900
900
مقالات

رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن حق المرأة في الميراث

900
900

بقلم / المفكر العربي الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربي الدولي
ورئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين

مما لاشك فيه أن مِنْ أَعْظَمِ الْوَصَايَا الَّتِي أَوْصَى اللَّهُ بِهَا عِبَادَهُ، وَحَدَّدَ بُنُودَ الْوَصِيَّةِ بِالتَّفْصِيلِ: وَصِيَّةُ الْمِيرَاثِ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ فِي كِتَابِهِ فِي نُصُوصٍ مُحْكَمَةٍ لَا تَقْبَلُ التَّأْوِيلَ أَوِ الْجِدَالَ أَوِ الاجْتِهَادَ، وَتُحَقِّقُ أَقْصَى دَرَجَاتِ الْعَدَالَةِ وَالْإِنْصَافِ بَيْنَ الْوَارِثِينَ ،حَيْثُ قَالَ تَعَالَى: ﴿ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ … الآية ﴾ [ النساء : 11] فَالْمِيرَاثُ فَرِيضَةٌ وَحَدٌّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ لَا يَجُوزُ تَغْيِيرُهُ أَوِ التَّجَاوُزُ عَلَيْهِ أَوِ إِنْكَارُهُ؛ كَمَا قَالَ اللَّهُ فِي خِتَامِ هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴾ [ النساء : 11 ]
وَخَتَمَ آيَةَ سُورَةِ النِّسَاءِ بِقَوْلِهِ : ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ﴾ [ النساء : 13 ]
وَقَدْ رَاعَى الْإِسْلَامُ حَقَّ الْمَرْأَةِ فِي الْمِيرَاثِ بَعْدَ أَنْ كَانَتِ الْمَرْأَةُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مُحْرُومَةً مِنْهُ! حَيْثُ كَانَ الذَّكَرُ فَقَطْ هُوَ الْوَارِثُ الْوَحِيدُ، وَفِي حَالَ انْعِدَامِ الذُّكُورِ كَانَ الْمِيرَاثُ يَذْهَبُ إِلَى الْأَعْمَامِ؛ فَجَاءَ الْإِسْلَامُ وَأَعْطَاهَا حَقَّهَا، قَالَ تَعَالَى: ﴿لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا ٧﴾ [النساء:7]

وَفِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا – قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةُ سَعْدِ بْنِ أَبِي الرَّبِيعِ بِابْنَتَيْهَا مِنْ سَعْدٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ؛ هَاتَانِ ابْنَتَا سَعْدِ بْنِ الْرَّبِيعِ قُتِلَ أَبُوهُمَا مَعَكَ يَوْمَ أُحُدٍ شَهِيدًا، وَإِنَّ عَمَّهُمَا أَخَذَ مَالَهُمَا فَلَمْ يَدَعْ لَهُمَا مَالًا وَلَا تُنْكَحَانِ إِلَّا وَلَهُمَا مَالٌ.

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: «يَقْضِي اللَّهُ فِي ذَلِكَ» فَنَزَلَتْ آيَةُ الْمِيرَاثِ : ﴿ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ … الآية ﴾ [ النساء : 11] فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- إِلَى عَمِّهِمَا فَقَالَ: أَعْطِ ابْنَتَيْ سَعْدٍ الثُّلُثَيْنِ ،وَأَعْطِ أُمَّهُمَا الثُّمنَ وَمَا بَقِيَ فَهُوَ لَكَ » [ صححه الألباني ]أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: مِيرَاثُ الْمَتَوَفَّيْنَ وَخُصُوصًا الْآبَاءِ نِعْمَةٌ وَقَدْ يَكُونُ نِقْمَةً! نِعْمَةٌ إِذَا أَخَذَ كُلُّ وَارِثٍ حَقَّهُ بِالْعَدْلِ، وَنِقْمَةٌ إِذَا مُنِعَ الْوَارِثُ حَقَّهُ، وَتَسَلَّطَ النَّاظِرُ أَوِ الْوَكِيلُ عَلَى الْمِيرَاثِ ؛ فَبَاتَ أَفْرَادُ الْأُسْرَةِ الْوَاحِدَةِ أَعْدَاءً مُتَنَاحِرِينَ بَدَلًا مِنْ إِخْوَةٍ مُتَحَابِّينَ! وَعِنْدَمَا نَنْظُرُ لِهَذِهِ الْمُشْكِلَةِ ، نَجِدُ أَنَّ سَبَبَ وُجُودِهَا أُمُورٌ مُتَعَدِّدَةٌ مِنْهَا:
تَسَاهُلُ الْكَثِيرُونَ مِنْ النَّاسِ بِالْوَصِيَّةِ ،وَعَدَمُ كِتَابَتِهَا، وَإِيضَاحُ مَا لَدَيْهِ مِنْ أَمْوَالٍ ،وَمَا لَدَيْهِ مِنْ الْأَمْوَالِ الْمُشْتَرَكَةِ مَعَ الْآخَرِينَ ؛ فَقَدْ يَدَّعِي أَحَدُ الْأَوْلَادِ أَنَّهُ شَرِيكٌ لِوَالِدِهِ أَوْ أُمِّهِ ،وَحِينَذَاكَ لابُدَّ مِمَّا يُثْبِتُ ذَلِكَ ،وَإِلَّا فَتَحَ عَلَى الْوَرَثَةِ بَابًا عَرِيضًا مِنْ الْخِلَافَاتِ وَالِاتِّهَامَاتِ ، وَاللَّهُ يَقُولُ : ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ ﴾ [ البقرة : 180 ] وَقَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ – «مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إِلا وَعِنْدَهُ وَصِيَّتُهُ » [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهَ عَنْهُمَا ]

