900
900
900
الثقافة

“سياسة مصر الأفريقية من عصر الخديو إسماعيل لعهد عبدالناصر”

"من وهج الإمبراطورية إلى زَخَم التحرُّر الوطني"

900
900
900

كتب- مصطفى ياسين

صدر كتاب جديد للأستاذ الدكتور أحمد عبدالدايم حسين- أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر، كلية الدراسات الأفريقية العليا بجامعة القاهرة- بعنوان “سياسة مصر الأفريقية من عصر الخديو اسماعيل إلى عهد عبدالناصر.. من وهج الإمبراطورية إلى زَخَمِ التحرُّر الوطني” عن دار صيد الخاطر.

وعَبْر 12 فصلا بمجموع 479 صفحة يتحدّث الكتاب عن سياسة مصر الأفريقية عَبْر قرنين من الزمان، منذ النصف الثانى من القرن التاسع عشر وحتى نهاية ثلثى القرن العشرين. منذ أن امتدّ حكم محمد على باشا إلى السودان ثم ما تبعه من تأسيس إمبراطورية مصرية فى افريقيا فى عصر الخديو اسماعيل امتدت عبْر منابع النيل الاستوائية وشرق أفريقيا فى إريتريا والصومال.

فكانت أول قوى خارجية تحدِث العمران وتدْخِل الحداثة والتطوير والطبّ الحديث والتعليم بشتّى أنواعه إلى غير ذلك من منجزات، إلى أن استطاعت القوى الأوروبية تحجيمها ثم قصْرها على السودان حتى عام ١٩٥٦. فوجدت نفسها ملزَمَة بتحرير القارّة الأفريقية بكاملها من وطأة الاستعمار الأوروبى وإبعاده عن أفريقيا فيما بعد.

عصر ناصر
فدخلت مصر فى عصر عبدالناصر بكلّ قوّتها فى زَخَم حركة التحرّر الوطني الأفريقية واستضافت التنظيمات السياسية المقاومة للأوروبيين من شتى المناطق. وحقّقت رغباتها فى التحرّر والاستقلال، فعاونت بالمال والسلاح والدعم الفنّى والدبلوماسي وبشتّى أشكال الدعم على كافّة الأصعدة المحلّيّة والإقليمية والدولية، فحصدت القارّة التحرّر والاستقلال، وارتبط قيادات التحرّر بالقيادة المصرية فصاغوا اتفاقيات تعاون ثقافى واقتصادى وسياسى وانشأوا منظّمة الوحدة الأفريقية للتعبير عن وِحدتهم، وتعاونوا من أجل تحرير بقيّة القارّة من رَبْقَة الاستعمار ومقاومة آثاره.

الفتوحات الأفريقية
ومنذ أن انطلقت مصر نحو إفريقيا بكلّ عنفوانها بعد فتح محمد علي باشا السودان سنة 1821 وتابعه أبناؤه فى هذا التوجّه، وجدنا العديد من الفتوحات الأفريقية فى الشرق والوسط الافريقى، والعديد من الاستكشافات الجغرافية والبعثات المصرية فى السودان والصومال وإريتريا وشمال أوغندا. فتكوَّنت الامبراطورية المصرية فى إفريقيا فى عهد الخديو إسماعيل، حيث وصلت إلى 2 درجة جنوب خط الاستواء وبحيرة فيكتوريا فى وسط إفريقيا، وإلى جنوب الصومال فى حملة جوبا سنة 1875.

وبدأت إيجابيات العصر الإمبراطوري تفوق سلبياته بكثير باعتراف الوثائق الأجنبية وكتابات الرَحَّالة الأوروبيين أنفسهم.
ومع انطلاقة ثورة 23 يوليو 1952 نحو أفريقيا، أوْلَى الرئيس جمال عبدالناصر اهتمامًا خاصًّا بها. ففي كتابه “فلسفة الثورة” اعتبر الرئيس عبدالناصر إفريقيا ثالث أهم دائرة السياسة الخارجية لمصر، تلى الدائرتين العربية والإسلامية.

كما اعتبر تحرير الدول الأفريقية استمرارًا لتحرّر مصر، وأن أفريقيا تمثّل عُمقًا استراتيجيًا للثورة المصرية.

ومن هذا المنْطلق تأسّست الرابطة الأفريقية في القاهرة 1955 بهدف توفير التدريب العسكري والدعم المالي لحركات التحرير الأفريقية.

كذا قامت الإدارة المصرية بقيادة عبدالناصر بلعب دور مهم فى توحيد أفريقيا وحركة الوحدة الأفريقية. وشاركت بنشاط في إنشاء منظّمة الوحدة الأفريقية سنة 1963، وتأسيس التضامن الأفروآسيوي. وتمثّل نشاطها في إنشاء كتلة باندونج ودول عدم الانحياز 1955، وفي تحديد قواعد دبلوماسية التنمية من خلال تقديم القروض والمساعدات المالية، حسب الإمكانيات المتوفَّرة آنذاك، بالإضافة إلى الدعم الفني. وبلغت العلاقات المصرية الأفريقية ذروتها عندما قطعت معظم الدول الأفريقية علاقاتها مع إسرائيل بعد عدوان 1967 وبعد حرب 1973.
وساهمت مصر فى استقلال ناميبيا سنة 1990وفي الإفراج عن نيلسون مانديلا في نفس العام وغيرها. واستمرّت العلاقات المصرية الأفريقية فى التطوّر والنمو والازدهار حتّى وصلنا إلى زخمها الآن فى فترة الرئيس عبدالفتاح السيسى منذ 2014 وحتى 2022.

