بقلم / نادر أحمد
إختتم مهرجان الموسيقي العربية دورته ال 32 أيامه ولياليه منذ أيام ، وما زالت أصداء فاعلياته لم تخفت خاصة أن إدارة المهرجان خفقت في إدارته ، بالرغم أن المهرجان تخطي أكثر من 30 عاماً وليس وليد الأمس إلا أن إدارة المهرجان لم تكن بحجم الحدث السنوي الهام ، ولم يملك أفرادها الخبرة الكافية لتعبر سفينة المهرجان إلي البر الأخر بنجاح ، كما كانت المجاملات واضحة في إنضمام أعضاء اللجنة العليا والذين زادت أعدادهم عن دورات السنوات الماضية ، كما كان هناك تأخير عن موعد صعود المطربين للمسرح خاصة مسرح النافورة ، إلي جانب توصيات المؤتمر العلمي الذي يتم الإعلان عنه بدون الإشارة عما تم تنفيذه من دورة العام الماضي .
وتأتي البداية في حفل الإفتتاح والتي تمثلت في فقرة المكرمين ، إذ كان هناك كم كبير من أسماء المكرمين والذي وصل عددهم هذا العام إلي 19 مكرم ، وهو عدد زائد عن الحد ، ومن المعروف أنه كلما زاد عدد المكرمين قلت وإنخفضت قيمة التكريم .. فلا أعلم لماذا لا ينخفض عدد المكرمين لثلاث أو خمسة أسماء حتي يتذكرهم الجمهور الحاضر للتكريم في الإفتتاح ، كما علي إدارة المهرجان مراجعة أسماء المكرمين في الدورات الماضية بسبب تكرار أسماء المكرمين من بينهم الفنان التونسي لطفي بوشناق ، والفنان المغربي فؤاد زبادي وغيرهم . !!
( المجاملات )
وبعيداً عن حفلات المهرجان هناك أموراً يجب أن تبتعد عنها إدارة المهرجان ، في مقدمتها الإبتعاد عن المجاملات ، وظهر ذلك واضحاً في إنضمام أعضاء اللجنة العليا للمهرجان ، فهناك أسماء جديدة إنضمت للجنة تصل إلي أكثر من 90 % من أعضاء اللجنة ، إلي جانب أن ثلثي الأعضاء بلا خبرة في إدارة المهرجانات ، وهناك علامة إستفهام حول ضم اللجنة العليا لمطربين ومطربات مثل مدحت صالح ونادية مصطفي وهم من الأسماء المشاركة في حفلاته ،وهو أيضاً ما ينطبق علي تواجد المايسترو أمير عبدالمجيد في اللجنة وفي نفس الوقت مشارك في الحفلات قائداً للفرقة الموسيقية في حفل الليلة العمانية .
ويطرح سؤال هام حول الفائدة في ضم المذيعة مني الشاذلي للجنة العليا ، هل لكي تستضيف عدد من أعضاء إدارة المهرجان في برنامجها كما حدث ، أعتقد أن أي قناة فضائية أو مذيعة تليفزيونية تستطيع إستضافة أعضاء إدارة المهرجان بدون الإنضمام للجنة العليا ، وأيضاً لماذا ضمت اللجنة السيناريست مدحت العدل وهو لم يعمل في أي مهرجان أخر ليساهم بخبرته في مهرجان الموسيقي العربية ، كما أن المهرجان زاد من مجاملاته فبعد تكريم الشاعر إبراهيم عبدالفتاح والملحن صلاح الشرنوبي تم ضمهم للجنة العليا ، كما تعجبت من تواجد عازف العود نصير شمة العراقي الجنسية في مهرجان مصري ، بل أن مدير المهرجان نفسه لا يملك خبرة إدارة المهرجانات فلم يتواجد في السنوات الماضية لكي يأخذ خبرة الإدارة ، ويبقي أحد الزملاء الإعلاميين الذي يعتبر أقدم عضو في اللجنة إذ يتخطي تواجده أكثر من 20 عاماً بدون أن نعلم مساهماته وبصماته في الدورات الماضية !!
( واجبات اللجنة العليا )
ويبدو أن أعضاء اللجنة العليا للمهرجان لا تدرك واجباتها تجاه المهرجان ، إذ يعتقدون أن عمل اللجنة طرح أفكارهم والأسماء التي تشارك ، أما كيفية إحضارهم للمشاركة في حفلات المهرجان فتلك ليست مهمتهم ، ولكن هناك دور خفي وهو الأهم كيفية إستقطاب النجوم لحفلات المهرجان ، إلي جانب قدرتهم في حل الأزمات التي تظهر فجأة ، إذ يجب أن يكون لهم دور في حل الأزمات ، مثل أزمة إعتذار جسار والحلاني .
