من الستارة لأسمح لضوء الشارع بالدخول وأرى ملفي من بين الملفات، وبالفعل أخرجتهم جميعا ولكن الغريب أن ملفي كان فوقهم جميعاً وكأنه موضوع لتوه. سحبته بسرعة ووضعت البقية مكانهم، ثم خرجت من الغرفة.
نمت ساعتين فقط واستيقظت ودخلت الحمام لأضبط ملابسي التي وضعت داخلها المال والأوراق، وأحمد الله أننا في الشتاء حتى لا يلحظ أحد انتفاخ ملابسي، نزلت إلى أسفل وتناولت فطوري بهدوء ولم أهتم لنظرات الفتيات لي، وبعدما أنهيت طعامي قمت وفتحت الباب وتحركت نحو الحرية، خطوات قليلة تفصلني عن الأم الصغيرة، كالعادة أوقفتني وسألتني:
– إلى أين؟
– درس لورين الصغيرة.
– أين فلوس الأمس؟
– أعطيتها لأمي.
نظرت لي بريبة ثم أشارت لأخرج، فتحركت الخطوتين وأنا لا أصدق نفسي، ولكن سيارة وقفت أمامي وأطل منها الضابط وقال:
– نريدك قليلا أنسة كاميليا.
وقفت مكاني وابتسمت لأداري خيبة أملي، فخرج الضابط ومعه رجل آخر ، وبدلا من أن ندخل البيت أشار الضابط لي لأدخل السيارة، فحمدت الله أنني لن أعود للبيت وركبت معهما.
طوال الطريق كنا صامتين، حتى وقفنا أمام مبنى مكتوب عليه ( مركز العلاج النفسي والعصبي)، وهنا نظرت للضابط الذي أشار لي لأدخل، مضينا في ممر طويل، ثم طرق باب غرفة ودلفنا للداخل.
خلف المكتب وقف رجل بدا من هيئته أنه طبيب ، سلم عليه الضابط ثم قال:
– هذه كاميليا.
نظر لي الطبيب ثم أشار لأجلس، فخرج الضابط من الغرفة وهو يقول له:
– لن أوصيك.
أخذ الطبيب ينظر نحوي يتفحصني، ثم بدأنا الكلام:
– كاميليا اسم جميل، من الذي أطلق عليك هذا الاسم.
– لا أحد، أنا لقيطة.
– عظيم جدا، هل تعرفين أن اللقيط يعاني من بعض الاضطرابات نتيجة ظروفه الاجتماعية؟
– بالطبع أعرف.
– عظيم ، لنعترف إذا بكل شيء.
– ليس لدي ما أعترف به.
– بل لديك الكثير، وأنا أعلم.
– ماذا تعلم؟
– قتلت فيروز.
– لم يحدث أبداً، أنا أعاني من بعض الاضطرابات ولكن لا يمكن أن أقتل.
– عظيم جدا، يبدو أنك على وعي بمرضك.
– نعم.
– احكي لي، كل شيء.
– لقد ساعدت نجاة على الهرب، خاصة بعدما علمت أنها ابنة الأم، فقررت أن أحرق قلبها عليها، خاصة أن نجاة نفسها لا تعلم أن المديرة أمها لأنها جاءت بها من سفاح، وبالفعل هربت نجاة مع موظف في شركة ملاحة.
– وماذا أيضاً ؟
– أقنعت صاحب الفندق أن فيروز رخيصة وبالضغط عليها سوف تستسلم له.
– ودعاء ؟
– كنت أردد على مسامعها كل ليلة أن هناك قبو لمن تعترض على كلام الأم، وهناك من يصرخ بداخله طوال الليل.
– لماذا أخبرت الضابط بسماعك لصوت؟
– كنت أريده أن يصدق ما تفعله الأم.
– وماذا تفعل؟
– تقوم بتعذبينا.
– ثم؟
– ثم لا شيء، أنا أريد الخروج الآن.
– الخروج؟! أنت تحلمين، هنا هو مكانك الأمثل.