د. عادل القليعي يكتب : صحافتنا المصرية ما عليها وما لها.!
فى بداية حديثي لابد أن أشير إلى أمر مهم ، فهذه وجهة نظري وقراءتي الشخصية لواقع صحافتنا ومن خلال تعاملي مع بعض الصحف القومية.
فإنه عندما نتطرق للحديث عن صحافتنا القومية أو بمعنى أعم وأشمل عن كآفة صحفنا سواء القومية التي تتبع الدولة ، أو الصحف الحزبية ، أو الصحف والمجلات الخاصة.
فلابد أن نناقش إيجابيات وسلبيات هذه الصحف بمنتهى الموضوعية من خلال توجيه ولفت أنظار القائمين على هذه الصحف والجهات الداعمة لها لفت أنظارهم إلى السلبيات من خلال منهجية نقدية ورؤى واضحة وأيديولوجية فكرية للنهوض بهذه الصحف حتى تتواءم وتتوافق مع الثورة المعلوماتية الرهيبة التى يعيشها ويعايشها العالم الآن.
خصوصا مع سيطرة المواقع الإخبارية الإعلامية على الجرائد الورقية وإحجام كثير من الكتاب عن النشر فى الصحيفة الورقية والاتجاه بالكلية إلى البوابات الإلكترونية.
فلماذا حدث ذلك ، لماذا بات الإقبال الجماهيري على الصحف الورقية للأسف الشديد بات هزيلا ، فهناك صحف كانت تطبع أكثر من نصف مليون نسخة وكانت نسب توزيعها ممتازة جدا ، لماذا قل الإقبال على الشراء الورقي ، هل مثلا لسوء جودة الطباعة ، سبب واه.
لماذا لأن معظم الصحف وخصوصا الصحف والمجلات الخاصة ، تتميز بجودة الطباعة وجودة الإخراج ، هل مثلا لاتجاه كثير من الصحف إلى الإعلانات وملأ الصفحات بالاعلانات.. إما للدعاية لمنتجات بعينها والتسويق لها وللأسف توضع هذه الإعلانات فى صفحات مهمة بجوار مقالات كتاب من العيار الثقيل ، فالقارئ يترك المقال المهم ويتوجه ببصره إلى الإعلان مثلا عن نوع جديد من المأكولات أو الأدوات المنزلية ، ويترك ما هو مهم ، يترك مقال ثقافي يغذي عقله وفكره إلى شئ مادي من الممكن أن يشتريه من أي مكان لبيع هذه المنتجات.
وإن كنا لا نرفض أن تكون هناك مساحة للاعلانات للمساهمة في الإنفاق على هذه الصحف.. لكن ما لا نقبله أن تكون هذه الإعلانات بجوار المقالات المهمة، ويفرد لها صفحات كاملة ، ليس هذا وحسب بل وتفرد صفحات بعينها للمناسبات والتهاني بأعياد الميلاد ، والتعازي.
كذلك من السلبيات التي ينبغي لفت الأنظار إليها ، الركون بالكلية إلى المدرسة الكلاسيكية التقليدية فى الكتابة بمعني لابد أن تكون صفحات مقالات الرأي متنوعة بآراء الكتاب بعيدا عن التقليد وقصر الكتابة على ثلة بعينها هي هي كما هي منذ عقود من الزمان كما هو الحادث في بعض الصحف القومية ، وإن كنا نري أن ثم ضرورة للاسترشاد بخبرات هؤلاء لكن لا يكون على حساب المادة العلمية والثقافية التي تقدم بما يفقد للصفحة مصداقيتها ، ومن ثم وجب التنوع فى الكتابات والبحث عن أقلام حرة جرئية ، تناقش قضايا حيوية تمس واقعنا المعاصر مما يكسب الصفحة حيوية واستمرارية وديناميكية ويجعل الجريدة تحقق نسب قراءات متميزة.
كذلك مما ينبغي لفت الأنظار إليه ، عبارة ضيق المساحات ، يا سادة ، يا رؤوساء تحرير صحفنا ، إذا كان ثم ضيق فى المساحات فليعمم الحكم على الجميع ، لا أن نفرد مساحات لكتاب ونؤجل مقالات مهمة لحين ميسرة “على ما تفرج” بمساحة أو يعتذر كاتب من إياهم عن الكتابة الإسبوعية.
كذلك مما ينبغي مراعاته جيدا فى صحفنا القومية طرح الوساطة والمحسوبية والشللية ، فلان يتبع فلان بغض النظر عما يكتبه ننشر له ، أما الآخر فليذهب حيث يذهب بمقالاته أو إن ألح فى الطلب ننشر له مرة على نفسه ، ونهمله ، يا سادة اقرأوا لهؤلاء فهم من يشكلون الوعي الثقافي المجتمعي.
كذلك مما يجب الالتفات إليه وبقوة ، إعطاء مساحة كافية لحرية التعبير وحرية الرأي ، فكيف يتم إصلاح إذا لم ننقد وإذا لم نتقبل الرأي الآخر خصوصا إذا كانت هذه الآراء مستقاة من الواقع ، وقد قالها رئيس الدولة لا تقولوا كله تمام وإنما قولوا أن هناك مشكلات وسنحاول حلها ، لكن كله تهليل وتطبيل ورقص ، فلن يستقيم حالنا بالطبل والزمر والرقص.
وإن كنا نري هذه المساحة للتعبير وحرية الرأي فى بعض الصحف الحزبية.
كذلك ضبط اللغة العربية ضبطا سليما فاللغة سلاح ذو حدين إما أن ترتفع بالمقال وصاحبه مكانا عليا أو تضعه فى القاع ، كذلك لابد من التنبيه على الكتاب استخدام الأسلوب السهل البسيط الذي يصل إلى القارئ في يسر وسهولة.
ومن السلبيات الأخرى تخفيض عدد الصفحات في بعض الجرائد القومية بحجة أزمة الورق والعملة وخلافه ، لكن أليس هذا على حساب وعي القارئ الكريم وتشكيل فكره وإحاطته بكل ما هو يهم حياته ، من الممكن توفير وحل هذه الأزمة من خلال مساهمة الدولة بتقديم دعم أكبر لهذه المؤسسات الصحفية أو الإعتماد على مصادر دخل أخرى يمكن توفيرها من داخل هذه المؤسسات.
وإذا كنا قد تحدثنا عن بعض السلبيات ، فإنه ثم إيجابيات وأهمها التغييرات والتعديلات المستمرة فى القيادات الصحفية ، والمتابعة الرقابية الجيدة ، من يجيد يستمر ومن لا يجيد يترك مكانه للأفضل الذي سيحقق الغرض المرجو من توليه المنصب.
فضلا عن ضرورة إختيار قيادات ماهرة فى العمل الصحفي يعني ابن مهنة وليس ابن مكتب ، بمعنى أدق (مدقدق)، يعني صحفي تتلمذ على كل المدارس الصحفية ، واع مستنير متفتح مثقف.
إذا أردنا حقا النهوض بصحافتنا فعلينا أن نتكاتف جميعا من أجل نهضة صحافتنا التي هي فى الأساس نهضة ثقافية وحضارية مهمة لأبناء الوطن من خلال تنمية الوعي الثقافي لديهم.
أستاذ ورئيس قسم الفلسفة بآداب حلوان.