وأذكر في إحدي الدورات إعتذر الفنان العراقي كاظم الساهرفجأة وفي وقت ضيق ، ولم تجد اللجنة البديل ، فتدخل الموسيقار الراحل حلمي بكر وهو جالساً علي مقعده بين أعضاء اللجنة وإتصل بالفنان التونسي صابر الرباعي يطلب منه حضور المهرجان ، فوافق الرباعي علي الفور ورفض أخذ أجر مع فرقته تقديراً لحلمي بكر، ومنذ سنوات قليلة إتصل ايضاً الموسيقار جمال سلامة بالمطربة اللبنانية ماجدة الرومي لتكون نجمة المهرجان ، فوافقت علي الفور وبدون أجر ، والمقصود أن اللجنة العليا لا تنحصر مهمتهم في طرح الأفكار والأسماء ، ولكن عليهم أن يتواجدوا في وضع الحلول لمشاكل المهرجان وأزماته والإتفاق مع النجوم .!!
( مأزق الحلاني وجسار )
وقعت إدارة المهرجان في مأزق شديد ، عندما فوجئت بإعتذار نجمي لبنان الفنان وائل جسار والفنان عاصي الحلاني عن المشاركة في ليالي المهرجان وذلك تضامناً وحزناً علي الأحداث الدامية في لبنان ، وأعرب وائل جسار عن أسفه للجمهور المصري لعدم تمكنه في السفر من مطار بيروت للقاهرة ،وأيضاً عدم قدرته علي الوقوف بمسرح الأوبرا والغناء في الوقت الذي يغتال فيه أعداداً كبيرة من ابناء وطنه ، بينما جاء إعتذار عاصي الحلاني بعد إعلان وائل جسار عن إنسحابه ، وذلك عندما شعر بالحرج من مشاركته في المهرجان ، فأعلن تضامنه مع جسار ، معرباً عن حزنه بما يجري علي الساحة اللبنانية من عدوان غاشم مشيراً إلي أن من بين الضحايا عدد من أقاربه ، بالرغم أن عاصي الحلاني كان متواجداً في مصر قبل إنطلاق حفلات المهرجان بأيام طويلة، بينما كانت حجة وائل جسار أنه ما زال في بيروت ولا يجد طائرة تقله للقاهرة.
وبالطبع أن الأمر صعب علي كل لبناني ولبنانية وكل أبناء الوطن العربي ، وإن كان الإلتزام في الإتفاق علي المشاركة بالحفلات يدفع النجمين بالحضور للمهرجان ، فهناك فنانون فقدوا أعز أقاربهم ولكنهم إلتزموا بإتفاقتهم وعقودهم ، مثل المطرب علي الحجار ،والذي توفي والده الفنان إبراهيم الحجارصباح يوم إحيائه حفل مهرجان الأغنية العربية بمسرح البالون ، فذهب يودع والده إلي قبره صباحاً ، وبعدها بساعات ذهب لحفلته علي مسرح البالون والتي كانت مذاعة علي الهواء ، ولم يذهب لتلقي عزاء والده ،والفنان محمد رضا توفيت إبنته وذهب بعد وداعها ليواصل عمله في نفس اليوم علي المسرح ، والفنان محمود شكوكو تلقي خبر وفاة إبنه وهو يستعد للدخول علي خشبة المسرح ولم يتراجع عن دخول الحفل ، بل والفنان محمود الجندي توفيت زوجته رفيقة رحلة عمره مختنقة بدخان حريق قضي علي كل شئ بشقتهم ، ورفض الجندي الإعتذار عن المشاركة في عمله المسرحي .
وعاشت مصر أيضاً سنوات حزينة إثر نكسة يونيو 1967 ، وبالرغم من ذلك لم تتوقف حفلات النجوم عبدالحليم حافظ ومحرم فؤاد وفريد الأطرش وشادية وفايزة أحمد ، بل أن كوكب الشرق أم كلثوم طافت البلاد العربية والأوربية تغني علي مسارح تلك الدول ، وهي التي عرفت بحفلات المجهود الحربي من أجل إعادة بناء الجيش المصري وتسليحه ، كما تصادف ان مهرجان الموسيقي العربية إستضاف ولأول مرة المطربة اللبنانية عبير نعمة والتي لم تعلن إنسحابها ، بل أكدت علي مشاركتها وتخصيص أجرها للمصابين من أبناء وطنها الذين عانوا من وطأة الإنفجارات والقنابل التي قضت علي منازلهم وأبنائهم وأصيبوا إصابات خطيرة ، أفليس كان بالأجدر أن يشارك عاصي الحلاني ووائل جسار في حفلات المهرجان ويتبرعون بأجورهم مثلما فعلت الفنانة عبير نعمة . !!
