ودارت الأيام على القائم بغيره لا بذاته “
كتبت / د. أمينة سالم
ودارت الأيام مونودراما لعرض مسرحي شاهدته خلال هذا الأسبوع على خشبة مسرح الهناجر بالأوبرا من إخراج السينوغرافي فادى فوكيه. والذي تجلت فيه الفنانة القديرة وفاء الحكم بالأداء الرصين الواعي والمتدفق ؛ بتفاصيل لثنايا بنية الشخصية الدرامية لامرأة تخطت منتصف العمر وهى في حالة نزيف للعطاء الأسري؛ وعندما جاءت لحظة الأخذ والانتظار بلهفة المشتاق لإشباع احتياجاتها كإمرأة باتت في كدر ملوم مشؤم .
وتعد الحكيم هى إحدى الفنانات لجيل حفر في الصخور الصلده بمعول أفقدته الأيام المرهقة سنونه ؛ لإيمانهم برسالة المسرح الهادف ؛ لذا كان تمسكهم بعتبات الفن النظيف له قيمة راسخة عند المتلقي البسيط ؛ وإن تباعدت المسافات بين شوق وانتظار لشتى الأعمال التى قدمتها على خشبات المسرح المصري.بتفسيرات لها طابع خاص ومتميز ومغاير عن مثيلاتها لعديد من الشخصيات الدرامية كممثلة لها ردح من الزمن ..
وهو ما يدعونا للتساؤل.؟ لمحاولة التفسير والذى يأتى على مستويين :
أولاً : أو ما يسمى بالمسرح التفسيري. والثاني هو تفسير النص الدرامي على خشبة المسرح وهي العملية التوليدية للعمل المسرحي؛ وللنص الأدبي بمختلف تحولاته من خلال تفسير المخرج . وهل للممثل تفسير مغاير لتفسير المخرج ؛أو بمعنى آخر. كيف يمكن للممثل أن يصور الشخصية المراد القيام بها وتفسيرها.
ومن المعروف أن التفسير هو” الوسيط بين النص الأدبي ، والعالم . حيث يرتبط التفسير بأيديولوجية المُفسر، التي تُحدد من خلاله رؤية العالم ، كما تٌحدد أطر الدلاله.. التي يقرأ المفسر في ضوئها النص ويفهمه. كذلك يوضح المؤلف أن المٌفسر حين ينقل تفسيره إلى القراء ، فإنه يهدف بذلك – بصورة واعية أو لا واعية – إلي نقل وجهة نظره (الأيديولوجية) وتدعيم رؤيته للعالم – وعلى هذا فكل تفسير له هدف برجماطيقي في نهاية الأمر.” لذا فإن الممثل هو الوسيط الذي تعتبر المحاكاة هى جزء من أدواته لا يكتمل التمثيل بدونه ؛ فهو الذي يحاكي اللحظة التى يمثلها وبالتالي فعليه أن يمشي بين الناس ليستقي من عواطفهم ما يتلائم مع أدائه للدور الذي كتبه المؤلف ومن ثم فإذا كان المؤلف هو القوة والمخرج هو قوة الدفعه فإن الممثل هو رأس الحربة على خشبة المسرح؛ كونه الوسيط بين ابداع المؤلف وإبداع المخرج
ولذلك فعندما يتناول المخرج نصا درامياً لإخراجه ننظر بالتأكيد أولاً من كتب هذا النص ونحاول تحليل أعمالة السابقة للتعرف على توجهاته على المستوى الأيديولوجي للتعرف أو لشرح طبيعة نصة للمتلقي ؛ ولذلك يظل التفسير لدى المخرج هو شرح وتفسير للغة النص والتى رغم سياقاتها المتغيرة إلا أنها تعد أساس الاتصال الثابت للفهم فهو سيمونطيقا تفسير المسرح ؛ وذلك من خلال توافقية بين نظرية النص وجماليات التلقي ؛ ومن ثم فإن العملية التفسيرية حاضرة في شتى مراحل وجود النص أى إن كان نوعه .والذى من المفترض أن يكون الممثل مشارك فيها كرأس حربه للاتصال والتواصل لدى المتلقي .
