900
900
تحقيقات و تقارير

نميرة نجم في ندوة مقاومة الظلم بمنتدى “كرايسكي” للحوار الدولي بفيينا

900
900

كتب : احمد عبد الحليم

في ندوة حافلة بالنقاش حول مقاومة الظلم، ألقى الضوء على الأحداث الجارية في غزة، سلطت السفيرة د. نميرة نجم خبير القانون الدولي و مديرة المرصد الإفريقي للهجرة، الضوء على أهمية فهم جذور الصراع وتداعياته المستمرة، وأشارت إلى أن كتابات فرانتز فانون، الفيلسوف والطبيب النفسي المناضل ضد الإستعمار الفرنسي في الجزائر، تقدم رؤى قيمة لفهم الديناميات المُعقدة للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، كما دعت السفيرة إلى ضرورة وقف إطلاق النار الفوري والعودة إلى طاولة المفاوضات لتحقيق السلام العادل والدائم في المنطقة.

في البداية أثنت السفيرة د. نميرة نجم، خبير القانون الدولي و مديرة المرصد الإفريقي للهجرة، علي الكاتب والصحفي والمحرر اليهودي الأمريكي آدم شاتز وموقفه بشان ما يحدث في قطاع غزة الآن، خاصة وأنه يبدو لا أحد مهتم بجدية في هذا الصراع بسقوط المدنيين من الجانبين، مُؤكدة على ما أشار إليه الكاتب بان ما حدث في ٧ أكتوبر لا يبرر التدمير والقتل ضد المدنيين في غزة.
وأوضحت السفيرة أن الكاتب الأمريكي إستطاع أن يضع الأمور في نصابها الصحيح مذكرًا بأن قطاع غزة تحت الحصار منذ أكثر من ١٧ عامًا، وأن القتل العشوائي للفلسطينيين في القطاع والضفة الغربية لن يؤدى إلى السلام .
وأكدت السفيرة على أهمية الإستجابة إلى نداءات وقف إطلاق النار الفوري، والعودة لمائدة التفاوض بجدية لإنهاء هذا الصراع الدموي وإطلاق المُحتجزين من الجانبين، و الإحلال السلام الدائم بالتفاوض النهائي والناجز لإقامة الدولتين، لحماية الشرق الأوسط من كوارث أعظم وإشتعال حروب إقليمية أكبر ستؤثر علي مستقبل المنطقة و العالم.
وأشارت السفيرة أن غزة و الضفة الغربية مازالت مناطق تقع تحت الاحتلال الإسرائيلي و أن مسئولية حماية المدنيين فيها طبقا للقانون الدولي تقع علي عاتق سلطة الاحتلال كما أقرته محكمة العدل الدولية في رأيها الأخير بعدم شرعية الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية .
جاء ذلك إثناء مشاركة السفيرة في ندوة بعنوان “مقاومة الظلم (من فرانتز فانون إلى معسكرات التضامن في الجامعات الأمريكية) دروس نتعلمها من الحركات الاحتجاجية” ، بدعوة من “سابين كروسنبرونر ” الوزير المفوض بوزارة الخارجية النمساوية و أمين عام منتدى “برونو كرايسكي ” للحوار الدولي بفيينا والذي نظم الندوة لمناقشة كتاب “عيادة المتمردين ” للكاتب آدم شاتز، المحرر الأمريكي لمجلة لندن ريفيو أوف بوكس، و والمساهم في مجلة نيويورك تايمز، ومجلة نيويورك ريفيو أوف بوكس، ومجلة نيويوركر، والأستاذ الزائر في كلية بارد، وأمضى القسم الأعظم من حياته المهنية في سرد القصص الغامضة غالبًا لمفكرين وفنانين متمردين مثل إدوارد سعيد ونينا سيمون وميشيل هويليبيك وسونيك يوث .
ويقول منتدى “برونو كرايسكي ” للحوار الدولي بالنمسا في تقديمه للندوة عندما قام الكاتب آدم شاتز، بالبحث في سيرة حياة “فرانتز فانون ” في كتابه بعنوان “عيادة المتمردين”، لم يكن بإمكانه أن يعرف مدى أهمية استكشاف تفكير المتمردين في عام 2024.
كان فرانتز فانون الطبيب النفسي والفيلسوف السياسي مناضل معارض للحكم الإستعماري الفرنسي في الجزائر، موضوع حساس للغاية في ظل الجدل المُحتدم في الجامعات الغربية حول السابع من أكتوبر والحرب في غزة.
توفي فرانتز فانون مبكرًا عن عمر يناهز 36 عاما بمرض سرطان الدم، لكن دعوته لتحقيق العدالة لمظلومي القوى الإستعمارية في كتابه «المُعذبون في الأرض» مع مقدمة بول جول سارتر لا تزال مسموعة، كلما طرح السؤال: كيف نقاوم الظلم؟