( نسمة ومرقة .. البديل )
وإزاء موقف إنسحاب عاصي الحلاني ووائل جسار ، حاولت إدارة المهرجان أن تجد البدلاء من الأسماء الكبيرة والنجوم لإحياء ليالي الغائبين ، ولكنها فشلت في إدارة الأزمة بإيجاد البديل الكفؤ أو النجم الكبير الذي يجذب الجمهور ، فلم تجد حلاً في حفل وائل جسار بمسرح النافورة سوي الإستعانة بأصوات الأوبرا فتم ترحيل فقرة كوكب الشرق أم كلثوم لتقام في الليلة الثانية من المهرجان بدلاً من الليلة الرابعة وأحياها المطربات رحاب مطاوع وأسماء كمال ورحاب عمر ، وفي الفاصل الثاني من الحفل تم تخصيصه لأغاني العندليب عبدالحليم حافظ بصوتي أبناء الأوبرا أحمد عفت ومحمد حسن .
وفي الليلة الرابعة والتي كانت مخصصة لحفل الفنان عاصي الحلاني تم الإتفاق مع الفنانة المصرية نسمة محجوب علي إحياء الفقرة الاخيرة ، بينما أحيا الفقرة الأولي الفنان الأردني عزيز مرقة في أول مشاركة له في المهرجان ، وفي الليلة السادسة والتي كانت مقررة أيضاً للفنان عاصي الحلاني علي مسرح سيد درويش بأوبرا الإسكندية ، فقد تم إلغائها بالكامل لعدم تمكن إدارة المهرجان في الإتفاق أو التعاقد مع أحد نجوم الغناء ، وهو الحفل التي كانت ستشارك فيه الفنانة نيفين رجب ، لتجد نيفين نفسها خارج منظومة الحفلات ، ولم يتم تعويضها بفقرة جديدة في إحدي حفلات المهرجان التالية بمسارح الاوبرا العديدة .
.. كما لم تهتم إدارة المهرجان بكيفية تواجد فرقة الحفني للموسيقي العربية – التي أنشأتها د.رتيبة الحفني – في ليالي المهرجان ، بعد أن ألغيت حفلتيها التي كانت ستصاحب فيها الفنان عاصي الحلاني ، إذ كان بالأجدر الحرص علي تواجد الفرقة تقديراً لإسم د.رتيبة الحفني التي وضعت اللبنة الأولي في إقامة المهرجان ، خاصة أن هناك عدة ليالي خالية من الحفلات بمسرح أوبرا الإسكندرية ، وأيضاً مسرح النافورة ، مما يدعو للتساؤل هل هي فرصة لطمس إسم مؤسسة المهرجان تدريجياً . !!
( أزمة هاني شاكر )
وفي حفلات وسهرات المهرجان خاصة المقامة علي مسرح النافورة ، لم تلتزم إدارة المهرجان بالتوقيت أو الموعد الرسمي لبداية الحفل حيث كانت تتاخر الحفلات للتاسعة وما بعدها ، مما يتسبب في الصعود المتأخر لنجوم الحفلات ، وهو ما عاني منه الفنان الكبير هاني شاكر ، حيث كان الإتفاق علي صعود هاني شاكر للمسرح في العاشرة مساء أو ما بعدها بقليل ، إلا أن إدارة المهرجان لم تراعي الحفاظ علي نجم الحفل وصعوده لجمهوره في الوقت المتفق عليه ،إذ وضعت قبله فقرتين لمطربتان بقائمة أغاني طويلة ، كانت الأولي للمطربة حنين الشاطر نجمة إحدي دورات برنامج ” ذا إكس فاكتور ” والتي تغنت بثمانية أغنيات ، وأنهت فقرتها عند الساعة العاشرة والربع ، بينما الفقرة الثانية كانت للمطربة إيمان عبدالغني والتي وضع لها برنامج أغاني يضم عشرة أغنيات ، بما يعني ان الفنان هاني شاكر سيصعد للمسرح بالقرب من منتصف الليل ، وهو توقيت يبدأ فيه الحاضرون مغادرة الحفل .
وغضب هاني شاكر من طول برنامجي المطربتان حنين وإيمان ،خاصة عندما علم من زوجته – الحاضرة للحفل مع إبنها وحفيديها – بأن الساعة وصلت العاشرة ولم تنهي حنين الشاطر فقرتها ، فإتصل هاني شاكر بمدير المهرجان وطلب منه أن يصعد للمسرح لملاقاة جمهوره فور إنتهاء حنين الشاطر من فقرتها ولن ينتظر صعود المطربة الثانية ، وهو ما حدث ليقدم وصلته مع جمهوره لأكثر من ساعتين إنتهت لما بعد منتصف الليل ، وعقب إنتهائه من الحفل غادرمعظم الحاضرون مقاعدهم ليتبقي ما يقرب من مائتي شخص في فقرة إيمان عبدالغني والتي صعدت للمسرح في الواحدة صباحاً .
