تحويل المُخلفات إلى طاقة .. فرص وتحديات الوقود المُشتق RDF
كتب : أحمد عبد الحليم
تتزايد أزمة المُخلفات يوما بعد يوم، وتشكل تهديدا كبيرا لكوكبنا، ولكن هل تعلم أن هناك حلولا يمكن أن تحول هذه الأزمة إلى فرصة؟ واحد من هذه الحلول هو الوقود المُشتق RDF، الذي يُعدّ بتحويل المُخلفات إلى طاقة، فهل هذا الحل آمن؟ وما هي المخاطر المرتبطة به؟.
هل يمكننا تحويل المُخلفات إلى طاقة نظيفة؟ هذا ما وعدنا به وقود RDF، لكن هل هذا الحل هو الأفضل؟ وما هي المخاطر الكامنة وراءه؟ هيا بنا نكتشف ذلك معًا.
في هذه الحلقة، سنستكشف إمكانيات وقود RDF، وسنناقش دور فصل المُخلفات والمُعالجة المُسبقة في تقليل هذه المخاطر، وصولاً إلى تحقيق هدفنا في بناء مستقبل أكثر إستدامة.”
مما لا شك فيه أن قضية إدارة المُخلفات وتدويرها تشكل تحديًا كبيرًا في عصرنا الحالي، وقد ظهر الوقود المُشتق الذي يُطلق عليه RDF إختصارًا لـ Refuse-Derived Fuel، أي الوقود المُشتق من المُخلفات وهو نوع من الوقود يتم إنتاجه من مُعالجة المُخلفات الصلبة. ببساطة، يتم تحويل المُخلفات التي لا يمكن إعادة تدويرها إلى وقود يمكن إستخدامه لتوليد الطاقة الحرارية أو الكهربائية، وذلك كحل واعد لتقليل الإعتماد على الوقود الأحفوري.
ومع ذلك، فإن عملية إنتاج وإستخدام هذا الوقود تحمل في طياتها مخاطر بيئية وصحية مرتبطة بوجود مواد سامة. في هذا الصدد، يبرز دور فصل المُخلفات والمُعالجة المُسبقة كخطوة حاسمة للتخفيف من هذه المخاطر من تحويل المرفوضات إلى مصدر طاقة ذي قيمة، حيث تساهم هذه العمليات في إزالة المواد الخطرة مثل العناصر الثقيلة والمُلوثات العضوية الثابتة قبل تصنيع وقود RDF، مما يضمن حرقًا أنظف وأكثر أمانًا.
أكدت الدكتورة إلهام رفعت عبد العزيز، الخبيرة البيئية ومدير المشروع بجمعية الرواد للمشروعات والتنمية، مسئول الإتصال الوطني لإتفاقية ستوكهولم سابقًا، ومدير عام إدارة المواد والمُخلفات بوزارة البيئة سابقًا، على أهمية الإدارة المُتكاملة للمُخلفات الصلبة بدءًا من الفصل من المنبع وحتى تحقيق التسلسل الهرمي لإدارة المُخلفات، مُشيرة إلى أهمية الحَدّ من كميات المُخلفات ثم إعادة إستخدامها وتدويرها، وتحويل المُخلفات ذات القيمة الحرارية العالية Calorific Value إلى طاقة مثل الوقود المُشتق RDF، بدلاً من إلقائها في المَكبات مع الحفاظ على الموارد الطبيعية، وذلك مع مراعاة كل الظروف القياسية الدولية من تخزين ونقل وإستخدام، والرصد والقياسات المُستمرة للإنبعاثات الناتجة بكل أنواعها إثناء إستخدامها كوقود في مصانع الأسمنت كبديل للوقود الأحفوري – الفحم والنفط والغاز – الذي يعتبر إلى حد بعيد أكبر مُساهم في تغير المناخ العالمي، إذ يمثل أكثر من 75% من إنبعاثات غازات الدفيئة العالمية وحوالي 90% من إنبعاثات ثاني أكسيد الكربون، وللمحافظة على صحة العمال في بيئة العمل والمنطقة السكنية المجاورة وكذلك على البيئة والموارد الطبيعية، كما يجب التأكد من عدم إحتواء المُخلفات البلاستيكية على نسب عالية من المُلوثات العضوية