ليس بأسلوب العنف الذي تمارسه حماس، بالطبع ،هناك أشكال أخرى قوية من الاحتجاج.
وقد كتب آدم شاتز في مجلة لندن ريفيو أوف بوكس في مقالته الأخيرة “إنحدار إسرائيل”، فإننا نرى الآن حركة احتجاجية جديدة قد تكون موجة المقاومة الأكثر أهمية حتى الآن، كما تحدث في وسط المجتمع الغربي: بين الطلاب هم العديد من الشباب اليهود الذين لا يريدون الارتباط بدولة غير ليبرالية بشكل واضح مثل إسرائيل .
وفي حين أن “آدم شاتز ” يدرك خطر التطرف بين المتظاهرين، فإنه يقول: “إن ولادة حركة عالمية معارضة للحرب الإسرائيلية في غزة وللدفاع عن حقوق الفلسطينيين، هي، إن لم يكن أي شيء آخر، علامة على أن إسرائيل فقدت الحق” في حرب أخلاقية بين أصحاب الضمائر”.
وقال شاتز أن الاستعمار “نظام من العلاقات المرضية المتخفية في هيئة طبيعية”، وكان “فرانتز فانون” يعتقد أن العلاج الوحيد للمرض الجزائري هو الثورة، وكان من أنصار العنف، ليس فقط في الممارسة العملية بل وفي النظرية أيضاً. وفي رأيه، كان العنف المناهض للاستعمار “نوعاً من الدواء، يعيد إحياء الشعور بالقوة والسيطرة على الذات” الذي يسمح للمُستعمرين باستعادة كرامتهم من خلال تأكيد الذات.
كان فانون كان يعامل المُستعمرين، بل وحتى الجلادين، في ممارساته. ويقول شاتز: “أنه لم يميز بين الجزائريين والأوروبيين: فكلهم، في نظره، يستحقون التعاطف والرعاية”. وكانوا جميعاً ضحايا لما أسماه فانون “الإضطرابات العقلية الناجمة عن الحرب الإستعمارية”، والتي أزعجته بنفس القدر.
وعلى الرغم من كآبة بعض كتاباته، يظل فانون متفائلاً متحدياً”، كما يقول شاتز. “إنه يؤمن ليس فقط بفكرة التغلب على الإستعمار، بل وأيضاً بإمكانية خلق ما يسميه “إنساناً جديداً”. لقد شعر أن العالم الذي نعيش فيه قد صنعه البشر، وبالتالي يمكن أن يدمروه أيضًا”.
إندلعت الحرب الاستقلال في الجزائر في عام 1954، انحاز فانون إلى جبهة التحرير الوطني. وفي البداية، كان يعالج المُتمردين سرًا في مستشفاه، ولكن بعد فترة وجيزة، أصبح الأعضاء يعقدون إجتماعات في المرافق بشكل منتظم، ولم يتمكن فانون من الإنضمام إلى المنظمة علنًا إلا بعد فراره إلى تونس في عام 1956، وعلى مدى السنوات القليلة التالية.
ولقد كان لهذا الإكتشاف تداعيات أخرى. فقد كان فانون من بين أوائل من تبنوا ما وصفه شاتز بأنه “نهج جماعي للرعاية يدمج بين رؤى فرويد وماركس، ويحطم التسلسل الهرمي الذي يفصل بين المرضى والعاملين الطبيين، ويعطي المرضى العقليين شعوراً جديداً بالسلطة على حياتهم”. ولكن حتى أكثر التقنيات السريرية إبتكارًا لم تذهب بعيدًا بما يكفي بالنسبة لفانون، الذي كان يعلم أن الحلول السياسية هي العلاج الوحيد الطويل الأمد للأمراض السياسية. ويكتب شاتز ببلاغة أن الإستعمار “نظام من العلاقات المرضية المتخفية في هيئة طبيعية”، وكان فانون يعتقد أن العلاج الوحيد للمرض الجزائري هو الثورة. وكان من أنصار العنف، ليس فقط في الممارسة العملية بل وفي النظرية أيضاً. وفي رأيه، كان العنف المُناهض للإستعمار “نوعًا من الدواء، يعيد إحياء الشعور بالقوة والسيطرة على الذات” الذي يسمح للمُستعمرين باستعادة كرامتهم من خلال تأكيد الذات.
وعلى الرغم من كآبة بعض كتاباته، يظل فانون متفائلاً متحديًا”، كما يقول شاتز. “إنه يؤمن ليس فقط بفكرة التغلب على الإستعمار، بل وأيضًا بإمكانية خلق ما يسميه “إنسانًا جديدًا” ، لقد شعر أن العالم الذي نعيش فيه قد صنعه البشر، وبالتالي يمكن أن يدمروه أيضًا”.

