900
900
مقالات

رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يؤكد على تعريب العلوم في الأقطار العربية

900
900

بقلم / المفكر العربي الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربي الدولي
ورئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين

مما لا شك فيه أن أغلبُ الأقطار العربية خضعت للاستعمار، لكنها – وعلى الرغم من استقلالها منذ ما يُقارب القرن من الزمن – ما زالت خاضعةً له، فمِن المُلاحظ أن الوطن العربي ما زال يعتمد التعليم باللغات الأجنبية في جامعاته ومعاهدِه التعليميَّة، على عكس الدول المتحضرة التي عانت أيضًا من سيطرة الاستعمار، شأنها شأن الدول العربيَّة، لكنها ما كادت تستقلُّ وتُهيمِن على أوضاعِها وشؤونِها حتى جعلت التعليم في جميع مراحله بلغتِها القومية، واعتبرت هذا الأمر عنوانًا من عناوين الاستقلال، أما الأمم العربية فما زالت تدعو إلى تعريب التعليم رغم أنها تمتلك لغة تُعتبر من أسمى وأقدر اللغات السامية.

لذلك أصبحت عمليَّة تعريب التعليم ضرورة أساسية لا بد مِن تحقيقها في الجامعات والمعاهِد التعليمية العربية، كما هو الحال عند باقي الأمم التي تعلِّم شعوبها بلُغاتها في جميع مراحل التعليم مثل إيران والهند وإسرائيل، فبالنسبة لإيران فقد سعتْ إلى اتخاذ الفارسية وسيلة لتدريس العديد من الفروع العلمية؛ مثل علوم الطب والصيدلة والهندسة والزراعة وغيرها، أما الهند فقد سعتْ بعد استقلالها إلى استخدام اللغة الهندية وحدها، أو بالاشتراك مع اللغة الإنجليزية في تعليم العلوم التطبيقية بسلك التعليم العالي؛ حيث نجد كتبًا باللغة الهندية مخصصة لتدريس مختلف العلوم في الجامعات، أما بالنسبة لإسرائيل فنجدها قد حقَّقت نجاحًا سريعًا في استخدام اللغة العبرية لتدريس العلوم، نضيف إلى ذلك الصين واليابان اللتين جعَلتا التعليم باللغة القومية من الأمور اللازمة، على الرغم مما تتميز به لغاتهما من تعقيدات شديدة في تراكيبها.
إنَّ الاستعمار حاول طمس لغة وهُوية شعوب الأقطار العربية وترسيخ لغتِه وهويته، وهو ما ولَّد عند هاته الشعوب الإحساس بأنَّ لغتهم غير قادرة على التعبير عن مظاهِرِ ومُستجدَّات الحياة، فضعفت الثقة بلغتِهم؛ مما جعلهم يَنصرفون إلى اللغة الأجنبية، وللأسف هاته الظاهرة ما زالت مستمرَّةً ومترسِّخةً إلى الوقت الحالي، وكل أمة لا تتمسَّك بلغتها وأصولها سيكون مآلها ضعف شأنها والانحدار، لتُصبح هدفًا للغزْو الثقافي.

إنَّ تعريب التعليم أصبح أمرًا ضروريًّا في كل الأقطار العربية؛ ذلك أنَّ لغة كل أمة هي أهم عناصر قوتها وعزتها، وقوة اللغة تنشأ من ترجمة علوم وثقافات الحضارات إليها وتعليم أبنائها بها، وهو ما يولد في الأمة اعتزازًا بلغتِها.

من المُلاحظ أنَّ المجتمعات العربية – ومِن بينها المجتمع المغربي – ما زالتْ تُعاني مِن هذا المشكل، فما زال تعليم المواد العلمية بالجامعات والمعاهد العليا يُزاوَل باللغة الأجنبية، وهو ما يُسهم في ظهور عراقيل كثيرة في عملية تدريس الطلبة.
وقد ثبَت علميًّا أن الطلاب المتخرجين في الجامعات التي تدرِّس باللغة العربية كسوريا يتلقون الدروس بكل يُسر وسهولة؛ بحيث إنهم ينجحون في فهم ما يُلقى إليهم من تلك الدروس أحسن الفهم، ومِن ثم يُصبحون قادرين على تدريس هاته العلوم بلغتِهم، أما البلدان التي ما زالت تدرِّس العلوم والمعارف باللغة الأجنبية، والتي ما زالت مؤسَّساتها تعتمد على الكتب الأجنبية في التدريس، ما زال أبناؤها يُعانون من مشاكل في التلقين والفهم والترجمة.
ومن الملاحظ أيضًا أن الدول العربية التي سعت إلى تعريب التعليم لم تنجح في ذلك بشكل كلي، وذلك راجع إلى أنَّ معظم هاته الشعوب ما زالت تتواصل في حياتها اليومية باللغة الأجنبية التي فرَضها الاستعمار مِن أجل ضمان تبعية الأمة العربية له، وإضعاف إمكانية نبوغها علميًّا وتقنيًّا واقتصاديًّا، وبالتالي طمْس اللغة العربية وإلغاؤها، نضيف إلى ذلك ندرة الكتب العلمية والتقنية والهندسية والطبية المؤلَّفة باللغة العربية أو المُترجمة إليها من أجل اعتمادها في التعليم باللغة العربية، كل هاته العوامل أدَّت إلى نتائج سلبية، مِن أهمها معاناة الطالب في فهم الدروس واستيعابها، وضَعف مستوى التحصيل العلمي.

