رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن حكم الإسلام من العبث بالبيئة
بقلم / المفكر العربى الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربى الدولى
ورئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
لعلَّ من المُفيد الإشارةَ ابتداءً إلى أن من سُنن الله الكونيَّة أنه خلق كلَّ كائن في هذا الكون ليؤدي وظيفتَه بما يتناسب مع الغاية من خلقه؛ للحفاظ على مبدأ التَّوازن بين المخلوقات في الكون، وبذلك يمضي حفظ الحياة على أسلمِ وجهٍ، وهكذا فإن أيَّ خَلخلة لهذا القانون المركزي في الكون تعني – بشكل أو آخر – تغييرًا في نِسب مكونات الطبيعة، مما يُفضي بالنتيجة إلى بُروز ظاهرة التلوُّث؛ لذلك فإن التلوُّثَ يعني بأبسط تعريف له: إخلالاً بمعادلة حفظ توازن مكونات البيئة واستنزافها، الأمر الذي يجعل الحفاظ على البيئة بالحدِّ من ذلك التصرُّف السَّلبي واجبًا شرعيًّا، ومسؤوليةً أخلاقيَّة.
وإذا كان الله – سبحانه وتعالى – قد فضَّل الإنسان على سائر المخلوقات، وفقًا لمعيار: ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ﴾ [الإسراء: 70]، وسخَّرها لخدمته، ومكَّنه من الانتفاع بها طبقًا لمقتضيات قانون التَّسخير الإلهي المركزي: ﴿ وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ ﴾ [الجاثية: 13]، فلا جرمَ أن الله تعالى قد أوجدها على هيئة من التوازن الكُلِّي على قاعدة: ﴿ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ ﴾ [الحجر: 19]؛ لتسهيل استعماره لها ﴿ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا ﴾ [هود: 61]، وتمكينه من إدارة أمور الحياة على أفضل نحو، في الوقت الذي يشارك الإنسان على هذه المعمورة مخلوقات وكائنات أخرى، ومِن ثَمَّ فإن عليه وَفقًا لمعيار الاستخدام الرَّشيد ﴿ وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ﴾ [الفرقان: 67] أن يتولى إدارة بيئته برُشد تامٍّ، وأن يتجنَّب العبث بمكوناتها، ويتفادى سوء الاستخدام، وأن يتحاشى كلَّ ما من شأنه الإخلال بالتوازن البيئي على طول الخط، راهنًا ومُستقبَلًا.
لذلك حرص الإسلام على ضرورة الالتزام بحماية البيئة بمعيار: (النظافة من الإيمان) كقانون عام في السلوك العملي، ومراعاة تجنب إفسادها وتلويثها تنفيذًا لمعيار: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [يونس: 81]، وذلك بَدءًا من مَسلك إماطة الأذى عن الطَّريق، وانتهاءً بتَحوُّطات تَحصين الفضاء والبحار منه على قاعدة: ﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ ﴾ [الروم: 41].
مِن هنا نتلمس سبْقَ التَّصوُّرِ الحضاري العربي الإسلامي الشامل لإستراتيجيَّة الحفاظ على (علاقة مثالية) لجدلية ثلاثية: (الإنسان – البيئة – التنمية) في وقت مبكِّر، وعلى قاعدة: (الوقاية خيرٌ من العلاج)، في الوقت الذي لم يحظَ هذا الموضوع الحيوي بالاهتمام في حضارة الغرب الماديَّة المعاصرة، إلا في الفترة الأخيرة، عندما بدأ العالم يقلق جديًّا من الآثار السَّلبيَّة للإنسان على البيئة بتداعيات التلوُّث بالانبعاثاتِ، والمخلَّفات الصِّناعية الضَّارَّة، حيث قررت الجمعية العامة عقد مؤتمر للأمم المتحدة حول البيئة البشرية في (استوكهولم) في حُزَيران من العام 1972؛ لحماية وتحسين البيئة البشرية.
ويلاحظ أن الخطوط العامة لإستراتيجية الحلول المقترحة المعاصرة التي جاءت لاحقًا، بعد الشعور بأهمية مكافحة التلوث للحفاظ على سلامة البيئة – قد اهتمَّت بالآليَّات التي تؤتي ثمارها على المدى البعيد، كإشاعة مفهوم التنمية المستديمة، الذي يركز على الإبقاء على دورة الطبيعة، وتجددها عبر قانون التوازن الطبيعي لها؛ حيث إن وقاية البيئة من التلوث، والحد من تدهورها – يُعدُّ أقلَّ كُلفة، وأجدى نفعًا من إصلاحها فيما بعد، وبذلك عمدوا إلى اعتماد الاعتبارات البيئيَّة، وتقييم جدواها في جميع مراحل التخطيط ومستوياته، بعدما كانت دراسات الجدوى فنيةً واقتصادية فحسب، وهو استلهام واضح، إن لم يكن نسخًا مباشرًا، لنهج المعالجة الإسلامية السَّبَّاقة في هذا المجال.