ويضيف شاتز: “لا يزال فانون شخصية أيقونية، وهذا يعني أن هناك كل أنواع الأفكار المختلفة التي تحيط به والتي تتطلب القطع من أجل فهمه بأي قدر من الوضوح”.
ويقول شاتز، إن التناقضات في كتابات فانون السياسية وقصة حياته هي التي تجعله شخصية مقنعة للغاية، بعد أكثر من 60 عاما من وفاته
ولعل التناقض الأكثر وضوحاً في حياة فانون هو التناقض بين “ممارسته كمُعالج”، على حد قول شاتز، “وممارسته كمقاتل أو كشخص يدافع عن العنف كنوع من العلاج للمضطهدين”.
وما زال اسم كرايسكي محفوظًا في الذاكرة الإنسانية والعربية والمصرية كزعيم يحظى بكل إحترام وتقدير وتم تخليد اسمه من خلال جائزة كرايسكي لحقوق الإنسان التي فازت بها أكثر من شخصية فلسطينية ومركز كرايسكي للحوار العالمي.
يشار إلى أن برونو كرايسكي هو المستشار النمساوي السابق (1911-1990) المُولود في فيينا وينحدر من عائلة يهودية، والذي تولى منصب المستشار بين عامي 1970 و1983، وقد تحول منزله إلى مقر منتدى كرايسكي للحوار الدولي الذي تأسس عام 1991، في فيينا بعد وفاته بعام والرئيس الفخري للمنتدى هو فرانس فرانتسكي المستشار النمساوي السابق.
ويحظى كرايسكي المعروف بدعمه للعدالة الإجتماعية والتسامح بتقدير وإحترام كبيرين في العالم العربي نظراً لمواقفه المتوازنة والداعمة للقضايا العربية ولاسيما القضية الفلسطينية، حيث كان من المناصرين لحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره والداعمين للحوار بين الشمال والجنوب ، وانتقد كرايسكي الصهيونية بشجاعة عندما أعلن أن اليهودية عقيدة وليست انتماء عرقيًا، وقام بوساطات بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي في أزمات عديدة.
وجاء تأسيس المنتدى باعتباره مؤسسة فكرية أوروبية غير حكومية ومنظمة لا تهدف للربح، ويعمل المنتدى كمركز للحوار حيث يمكن للسياسيين والعلماء والمثقفين من جميع أنحاء العالم أن يجتمعوا لتبادل أفكارهم ووجهات نظرهم، وتحليل القضايا والمشاكل الدولية المُعقدة، ووضع نهج للحلول العالمية وإتخاذ موقف عام بشأن الأحداث السياسية – وخاصة المُواجهات والصراعات المُسلحة، وقد زارها أشهر القادة السياسيين في العالم .
الجدير بالذكر، أن فرانتز فانون الذي صدر عن قصة حياته الكتاب ولد عام 1925، في جزر الهند الغربية في مارتينيك البحر الكاريبي التابعة للإستعمار الفرنسي، ونشأ كوطني فرنسي مُتحمس ضد النازيين في صفوف قوات فرنسا الحرة بقيادة شارل ديجول في شمال إفريقيا وأوروبا قبل أن يستقر في فرنسا لدراسة الطب النفسي، وسافر فانون لمواصلة عمله في الطب النفسي في الجزائر الفرنسية عشية الثورة، التي إندلعت في عام 1954، وإنضم في النهاية إلى نضال جبهة التحرير الوطني ضد نفس البلد الذي حارب من أجله قبل عقد من الزمان فقط حول المستشفى الذي أداره إلى مخبأ للمقاتلين المُناهضين لفرنسا بالإضافة إلى مركز علاج لجميع مناحي الجزائر الإستعمارية، بما في ذلك مقاتلي جبهة التحرير الوطني والمدنيين والجنود الفرنسيين والمستوطنين، و نفته فرنسا إلى تونس في عام 1957، حيث أصبح المتحدث باسم الجبهة تحرير الجزائر، حيث كان يحرر صحيفة المجاهد، ثم سفيرًا للحكومة الجزائرية المُؤقتة في غانا.