لقد كانت اللغة العربية في العصور الوسطى لغة العالَم المتحضِّر، التي نقل إليها من اللغات والثقافات الأجنبية كثير من الكتب العلمية، وفي هذا الصدد يجب أن نعود إلى ما لنا من تراث علميٍّ جليل عرفته العصور السابقة، خاصة العصر العباسي والأندلسي؛ حيث كانت اللغة العربية هي لغة العالم المتحضِّر، يتكلم بها العرب وغير العرب، وقد كانت تنقل إليها من اللغات والثقافات الأجنبية الكثير من الكتب العلمية (الطب، الفلسفة، الآداب، الفلك، الرياضيات، الفيزياء والعلوم التطبيقية…..)، كما عرفت هذه العصور بروز علماء كانوا يتلقون ويلقنون العلم على اختلاف فروعه باللغة العربية؛ أمثال: جابر بن حيان، الخوارزمي، ابن سينا وابن بيطار، بل نجد كتب رواد هذه العلوم من العلماء العرب كانت تُترجم إلى اللغة اللاتينية، ثم إلى سائر اللغات الأوروبية الأخرى.

هذا عن لغتنا ومكانتها في العصور العربية المتحضِّرة، وهي عصور لم يكن قد بلغ فيها الحاجة إلى النقل والترجمة مثلما بلغتْه في وقتنا الحاضر، مع العلم أن اللغة العربية هي لغة تضم أكثر من اثني عشر مليون كلمة قادرة على احتضان جميع مجالات العلوم التطبيقية، كل هاته المميزات من شأنها أن تؤكد أن تعريب التعليم في الوطن العربي عامَّةً، وبشكل محكَم وبرنامج مدروس، أصبح ضرورة أساسية من أجل تسهيل عملية تدريس المواد العِلمية بمختلف فروعها في الجامعات العربية باللغة الأم.

إنَّ تعريب التعليم في الجامعات العربية هو ضرورة أساسية لها إيجابيات متعدِّدة، مِن بينها أن التعريب من شأنه أن يجعل الطلبة قادِرين على استيعاب الدروس وفهمِها مِن جهة، ومِن جهة أخرى اكتساب المدرِّس القدرة بشكْل تدريجي على تدريس العلوم باللغة الأمِّ، كما يَجعله قادرًا على ترجمة الكتب الأجنبية المختصَّة في المواد المدرَّسة، كما تحفِّزه أيضًا على تأليف الكتب في المجال العلمي، وهو ما يؤدِّي إلى ازدهار التأليف والترجمة باللغة العربية فيما يخصُّ الميادين العِلمية والتقنية والطبيَّة، ومِن شأنه أيضًا أن يُساعد على نموِّ اللغة وتطوُّرها، كما يذلل صعوبة اختلاف المصطلحات، نضيف إلى أن تحقيق هاته الإيجابيات يؤدي إلى الحفاظ على الهوية والثقافة العربية، والتعرف على ثقافات وحضارات الشعوب الأجنبية.

لا بد من الإشارة إلى أن عملية تعريب التعليم ليس بالأمر السهل، لذلك لا بدَّ أولاً مِن عملية تدريجيَّة؛ كالبدء أول الأمر بتعريب مادة أو مادتين علميتَين مِن أجل تتبُّع نتائج هاته التجربة، حتى يتمَّ التِزام إيجابياتها وتَفادي سلبياتها لاحقًا في تَعريب بقية المواد العلمية لضمان نجاح هاته العملية.

كما أنَّ ترجمة الكتب العلمية الأجنبية إلى اللغة العربية يؤدِّي إلى تنمية اللغة عن طريق وسائل عديدة منها: الاشتقاق والتعريب والاقتباس، وقد تحدَّث العلماء عن قواعدها في نصوص مفصلة تضمنتها مؤلفات قيمة، منها القديم والحديث، وكلها تشهد بمُرونة اللغة العربية؛ لأن الاشتقاق من صفاتها، ومِن المُحقق أنه يجب التركيز على ألا نُضيف أو نُدخل إلى لغتنا العربية إلا ما نحتاج إليه؛ لأنَّ في إدخال ما لا نحتاج إليه إضعافًا للغة العربية، وهناك أيضًا “البحث، والقياس، والتوليد، والتركيب”، وقد أقرَّ مجمَع اللغة العربية هذه الوسائل، ووضع لها قواعد محكَمة فيها ضبط وحفظ للغة العربية ومراعاة للذوق العربي.

لذلك نقول: إنَّ تعريب التعليم أمر ضروري وقابل للتحقيق؛ لأنَّ هذا النهج يدفع علماءنا إلى المشاركة في مختلف العلوم التطبيقية المعاصرة، ويجعل كلَّ فرد من أفراد الشعوب العربية مقدرًا للغته أعظم التقدير حين يَجدها هي اللغة الأساسية في الجامعات والمعاهد والمؤسَّسات، ومن شأنه أن يعزِّز الوحدة الوطنية بصفة خاصة، والوحدة العربية بصفة عامة؛ بحيث توجد لغة مشتركة بين أمة العرب في جميع أقطارها، وليس مُصطلحات فرنسية في قُطْر، وإنجليزية في ثان، وإيطالية في ثالث.

اترك تعليقك ...
900
900
زر الذهاب إلى الأعلى