أقول لكم : «حرب غزة» : مصر تسابق الزمن لإدراك هدنة رمضان
بقلم / أحمد الشامي
تسابق مصرالزمن من أجل التوصل إلى اتفاق حول وقف إطلاق النار في غزة وتبادل الأسرى قبل حلول شهررمضان، بعد أن قدمت حركة حماس مقترحها بشأن الهدنة خلال الأيام الماضية وتنتظرالآن رداً من إسرائيل التي غاب مفاوضيها عن هذه الجولة، في ظل الصعاب التي تواجه العملية التفاوضية، إذ تصر حماس على وقف دائم للقتال قبل تبادل الأسرى، وإنسحاب إسرائيل من القطاع وإعادة سكان الشمال ونفاذ المساعدات الإنسانية والطبية للسكان، فيما تطلب إسرائيل قائمة باسماء الأسرى الأحياء وأن تكون الهدنة لمدة ستة أسابيع فقط، ولذا تسعى مصرالتي تقود المفاوضات بمساعدة قطروالولايات المتحدة الأمريكية لتقريب وجهات النظرلإدراك هدنة طويلة للحيلولة دون وقوع مجاعة، قبل حلول شهر رمضان، في الوقت الذي أعلنت الإدارة الأمريكية حليف إسرائيل الإستراتيجي أن إسرائيل وافقت على مقترح لوقف الحرب وإن الأمرمتروك لحماس لقبوله، وهنا يجب علينا أن ندرك أن العظماء فقط هم من يدركون قيمة السلام ويسعون إليه من أجل بدء مرحلة من البناء والتنمية وهوما تنبهت له مصر وسعت إليه مبكراً، عندما وقع الرئيس الراحل السادات اتفاق السلام مع إسرائيل عام 1979ما جنب المنطقة من ويلات الحروب لأن المحافظة على السلام أهم من صنعه، ولذا لم تتوقف الجهود المصرية خلال السنوات الماضية للتوصل إلى حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين ولازالت تسعى لتنفيذ ذلك الحل لإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي بعد سنوات من الحرب راح ضحيتها عشرات الاَلاف من الشهداء المصريين الذين دافعوا بشرف عن فلسطين ولازالت القيادة المصرية بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي تنتهج الأسلوب نفسه من أجل التوصل إلى حل عادل للقضية الفلسطينية على وقع مسئوليتها التاريخية للدفاع عن حقوق الأشقاء العرب خصوصاً الفلسطينيين.
تاريخ الصراع في فلسطين يؤكد أن الحرب في غزة ليست صراعاً ثنائياً من أجل البقاء لكنه بات أكبرمن ذلك وصارتتويجاً لصدام الحضارات الذي ظهر بجلاء عقب أحداث 11 سبتمبر2001 التي وقعت أحداثها بالولايات المتحدة الأمريكة وتسببت في حدوث حالة من الإسلامو فوبيا«كراهية الإسلام» في الغرب ولولا ذلك لما حصلت إسرائيل على كل هذا الدعم المعنوي والعسكري والمالي من أوروبا والولايات المتحدة الأمريكة بعد 7 أكتوبر الماضي، ما أعاد إلى الأذهان جذورالصراع القديم بين المسلمين والمسيحين عقب سقوط القدس في أيدي المسلمين في عام 634 ميلادية واستمر هذا الوضع حتى انتصرت الإمبراطورية العثمانية في معركة كوسوفووحصلت على موطئ قدم في أوروباعام 1388 وبعدها سقطت القسطنطينية في عام 1453 ليتفاقم الصراع بين الحضارتين الإسلامية والمسيحية والذي تجسد بعد أحداث 11 سبتمبر عام 2001 على لسان الرئيس الأمريكي جورج بوش الذي قال علناً «هذه الحملة الصليبية..هذه الحرب على الإرهاب ستستغرق فترة من الوقت» وهي الجملة التي تعني بالنسبة للعرب عودة الأعمال الصليبية للتطهيرالعنصري من جديد وهو ما ظهر في تعامل إدارة الرئيس بايدن من الحرب الدائرة في غزة، إذ قال وزيرالخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عقب إندلاع القتال في السابع من أكتوبر الماضي، إن وجوده في تل أبيب بصفته يهودي وليس بصفته وزير خارجية للولايات المتحدة فحسب، ما أدى لنشرالخوف من المسلمين والإسلام، وهو ما يطلق عليه رهاب الإسلام في العالم الغربي أوالإسلاموفوبيا الذي صارجزءاً لا يتجزأ من التراث الفكري للعالم الغربي عن العرب.