وَمِنْ أَسْبَابِ النِّزَاعِ فِي الْمِيرَاثِ : تَخْصِيصُ الْوَالِدُ أَحَدَ أَبْنَائِهِ لِمَعْرِفَةِ أَمْلَاكِهِ وَالْبَقِيِّةُ لَا يَعْلَمُونَ ، وَرُبَّمَا أَخْفَى الِابْنُ بَعْضَ الْأَمْوَالِ إِذَا كَانَ مِنْ غَيْرِ الْأُمَنَاءِ ، أَوْ رُبَّمَا أَعْطَى كُلَّ وَاحِدٍ نَصِيبَهُ دُونَ أَنْ يَعْلَمَ الْوَرَثَةُ كَمْ وَرِثُوا مِنْ مَيِّتِهِمْ ، أَوْ أَخَّرَ تَوْزِيعَ الْمِيرَاثِ أَوْ تَصَرَّفَ بِالْمِيرَاثِ بِمَشَارِيعَ خَاصَّةٍ ؛ وَقَدْ يُوجَدُ قُصَّرٌ يَعِيشُونَ فَقْرًا ، وَالتَّرِكَةُ تُغْنِيهمْ عَنْ صَدَقَاتِ الْمُحْسِنِينَ ، أَوْ رُبَّمَا مَالَ فِي التَّقْسِيمِ لِإِخْوَتِهِ الْأَشِقَّاءِ ، وَالْوَاجِبُ هُوَ تَحَرِّي الْعَدْلَ، وَمَا أُشْكِلَ فَيُرْجَعُ فِيهِ إِلَى الْقَاضِي .

فَاتَّقُوا اللَّهَ – – وَاسْتَقِيمُوا عَلَى طَاعَتِهِ ، وَابْتَعِدُوا عَنْ مَعَاصِيهِ وَالَّتِيِ مِنْهَا أَكْلُ أَمْوَالِ الْيَتَامَى وَالْأَرَامِلِ وَالضُّعَفَاءِ وَغَيْرِهِم ؛فَالْقِصَاصُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُوُنُ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئاتِ ، نَسْاَلُ اللهَ السَّلَامَةَ وَالْعَافِيَةَ .
اتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى، وَاعْلَمُوا أَنَّ الْمِيرَاثَ وَمَا يُخْلِفُهُ الْمَيِّتُ مِنْ الْمَالِ يَجْمَعُ الْأُسْرَةَ وَلَا يُفَرِّقُهَا ، وَيُقَوِّيهَا وَلَا يُضْعِفُهَا ، وَحُبُّ الْمَالِ لَا يُقَدَّمُ عَلَى حُبِّ الْإِخْوَانِ وَالْأَخَوَاتِ ؛ فَمَنْ يَظن أَنَّ أَخًا يَشْتَكِي أَخَاهُ فِي الْمَحَاكِمِ ، وَمِنْ يَتَوَقَّعُ أَنَّ الْأُخُوَّةَ وَالْأَخَوَاتِ بَعْدَ اجْتِمَاعِ وَوِصَالِ تُفَرِّقُوا وَتُهَاجَرُوا وَتَبَاغَضُوا ! تُرَى لَوْ عَلِمَ وَالدُهُمْ وَمُوَرِّثُهُمْ أَكَانَ هَذَا يُرْضِيِهُ ؟ بَلْ رُبَّمَا تَمَنَّى لَوْ مَاتَ فَقِيرًا مُعْدَمًا أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ تَرْكِ الْمَلَايِينِ لِوَرَثَتِهِ الْمُتَنَازِعِيِنَ ، فَبَادِرُوا عِبَادَ اللَّهِ بِقِسْمَةِ الْمِيرَاثِ ، وَأَعْطُوْا كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ ، وَاحْذَرُوا الظُّلْمَ ؛فَالظُّلْمُ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ،وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم كَمَا أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ رَبُّكُمْ، فَقَالَ: ﴿إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 56]، وَقَالَ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا» [رواه مسلم].

اترك تعليقك ...
900
900
زر الذهاب إلى الأعلى