ويؤكد ذلك الموقف أن إدارة المهرجان تفتقد للخبرة في إدارة الحفلات برغم مرور أكثر من 30 عاماً علي إنطلاقه ، والطريف أن مدير المهرجان لم يكن يعلم ببرنامج تلك الليلة – كما قال – والمتعارف عليه أن المسئول عن المهرجان يعلم كل صغيرة وكبيرة ، وما سيغنيه المطرب من الأغاني بأسمائها وعددها ، ولكنه فوجيء بالعدد الكبير لأغاني حنين وإيمان ، بل أن إيمان عبدالغني في كل مشاركتها بحفلات الأوبرا لم يتضمن برنامج مشاركتها في الحفل الواحد عشرة أغنيات ، فقد كانت تتراوح مشاركتها مابين ثلاث أوأربع أو خمسة أغنيات علي الأكثر في الحفل ، والمفارقة أن مدير المهرجان نسب لنفسه بأنه أبلغ وطلب من هاني شاكر الصعود للمسرح عقب فقرة المطربة حنين ولا ينتظر صعود إيمان عبدالغني حتي لا يتأخر علي جمهوره ، وأضاف أنه فوجئ بموافقة هاني شاكر علي الفور . !!!!
كما أن هناك معاتبة ولوم للمايسترو مصطفي حلمي والذي كان يقود الفرقة الموسيقية في تلك الليلة ، وخاض البروفات مع حنين وإيمان ، وأيضاً مع هاني شاكر ، إذ كان عليه أن يتدخل بتخفيض عدد أغاني المطربتان ، حرصاً علي نجم الليلة حيث بيعت تذاكر الحفل علي إسم النجم هاني شاكر ، والجمهور لم يأتي إلا ليستمع لمطربه المفضل في تلك الليلة هاني شاكر ، والمفترض أن المايسترو – قائد الحفل في تلك الليلة – يعلم جيداً بأن أغاني المطربتان ستأخذاً وقتاً طويل ، فإن كان قد عجز عن التدخل في تخفيض عدد الأغاني ، فكان عليه إبلاغ هاني شاكر بالموقف ، لأنه يعلم أن طول فقرتي المطربتان ستؤثر حتماً علي فقرة هاني شاكر بالصعود متأخراً . !!
( وعد .. ومجد )
ومن عجائب المنافسات أن الفنانة السورية وعد البحري شاركت في حفلتين ، الأولي بدار أوبرا الإسكندرية بمصاحبة فرقة الموسيقي العربية للتراث بقيادة محمد إسماعيل الموجي، والثانية في الليلة التالية بمسرح أوبرا دمنهور والتي تم تخصيصها كليلة سورية خالصة ، تشارك فيها وعد البحري مع الفنان السوري مجد القاسم – المقيم في مصر ، وإتفقت إدارة المهرجان مع مجد القاسم علي أن تفتتح وعد البحري الحفل بينما يختتم مجد الحفل بمصاحبة فرقته الموسيقية ، علي أن تصاحب الفرقة وعد في الفاصل الأول .
وفي ليلة الحفل أصرمجد القاسم علي الصعود أولاً ، كما أبلغ وعد البحري أن الفرقة ستصاحبها في أغنيتان فقط لأن قائد الفرقة الموسيقية يريد مغادرة دمنهور مبكراً ، وعليها أن تغني بمفردها بدون فرقة موسيقية ، ولكن إدارة المهرجان عندما إتصلت من القاهرة للإطمئنان علي الحفل علمت بالأمر ، فما كان من رئيسة المهرجان سوي الإتصال بمجد القاسم ووبخته علي فعلته التي ينوي عليها .. فتراجع عن ما كان يريده عندما واجه رئيسة الأوبرا والمهرجان .
ويبقي مؤتمر الموسيقي العربية الذي كان السبب الرئيسي في إقامة مهرجان الموسيقي العربية ، فالمؤتمر هام من الناحية العلمية ويشارك فيه أعداد كبيرة من أساتذة وباحثين ببحوث غاية الأهمية ، وفي نهاية المؤتمر دائما ما يخرج بقائمة توصيات لا تقل عن عشرة توصيات في كل دورة ، وهي توصيات هامة ، ولكن المشكلة الأكبر أن لا أحد يأخذ بتلك التوصيات والعمل بها إلا في أضيق الحدود ، أي أن المؤتمر يمتلك في أرشيفه ما لا يقل عن 300 توصية ، فهل تم العمل بها ، إذ يجب علي أدارة المهرجان والمؤتمر عمل ألية معينة أو لجنة محددة لمتابعة تنفيذ التوصيات وإقناع المسئولين علي المستوي المصري والعربي . !!