حنين الصايغ تكتب : أختي أمل
ليس هناك من مستحيل، هناك حدودٌ للتضحيات التي نقدِّمها في سبيل هذا المستحيل، والحدود نحن من يقرِّرها. خبرت التضحية بأضيق أنفاقها وأكثر أوديتها عمقًا، أقدمت على التضحية كإقدام الطحين على الماء، وهبت نفسي للحبّ ليشكِّلني كما يشاء، ليزيدني أو يُنقص منِّي. صرخت «نعم» كي أتغلَّب على كلِّ أفاعي وزواحف التردُّد والرفض، كلَّما أتاني الحبّ باختبار كنت أصرخ بملء جوارحي «نعم» وأقفز. القفز الذي يراه الجميع فعل انتحار، أصبح عندي فعل حبٍّ واستسلام، صرت أقفز ولا أشعر بالوجع. لن أكذب وأقول إنَّ الوجع لم يعد هناك بل هو حاضرٌ بشدَّة، ولكنْ فهمي له، تقبُّله، وإجلاسه في صدر دار روحي جعله أليفًا ورقيقًا. أحيانًا أشعر إنَّني محظوظ، لأنَّني لم أكن لأختبر الحياة بهذا العمق لو لم يكوِني الألم.
لنعد للتضحية. نعم ضحَّيْت بكلِّ ما هو أنا. بكلِّ كياني المؤلَّف من أفكارٍ ونظريَّاتٍ ومعتقداتٍ وتراكماتٍ اجتماعيَّةٍ ونفسيَّة. تجرَّأت على الاقتراب من هذا الكيان ونسفته! أتعلمين كم هو خطيرٌ ألاَّ يبقى منكِ شيء؟ أن تشعري وكأنَّكِ إناءٌ زجاجيٌّ فارغٌ وشفَّاف؟ هل تدركين كم تكونين عرضةً للضياع وقابلةٌ للعطب؟ ولكنَّكِ أيضًا ستكونين حرَّة، لا شيء لتدافعي عنه، لا شيء يثير حنقك فأنتِ لا تنتمين لفكرةٍ أو مدرسةٍ أو مبدأ. أنتِ حرَّة وتستطيعين أن تهبي نفسك للحبِّ. أعدت فكّ وتركيب نفسي مئات المرَّات بما يناسب الحبّ، ولكنْ لا تحزني من أجلي يا أمل، فأنا لا أرى نفسي ضحيَّةً. أظنّ أنَّه خللٌ فظيعٌ في اللغة أن يرتبط فعل التضحية بكلمة «ضحيَّة». أنا ضحَّيت لأسمو، لأكون، لأنتصر، لأتحرَّر. لا تقلقي عليَّ.. أنا لست ضحيَّةً. أنا عاشق».