وفي كتابه “المُعذبون في الأرض ” (1961 )، الذي نُشر قبل وفاته بسنة، دافع فانون عن حق الشعوب المُستعمرة في إستخدام العنف للحصول على الإستقلال، و الذي كتب مقدمته الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر، بعد مرور سبع سنوات على القمع الوحشي الذي مارسته فرنسا على حركة الإستقلال الجزائرية قائلاً : “إن قتل أوروبي هو ضرب عصفورين بحجر واحد”، ففي نهاية المطاف، فإن مثل هذا القتل يقضي على “الظالم والمظلوم دفعة واحدة: ويترك رجلاً ميتًا والآخر حرًا” “أنتم الليبراليون جدًا، والإنسانيون جدًا، الذين تأخذون حب الثقافة إلى حَدّ المودة، أنتم تتظاهرون بنسيان أن لديكم مستعمرات ترتكب فيها المجازر باسمكم”.
إن الأشكال التي يتخذها المرض العقلي داخل مجتمع معين تشكل أدلة جيدة على عصابة، وكان فانون يدرك تمام الإدراك أن الإرهاب والخيالات العنصرية التي يتبناها مرضاه الأوروبيون تعمل كنوافذ على العالم الذي خلقه الإستعمار، ولم يكن من المُمكن أن تشق التوترات بين المسلمين والأوروبيين خارج العيادة، حيث كانت اللافتات على الشواطئ تُحذر من “منع دخول الكلاب والعرب”، طريقها إلى الداخل.
ومنذ السابع من أكتوبر، أصبح الطبيب النفسي، والذي أصبح مقاتلاً في الثورة الجزائرية، أكثر شعبية من أي وقت مضى، بعد أن إندفع مُسلحو حماس من غزة وقتلوا 1200 إسرائيلي، أصبح فانون محل إقتباس وتحليل ومناقشة على وسائل التواصل الإجتماعي بشكل منتظم في محاولة لشرح ما حدث في ٧ أكتوبر الماضي والقصف الإسرائيلي الذي أعقب ذلك للمنطقة المحاصرة، والذي أسفر عن مقتل أكثر من ٤٠ ألف فلسطيني، ولقد سعت سلسلة من التصريحات والمقالات الفكرية إلى التعامل مع كيفية تطبيق نظريات فانون المُثيرة للجدال حول العنف وإنهاء الإستعمار على هجمات حماس، وفي بيان صدر في التاسع من أكتوبر بعنوان “القمع يولد المقاومة”، إستشهدت مجموعات طلابية في جامعة كولومبيا بفانون: “عندما نثور، لا يكون ذلك من أجل ثقافة معينة، فنحن نثور ببساطة لأننا، لأسباب عديدة، لم نعد قادرين على التنفس”، وإختتم مقالة برأي في ميدل إيست في نوفمبر الماضي باقتباس آخر: “بالنسبة للفلسطينيين في غزة وخارجها، وللبؤساء على أرضنا المشتركة، كما بالنسبة لفانون، فإن “القتال هو الحل الوحيد”.
وعقب الندوة إصطحبت سابين كروسنبرونر أمين عام منتدى “برونو كرايسكي السفير د. نميرة نجم لتفقد مقر المنتدى و الأنشطة التي يقوم بها، و أوضحت للسفيرة نجم أن مقر المنتدى قد زاره وعقد فيها إجتماعات ومؤتمرات عدد من رؤساء الدول والقادة العالميين، عندما كان مازال بيتا للرئيس النمساوي الراحل برونو كرايسكي منهم الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات، و الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات.

اترك تعليقك ...
900
900
زر الذهاب إلى الأعلى