الثابتة POPs إن وجدت مخلوطة مع المرفوضات التي يتم حرقها للحصول على الوقود، علاوة على الإلتزام بالنسب الآمنة التي أقرتها الدراسات التي قامت بها الشبكة العالمية للقضاء على المُلوثات (IPEN )، بالإضافة إلى الإستفادة من تقنيات المُعالجة المُسبقة، مثل الفرز الميكانيكي، والفصل المغناطيسي، والفصل على أساس الكثافة، لإزالة أو تقليل تركيز المعادن الثقيلة والبلاستيك وغيرها من المواد المُسببة للتأثيرات الضارة على الصحة والبيئة، لافتة إلى أنه تم إصدار قرار وزاري يُلزم مصانع الأسمنت باستخدام نسبة لا تقل عن 10٪ من الوقود المُشتق من المُخلفات RDF في إجمالي إحتياجاتها من الطاقة لتقليل الإعتماد على الوقود الأحفوري، مُطالبة أن تُشجع الحكومة المصرية على زيادة التعاون بين الجهات البحثية والجامعات والوزارات المعنية لزيادة الدراسات والبحوث لإيجاد بدائل أكثر أمانًا مثل الهيدروجين الأخضر وغيره من التكنولوجيات الحديثة.
وأشارت الدكتورة هالة أحمدين، رئيس مجلس إدارة جمعية الرواد للمشروعات والتنمية، إلى أن قضية إدارة المُخلفات قضية هامة محليًا ودوليًا، بسبب التزايد الهائل في كميات المُخلفات الصلبة بأنواعها وخاصة المُخلفات البلاستيكية ذات الإستخدام الواحد، لافتة إلى أهمية التركيز على زيادة الوعي البيئي لكل فئات المجتمع وخاصة الشباب والمراة وذوى الإحتياجات الخاصة، وأهمية مشاركتهم الفعالة وخاصة البدء من المنزل والمدرسة والجامعة والتركيز على التعليم بالمدارس والمناهج التعليمية، منوهة على أهمية الفصل من المنبع والحَدّ من كميات المُخلفات البلاستيكية ذات الإستخدام الواحد وإستبدالها ببدائل آمنة مثل الشنط القماش وغيرها، لتحقيق الإقتصاد الدوار والتنمية المُستدامة.
وبحسب ما جاء في تقرير برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP)، تشكل إدارة المُخلفات تحديًا كبيرًا، لكن الإبتكار يحدث هنا أيضا. ففي الصين، تلقت نينغبو دعمًا من البنك الدولي لإستراتيجية متقدمة لفصل المُخلفات وجمعها ومعالجتها بهدف تشجيع إعادة التدوير. وفي دلهي في الهند، حيث يتم توليد أكثر من 9000 طن من المُخلفات كل يوم، وتم إعادة فتح محطة السماد لإنتاج السماد والوقود المُشتق من الموارد من المُخلفات البلدية. ويعالج المصنع 200 طن من المُخلفات يوميا، لكن هذه القدرة من المتوقع أن يتم توسيعها.
ومن ناحية أخرى، بالبحث عن مسألة التحكم في العمليات وتحسينها نجد أنه يتحقق من تصميم عملية إنتاج وقود الـ RDF من خلال التحكم في درجة الحرارة، والتحكم في وقت الإقامة، وتنظيم الأكسجين. وعند إستخدامها يجب أن يكون في أفران ذات مواصفات قياسية محددة ومجهزة بأنظمة لضبط ومراقبة وقياس الإنبعاثات، من خلال من خلال أنظمة فعالة للتحكم في تلوث الهواء، مثل مرشحات الجسيمات، وأجهزة غسل الغاز، والمحولات الحفازة، لإلتقاط وإزالة مُلوثات الهواء الناتجة أثناء إحتراق الـ RDF، إلى جانب المراقبة المُستمرة لإنبعاثات الهواء الصادرة عن المرافق القائمة على RDF لضمان الإمتثال للوائح والمعايير البيئية المعمول بها.
