بيات شتوي…
بقلم / سلوى مرجان
فوق جبل يلامس السماء، جلست العجوز تنشر خشبة بيدها الضعيفة، وبجوارها جلست حفيدتها الصغيرة تدندن أغنية عن الألوان،،، فجأة توقفت عن الغناء وسألت جدتها: هل تذكرين؟ ؛ اليوم عيد ميلادي.
أجابت العجوز دون أن تلتفت لها: كل عام وأنتِ بخير يا صغيرتي.
قالت الصغيرة: أصبح عمري ست سنوات، ويقولون أنه عمر الزهور، فكيف تبدو الزهور يا جدتي؟
توقفت العجوز عن نشر الخشبة للحظات قبل أن تجيب: تبدو كشيء رقيق يحمل ألوانا بديعة.
سألتها الطفلة بفضول: وكيف هي الألوان؟
أجابت الجدة: كل لون ليس كالآخر.
الصغيرة:حدثيني عن الأحمر؟
العجوز: لون دافئ كالشمس، الحرارة التي تشعرين بها على جسدك، لون تكتسي به وجنتي الفتاة إذا قيلت لها كلمة حلوة.
الصغيرة : والأبيض؟
العجوز:هدوء، سكون، حب، أمان، ورحمة.
الصغيرة مبتسمة: إذا أنت الأبيض يا جدتي… والآن كيف يبدو الأخضر؟
تسرح العجوز لبعيد وهي تقول: أسمعت رفة الحمام؟! أسمعت هديل اليمام؟!، الأخضر هو لمسة المحبين، قلب لا يحمل الضغينة أبداً.
تنهدت الصغيرة وهي تنظر للفراغ، ثم سألت بحماس: والأزرق، كيف يكون؟
نظرت الجدة للسماء وقالت: البراح…. المسافات الطويلة التي نقطعها ما بين الحلم وتحقيقه، والمجهول الذي لا نعلم عنه شيئاً، والمسافر الذي يؤرقنا غيابه.
بسرعة هتفت الصغيرة: كرحلة أبي وأمي إلى السماء.
وضعت العجوز وجهها في الأرض وأجابت بحزن: نعم الرحلات الأبدية تحمل هذا اللون.
أخيراً سألت الصغيرة: والأسود؟
هذه المرة تنهدت الجدة ونظرت لها تتأملها، ثم قالت: سيد الألوان، هو الحرب، الخوف، المرض، القلق، الحزن و….
صمتت الجدة فاستحثتها الصغيرة قائلة :وماذا؟
أجابت الجدة بتؤدة: وهو اللون الوحيد الذي تعرفيه جيداً.
شردت الصغيرة وهي تتمتم: وهل تعرفيه أنت يا جدتي؟
أجابت الجدة: نعم… عندما أغمض عيني.
قالت الصغيرة بأسى: لم لا يمكنني أنا أن أحلم ببقية الألوان؟
أجابت الجدة: لأنكِ لم تريها.
سألت الصغيرة: كيف تبدو الرؤية؟
الجدة: زحام تتحرك فيه الأشياء ذات الألوان المختلفة.
ابتسامة باهتة ظهرت على وجه الصغيرة وهي تهمس: لقد أكملت اليوم ست سنوات من الأسود.
أعطتها الجدة عصاها الجديدة وهي تربت على كتفها قائلة : سترين الألوان بقلبك الأبيض.
من روايتي #بيات_شتوي
سلوى مرجان