والنص الذي نحن بصدده الآن والذي شاهدته على خشبة مسرح الهناجر ( ودارت الأيام ) انطلق من مفهومات النسوية ؛ أو رسائل الجاندر بتوظيفها لبنية الشخصية اجتماعيا وثقافيا تعبيرا عن تلك المتغيرات التى تتعلق بالنظر للمرأة وحياتها العملية والنفسية والجنسية ؛ جسدتها الحكيم بوجوه عدة لقضايا متنوعة ؛ تارة بالتلويح وأخرى بالتصريح ؛ بصور ورموز ودلالات جمعت بين رؤية المخرج والمؤلف معاً ؛ حيث استمدت محاكاتها من الواقع المعاش للمرأة المصرية بالتأكيد على الهوية بمقاطع من أغاني أم كلثوم حسب طبيعة المشهد الدرامي؛ تلك المرأة التى تتشابة مع مثيلاتها من المرأة العربية عندما تصل لخريف العمر وقد مرت بتجارب انسانية متعدده بحثت من خلالها عن خصوصية لذاتها الكسيحة والمنقوصة والتى لا تكتمل غير بوجود الآخر .. تحاول أن تستجمع أشلائها الممزقة عبر دروب الزمن الماوضوي والحاضر غير أنها تكتشف بالنهاية أنها عاشت مخدوعة كغربال أسقطت منه حباته قطرة بقطرة فأفضىً ما فيه فخرجت صفر اليدين ؛ مما جعلها جسد منهك في حالة من الشجن والوحدة ؛ اعتلته الذكورة فحولته الى خواء دون إشباع لشتى رغباته ؛ مما أفقدها الرغبة في الحياة فتحول هذا الجسد لكم مهمل داخل حيز فضاء المنزل بحوائطه الثلجية الكئيبة .
وهنا نجد أن المؤلفة( أمل فوزي ) والتي يعد هذا العمل هو الأول لها في إنتاجة على خشبة المسرح ؛ أرادت أن تسلط الضوء على الجزء المخفي للنظرة الدونية كونها جسد قائم بغيرة لا بذاته وفي إطار التحليل النفسي لتلك المرأة من منظور بيولوجي ؛ فأخذت المتلقي لرحلة استكشافية تنويرية عبر سرد لحكايات ومواقف مؤلمة تجلد فيها المرأة ذاتها بلحظات من الإجترار بالسخرية المريرة عبر الضحك والبكاء ؛ انطلاقاً من منطقة الوعي واللا وعي واعتماداً على منهج التحليل النفسي لفرويد ؛ ليجد المتلقي نفسه بين ثلاثية من الحيرة والقلق والغموض وتلك الجسد المنهك بين ثنائية الحياة والموت.
أخذت الفنانة وفاء الحكيم آلام وهموم النساء الحاضرات في أروقة قاعة العرض ؛ فأضحكتهم وأبكتهم على ذواتهن في إطار النهوض بهن وإعمال عقولهن بالتفكير الثوري للإبقاء على ماتبقى من ذواتهن الكسيحة نتاج سنوات نسين فيهن أنفسهن بالعطاء دون إبقاء .عشن فيها يجلدن أنفسهن من أجل ان يثني عليهم الآخر.. ليأتي الغد بالفراغ والحسرة والأسف .
الجدير بالذكر أن المخرج والسينوغرافي فادي فوكيه استخدم خشبة المسرح أمثل استخدام بوضعه مفردات الديكور والاكسسوار واختيارة لطبيعة الملابس وتلك الشرائح المفرغة للدلالة الرمزية على الفراغ والخواء النفسي الغير مشبع ..
وقد استخدم التجريدية لتعرية الدلالات للبيئة الحياتية المحيطة بالشخصية الدرامية على خشبة المسرح بأشكال غير معروفة لتوليد اللاشعور المحزون داخل النفس البشرية كمحاولة لتجاوز الزمان والمكان والتى تعمل على تجاوز العلاقات الارتباطية وذلك بتغيير العلاقات الواقعية البيئية بين اللون والشكل وبين زمان الأحداث وبين معرفة المكان وغرائبه .
وبالأخير تحية لكل العاملين.