أما بالنسبة لإدارة الرماد و المُخلفات، فلابد من تنفيذ بروتوكولات قوية للتعامل والتخزين والتخلص الأمن أو الإستخدام للرماد و المُخلفات الأخرى الناتجة عن إحتراق RDF، إضافة إلى تحديد خصائص الرماد والبقايا من حيث تركيبها الكيميائي ومخاطرها المُحتملة، وإعتماد طرق المُعالجة الآمنة وطرق التخلص المناسب منها لتقليل المخاطر البيئية والصحية.
ومن جهة الصحة والسلامة المهنية، فيجب تطوير وإنفاذ بروتوكولات الصحة والسلامة المهنية الشاملة للعاملين بأقسام الإنتاج والمناولة ونقل RDF، علاوة على توفير مُعدات الحماية الشخصية المناسبة والتدريب عليهاومراقبة مكان العمل لحماية العمال من الإنبعاثات الضارة والمواد الخطرة والتعرض للغبار.
وكذلك الإمتثال التنظيمي والرقابة، حيث يجب ضمان الإمتثال الصارم للوائح البيئية والصحية والسلامة ذات الصلة المتعلقة بإنتاج ونقل واستخدام RDF، بالإضافة إلى التعاون مع السلطات التنظيمية وأصحاب المصلحة لإنشاء أطر تنظيمية قوية وآليات إنفاذ للتخفيف من المخاطر المرتبطة بـ RDF.
وفيما يخص البحث والابتكار، فيجب العمل على الإستثمار في البحث والتطوير لإستكشاف التقنيات والعمليات الجديدة الحديثة والحلول البديلة لإدارة المُخلفات التي يمكن أن تقلل من مخاطر سمية RDF، وإضافة إلى ضرورة تشجيع التعاون بين الصناعات والأوساط الأكاديمية والمؤسسات البحثية لدفع التحسين المستمر في الاستخدام الآمن والمستدام لـ RDF.
وعلى سبيل المثال وليس الحصر، إستخدام الوقود المُشتق من المُخلفات (RDF) في مصانع الأسمنت، حيث تواجه صناعة الأسمنت، كغيرها من الصناعات كثيفة الإستهلاك للطاقة، تحديات بيئية متزايدة، ولاسيما فيما يتعلق بالإنبعاثات الناتجة من غازات الإحتباس الحراري، فيأتي الوقود المُشتق من المُخلفات (RDF)، كحل واعد لتقليل الإعتماد على الوقود الأحفوري، ويعود بفوائد بيئية وإقتصادية، والتي تتمثل في الحَدّ من إنبعاثات غازات الإحتباس الحراري، حيث يُساهم إستخدام الوقود المُشتق من المُخلفات في خفض إنبعاثات غازات الإحتباس الحراري بشكل كبير مقارنة بالوقود الأحفوري، وذلك لأن عملية حرق الوقود المُشتق من المُخلفات تُطلق كميات أقل من ثاني أكسيد الكربون والغازات الضارة الأخرى مقارنة بحرق الفحم أو الغاز الطبيعي، علاوة على تقليل كمية المُخلفات المُرسلة إلى مَكبات المُخلفات، حيث أن تقليل التلوث من خلال إنتاج وقود RDF يعمل على تقليل كمية المُخلفات التي يتم إرسالها إلى المَكبات، وكذلك تحسين جودة الهواء، من حيث يُمكن أن يُساهم إستخدام RDF في تحسين جودة الهواء من خلال خفض إنبعاثات المُلوثات البيئية و الجسيمات العالقة والغازات السامة، علاوة على حماية الموارد الطبيعية، حيث يُقلل RDF من الحاجة إلى إستخراج المزيد من الموارد الطبيعية مثل الفحم والغاز الطبيعي، مما يُساهم في حماية البيئة، كما أن هناك فائدة مُهمة من إنتاج وإستخدام وقود الـ RDF في خلق فرص عمل خضراء للعمل، في مجالات جمع المُخلفات وتصنيع الـ RDF ، والنقل، وإدارة مصانع الأسمنت التي تعمل بهذا الوقود.
كما أن الوقود المُشتق (RDF)، يعمل على تعزيز أمن الطاقة، حيث يُقلل من الإعتماد على الوقود الأحفوري بمصانع الأسمنت، وعلى الواردات من الوقود الأحفوري، مما يُعزز أمن الطاقة.