لا تنسى مصرأبناءها رغم الظروف الصعبة التي تمربها منذ سنوات، والحروب الدائرة على جدودها من جميع الجهات إذ إن العدالة لا تغيب شمسها أبداً بين فئات المجتمع، ولذا حرص الرئيس عبدالفتاح السيسى، منذ توليه رئاسة الجمهورية في عام 2014، إلى توفير حياة كريمة للمواطنين من خلال إطلاق العديد من المبادرات في جميع المجالات خصوصاً الاقتصادية والاجتماعية والصحية لتحقيق المساواة، وحماية الفئات الأكثر إحتياجاً وتعتبرمبادرة «قادرون باختلاف» نموذجاً حياً لرغبة الدولة في دمج جميع الفئات في المجتمع وحصولهم على حقوقهم، وكان حضورالرئيس عبد الفتاح السيسى، قبل أيام إحتفالية «قادرون باختلاف» فى نسختها الخامسة بمركز المنارة للمؤتمرات الدولية بالقاهرة الجديدة دليلاً مهماً على رغبة حقيقية في دمج هذه الفئة في المجتمع تتويجاً لقرارالرئيس بأن يكون عام 2018عاماً للإعاقة، ولم يكن غريباً أن يوجه الرئيس عبدالفتاح السيسى، الحكومة بتخصيص 10 مليارات جنيه لصندوق «قادرون باختلاف» معرباً عن سعادته بوجوده فى الاحتفالية مشدداًعلى ضرورة التلاحم بين الجميع من أجل عبورهذه الأزمة التي بدأت عبر تفشي جائحة كورونا والحرب الروسية الأفغانية وأخيراً الحرب في غزة واليمن ما أثر سلباً على دخل قناة السويس.
إن سياسة مصرالمتوازنة في المجالات كافة جعلت قيادتها محل ثقة من جميع الدول ومؤسسات المال الدولية ولذا جاءت موافقة صندوق النقد الدولي، على زيادة قيمة قرض مصرإلى 8 مليارات دولار، بدلاً من ثلاثة مليارات كان قد تم الاتفاق عليها في ديسمبر2022، دليل على أنها تسيرفي الإتجاه الصحيح من أجل الإصلاح الهيكلي للاقتصاد، إذ سيسمح القرض للحكومة المصرية بالتقدم للحصول على قرض إضافي بقيمة 1.2 مليار دولار من صندوق الاستدامة البيئية التابع لصندوق النقد الدولي، ليصبح المجموع الكلي نحو 9.2 مليارات دولار، كما يسمح لباقي شركاء التنمية وعلى رأسهم البنك الدولي والاتحاد الأوروبي، لتوفير قروض ميسرة للدولة المصرية بحيث يكون برنامج متكامل بأرقام كبيرة يُمكن مصر من الاستقرارالنقدي والاستمرار في الإصلاحات الهيكلية، فيما تستهدف الحكومة المصرية ألا يتجاوز سقف الاستثمارات العامة تريليون جنيه مصري 20.2 مليار دولار في السنة المالية 2024ـ 2025، كما تخطط لتحقيق فائض أولي 3.5 % في السنة المالية المقبلة، وخفض الدين إلى أقل من 90 % من الناتج المحلي الإجمالي، وجاء الإعلان عن الاتفاق بعد تحريرسعرصرف الجنيه ليصبح أكثرمرونة وهو مطلب رئيس في برنامج دعم صندوق النقد الدولي، ويأتي الاتفاق مع صندوق النقد بعد أقل من أسبوعين من إعلان مصر عن اتفاق مع الإمارات بشأن صفقة تطوير مدينة الحكمة، والذي من شأنه أن يجذب استثمارات مباشرة لمصر بقيمة 35 مليار دولار بحلول أواخر أبريل.
وأقول لكم، إن سعرالصرف العائم يعني التخلي عن سعر صرف الجنيه من خلال معادلته مع عملات أخرى ليصير محرراً تماماً، دون تدخل الحكومة أوالبنك المركزي في تحديده مباشرة بحيث أنه ينشأ تلقائيا بناءً على العرض والطلب في سوق العملات النقدية والذي يتم من خلاله تحديد سعر صرف العملة المحلية في مقابل العملات الأجنبية وتظل أسعار صرف العملة العائمة تتغير باستمراروفق تغيرات العرض والطلب على العملات الأجنبية بالشكل الذي قد يجعلها تتغيرعدة مرات على مدار اليوم الواحد، ما يسهم في جذب الاستثمارات الأجنبية وزيادة الصادرات والقضاء على السوق السوداء وتعزيزالشفافية فضلاً عن زيادة ثقة المستثمرين في الاقتصاد المصري، وأرى أن تحرير سعرالصرف سيسهم إلى حد كبير في استقرار الأسواق رغم الظروف الصعبة التي يمر بها الاقتصاد المصري للقضاء على السوق السوداء وتحقيق الاقتصاد عوائد كبيرة من التصدير والسياحة والاستثمارات الأجنبية وانخفاض الواردات الأجنبية، وجاء قرار تحرير سعر الصرف مع إعلان البنك المركزي المصري رفع سعر الفائدة 6% دفعة واحدة على الإيداع والإقراض ليصل إلى 27.25% للإيداع و28.25% للإقراض، بالتزامن مع توحيد سعر الصرف إذ سيسهم ذلك في القضاء على تراكم الطلب على النقد الأجنبي، في أعقاب إغلاق الفجوة بين سعر صرف السوق الرسمي والموازي، فضلاً عن وصول التضخم إلى مساره النزولي، وضمان انخفاض المعدلات الشهرية للتضخم.
أحمد الشامي
Aalshamy6110@ yahoo.com
.