د. محمد كامل الباز يكتب : إختيار الإنسان وإختيار الرحمان
حكي لي أحد الأصدقاء موقف حدث له شد انتباهي جدا؛
كان مسافر خارج القاهرة لإنهاء بعض الأعمال، كان متعجل على أمره جداً، لم يكن معه سيارة وعند ذهابه لموقف السيارات، سأل عن العربية المتجهة للسويس حيث يقصد، بالفعل وجد سيارة ممتلئة وبها مقعد خالي متبقي، هرول ليلحق بذلك المقعد وإذ بسيدة كبيرةكانت هناك، نظر وهو لا يملك شىء، السيدة كبيرة ولا يصح أن يسبقها ويدخل هو السيارة، بالفعل دخلت السيدة وامتلئت العربة وانتظر صديقي سيارة أخرى تبدأ فى التحميل لدورة جديدة، كان فى شدة الضيق وحدث نفسه أن لو تقدم دقيقة قبل تلك السيدة، كان سيكسب من الوقت الكثير خصوصاً أنه كان فى عجلة من أمره، مر الوقت وامتلئت أخيراً السيارة وبالفعل ركب صديقي الذي كان غاضباً جداً، أثناء الطريق وجدوا شرطة وإسعاف، حادثة كبيرة فى منتصف الطريق وإذ بعربة نقل كبيرة قد دخلت فى السيارة السابقة التي كان يتلهف صديقي للركوب فيها، مات على إثر تلك الحادثة كل الركاب، اندهش صديقي وحمد الله كثيرا وسجد له فقد كان غاضباً من التأخير عن العمل، لكنه لم يعلم أن الله فعل هذا حفاظاً علي حياته.
مثلما حدث لصديقي الذي خرج وغضب من ضياع جزء من وقته خرج حوالي ثلاثمائة رجل فى مثل هذا اليوم ( السابع عشر من رمضان للعام الثاني من الهجرة) منذ أربعة عشر قرناً، كي يقطعوا الطريق على عير قريش التي كان يقود قافلتها أبو سفيان، علم المسلمون من خلال عيونهم أن القافلة بها معظم إقتصاد قريش، قريش طردتهم وأخذت كل أموالهم عندما هاجروا للمدينة، الفرصة سانحة لرد الصاع صاعين واسترداد المال المسلوب، أبو سفيان رجل داهية علم من بعض الآثار وبقايا التمر ( تمر يثرب) أن من كان يتتبع أثره رجال من المدينة فأحس بالخوف وأرسل أحد رجاله مسرعاً يحذر قريش أن محمد خرج ليهاجم أموالهم فلينقذوا تجارتهم ولقمة عيشهم، بالفعل وصلت الرسالة لقريش التي هبت عن بكرة أبيها لإنقاذ أموالها وعيرها، فى نفس اللحظة كان محمد صلى الله عليه وسلم خرج من المدينة بثلاثمئة رجل كي يحاصر القافلة، هدف الرسول صلى الله عليه وسلم هو أخذ القافلة وإضعاف قريش إقتصاديا واسترداد بعض من المال المفقود فى مكة، فى نفس الوقت كان الداهية أبو سفيان سلك طريق الساحل ليحطاط بنفسه إذا تاخر المدد القريشى، وبالفعل نجح ابو سفيان فى الإفلات بالعير والاقتراب من مكة ولكن كان جيش قريش خرج بألف رجل لحماية القافلة، وأثناء تواجدهم فى العدوة القصوي جاء لهم رسول أخر من أبو سفيان أنه تم إنقاذ القافلة فلا داعي للقتال ولتعودا ادراجكم، لكن أبا جهل المتغطرس قائد قريش رفض أن يعود قبل أن يؤدب المسلمين الذين بدورهم اقتربوا من بدر عند العدوة الدنيا، وهنا كانت بداية غزوة من أجل وأعظم بل من أشرف غزوات التاريخ، غزوة لم يكن يطلبها المسلمون ولا كان يتوقعها القائد والرجل الأول وخاتم وأشرف الخلق أجمعين، خرج المسلمين بثلاثمئة رجل ليأخذوا عير هي حقا لهم فوجدوا أنفسهم أمام معركة نظامية متكاملة مع جيش مدرب هو أقوي جيوش الجزيرة العربية بتعداد ألف رجل؛
لكنك فى حياتك كثيرا تحزن على أشياء وتجد بها كل الخير، تطلب من الله أشياء ولا تتحقق لك فتصاب بالهم والكمد وأنت لا تعلم أن العلي القدير قد أخفي لك ماهو خير منها وأفضل لك، لم يكن يعلم المسلمون أن الله عزّ وجل منع عنهم العير ليمنحهم نصر كبير على ألد الأعداء واقوي الخصوم، فقدوا بعض العير ولكن الله عوضهم بغنائم لا حصر لها، لم يخرج المسلمون من نصر بدر بالمكسب المادي فقط ولكن كان معه مكسب لايقل أهمية، وهو النصر المعنوي والأدبي، ذاع صيت المسلمين فى المدينة وبدأ القاصي والداتي يعرف دولتهم، سمعت القبائل عن دعوة محمد وكيف لهذا الرجل ببضع مئات من الرجال يكسر أنف قريش المتزعمة لكل القبائل العربية، تم القضاء على كل قادة قريش المتغطرسين أمثال أبي جهل، أمية بن خلف، عتبة بن ربيعة، كانت بدر وستظل فرقان كبير قسم بين الحق والباطل وكسر كبرياء الظالمين ، أعط لهم درساً لن ينسوه،
وكما حزن صديقي عند تأخره عن السفر ولم يكن يعرف أن فى هذا نجاته، وكما حدث مع المسلمين حينما حزنوا لضياع العير ولم يتوقعوا أن الله استبدل لهم العير بهذا النصر المبين، أرجو من اخوتي فى غزة ألا يحزنوا ويعلموا أن كل ما دفعوه من أموال وأنفس فى الأيام والسنين الماضية ستكون أيضاً خير لهم، لو اتفق المسلمون والمشركون فى بدر أن يرتبوا موعد اللقاء لما استطاعوا أن يرتبوه كما أعده لهم المولي عز وجل وبما أن خطوات الإنسان تقوده إلي مصيره فما فعله الكيان الصهيوني طيلة سبعين عاماً وآخرها منذ شهور بالطبع سيقوده إلي مصيره، مثلما قدر الله منذ أربعة عشر قرناً لقاء بين فريقين دون أي تدخل منهما، انتصر فيه الأقل عدداً وتجهيزا، قادر سبحانه أن يعيد هذا اللقاء دون تدخل من مجلس أمن أو أمم متحدة، لنترقب هذا اللقاء الذي يأذن فيه الله بزوال الظلام وشروق الشمس التي اشرقت على بدر منذ مئات القرون دون ميعاد مسبق.
الأنفال (41) (إِذْ أَنتُم بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُم بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَىٰ وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ ۚ وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ ۙ وَلَٰكِن لِّيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ ۗ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عليم ).