وتجدر الإشارة إلى أن مصر لها تجربة في إستخدام الوقود الـ (RDF) المُشتق من المُخلفات، حيث تُشجع الحكومة المصرية إستخدام الوقود المُشتق من المُخلفات كبديل للوقود الأحفوري في صناعة الأسمنت، وتم إصدار قرار وزاري يُلزم مصانع الأسمنت باستخدام نسبة لا تقل عن 10٪ من الوقود المشتق من المُخلفات في إجمالي إحتياجاتها من الطاقة، حيث أن الوقود المُشتق من المُخلفات يُمثل حلًا واعدًا لتقليل الإعتماد على الوقود الأحفوري وتحقيق الإستدامة في صناعة الأسمنت.
ومع ذلك، لا تزال هناك بعض التحديات التي يجب مُعالجتها لكي يتم تبني هذا الحل على نطاق واسع، وتشمل التحديات التقنية والقانونية التي تواجه تبني إستخدام الوقود المشتق من المُخلفات، التحديات التقنية، التكلفة الأولية، فقد تكون تكلفة إنشاء مرافق مُعالجة الوقود المشتق من المُخلفات وتركيب المُعدات اللازمة باهظة الثمن، علاوة على التأكد من جودة الوقود المشتق من المُخلفات، حيث يجب التأكد من أن الوقود المُشتق من المُخلفات خالٍ من الملوثات ومُطابق للمواصفات الدولية للحرق في مصانع الأسمنت.
الجدير بالذكر، أنه يجب في الإدارة المُتكاملة للإنبعاثات، تركيب أنظمة مراقبة الإنبعاثات في مصانع الأسمنت التي تعمل RDF للتأكد من الإمتثال للمعايير البيئية، حيث يجب أن تُلبي إنبعاثات مصانع الأسمنت التي تعمل بالوقود المُشتق من المُخلفات المرفوضة، المعايير البيئية التي حددتها السلطات المُختصة، وتشمل هذه المعايير الحَدّ الأقصى المسموح به للإنبعاثات مثل المُلوثات العالقة والغازات السامة والعناصر الثقيلة والمُلوثات العضوية الثابتة في الهواء والمياه والتربة، كما يجب أن تتضمن العناية بأنظمة مراقبة الإنبعاثات، على أن تكون إنبعاثات مصانع الأسمنت التي تعمل بالوقود المُشتق من المُخلفات آمنة على الصحة العامة.
وبخصوص التحديات القانونية، اللوائح والتشريعات، فقد تكون هناك حاجة إلى تعديل اللوائح والتشريعات المحلية وتحديد الحدود العتبية للإنبعاثات المختلفة والعناصر الثقيلة والمُلوثات العضوية الثابتة، وضرورة إنشاء المعامل المُعتمدة للتحليل والتأكد من جودة الوقود وإجراءات الترخيص والتفتيش، وكذلك الإمتثال التنظيمي والرقابة، حيث يجب ضمان الإمتثال الصارم للوائح البيئية والصحية والسلامة ذات الصلة المُتعلقة بإنتاج ونقل واستخدام RDF، بالإضافة إلى التعاون مع السلطات التنظيمية وأصحاب المصلحة لإنشاء أطر تنظيمية قوية وآليات إنفاذ التخفيف من المخاطر المرتبطة بـ RDF.
وفيما يخص البحث والإبتكار، فيجب العمل على الإستثمار في البحث والتطوير لإستكشاف التقنيات والعمليات الجديدة الحديثة والحلول البديلة لإدارة المُخلفات التي يمكن أن تقلل من مخاطر سمية RDF، وإضافة إلى ضرورة تشجيع التعاون بين الصناعات والأوساط الأكاديمية والمؤسسات البحثية لدفع التحسين المستمر في الاستخدام الآمن والمستدام لـ RDF.
هذا بالإضافة إلى أهمية التدريب وإعداد الكوادر المؤهلة والتوعية البيئية، وذلك يتطلب حملات توعية لتثقيف الجمهور حول الـ RDF وأهميته ومخاطره المُحتملة، وكيفية التقليل من المخاطر ومهمات الوقاية المطلوبة، وتتطلب مُعالجة هذه التحديات بالتعاون مع الحكومات، والقطاع الخاص، والمجتمع المدني.