أربعة مسائل
وتهدف الدراسة الى أربعة مسائل: الأولى، تجلية الدور الحضارى المصرى فى إفريقيا فى العصر الإمبراطوري. الثانية: رصد استمرارية العلاقات المصرية الإفريقية بلا انقطاع، وأنه لا يمكن حصر هذه العلاقات فى 16 سنة فترة حكم الرئيس جمال عبدالناصر فقط. الثالثة: إبراز دور المصريين فى هذه العلاقات وعدم اقتصاره على دور الفرد.

الرابعة: أن مصر كانت، ولا زالت، حاضرة فى إفريقيا، ولم ينقطع هذا الحضور فى مختلف المجالات وعلى كافّة المستويات.
واعتمدت الدراسة على الأرشيف المصرى بصفة رئيسية، وبخاصة أرشيفات السودان والصومال وسواحل البحر الأحمر. واعتمدت ايضا على أرشيف سرّى قديم وأرشيف سرّى جديد وأرشيف عابدين ومجلس الوزراء، فضلا عن أرشيف الخارجية البريطانية ومجلس الوزراء البريطانى وغيره. فضلا عن كتابات الرحَّالة والمستكشفين والقناصل الأوروبيين، وعلى التقارير والمذكّرات والأوراق الخاصة، وعلى العديد من الكتب العربية والأجنبية والدوريات العربية والمعرَّبة والأجنبية وغيرها.

وفيما يتعلّق بمنهج الدراسة فقد تباينت المدارس والنظريات التى وظّفها الباحث لتأليف هذا الكتاب، حسب طبيعة الموضوعات التى ناقشها، ما بين نظرية الفرد إلى مدرسة التحدّى والاستجابة، إلى المادية التاريخية إلى التفسير المثالي والعقلانى والسياسي والاجتماعي ومدارس التاريخ الجديد بتنوّعاتها المختلفة.

أضف إلى هذا استفاد من بعض مدارس العلوم السياسية كنظرية الدور، والعلاقات الدولية، والمدرسة السلوكية، وتحليل النُظُم. وفى هذا السياق اعتمد الترتيب الموضوعى فى طرحه دون الإخلال بالترتيب الزمنى للأحداث. وعلى هذا قسَّم دراسته إلى أربعة عشر فصلا: فجاء الفصل الأول وعنوانه “قراءة عامّة فى العلاقات المصرية الإفريقية.. الماضى والحاضر وطموحات المستقبل” ليتناول طبيعة العلاقات المصرية الإفريقية فى الأرشيفات المصرية. ثم تطرّق لإعطاء خلفية عن العلاقات المصرية الأفريقية فى العصر القديم والإسلامى. متحدّثا عن طبيعة المرحلة الإمبراطورية المصرية فى أفريقيا فى العصر الحديث وخصوصيتها. متناولا تطوّر العلاقات المصرية الأفريقية فى فترات عبدالناصر والسادات وحسنى مبارك. منتهيًا بالحديث عن زخم العلاقات المصرية الأفريقية وقوّتها منذ ثورة 30 يونيو 2013 وحتى 2021 وطموحات المستقبل.

البحر الأحمر
وراح الفصل الثانى وعنوانه “الإمبراطورية المصرية فى سواحل البحر الأحمر والصومال” ليناقش مسالة السيطرة على سواحل البحر الاحمر وأريتريا. بعدها تحدّث عن ضمّ الصومال ثم حملة جوبا. متطرِّقًا إلى محاولات ضمّ الحبشة. وانتهى بأثر الإمبراطورية المصرية فى سواحل البحر الأحمر وأريتريا.

أما الفصل الثالث وعنوانه “تاريخ مصر الإمبراطوري فى منابع النيل الاستوائية فى النصف الثانى من القرن 19.. إسهامات إبراهيم فوزي باشا فى تدوين هذا التاريخ نموذجا” فتناول محاور أربعة: الأول، التعريف بإبراهيم فوزى وظروف إصدار كتابه. الثاني: منهج الكتاب ومصادره وأسلوبه. الثالث: إسهامات إبراهيم فوزى فى تدوين تاريخ مصر فى أوغندا والمنابع الاستوائية. الرابع: إسهامات إبراهيم فوزى فى تدوين تاريخ مصر فى السودان. المحور الخامس: قضايا النيل من منظور إبراهيم فوزى.

وفيما يتعلّق بالفصل الرابع “بروز الهُوية المصرية فى إمبراطوريتها الأفريقية فى أواخر القرن 19″، فقد تناول ثلاثة عناصر مهمة، الأول: التعريف بمصادر كتابات الهُوية المصرية فى إفريقيا فى القرن 19. الثاني، إسهامات إبراهيم فوزى فى الكتابة حول الهوية المصرية. الثالث، تحليل كتابات إبراهيم حول الهوية المصرية.
أما الفصل الخامس “الاَخر الحبشي فى كتابات الشيخ أحمد الحفني القنائي الأزهري سنة ١٩٠٣م” فراح يعرِّف بالشيخ أحمد الحفنى القنائى الأزهرى وكتابه “الجواهر الحسان”. ثم تعرَّض لمحتويات كتاب الشيخ الحفنى وطبيعة الاَخر فيها. ثم تطرّق لمصادر الكتاب ومنهجيته حول الاَخر الحبشي. منتهيًا بأسلوب الكتاب حول الاَخر وجمالياته.

وراح الفصل السادس وعنوانه “دور مصر فى حركة التحرُّر الأفريقى فى عصر الملك فاروق.. التعاون مع إدريس بن عامر البوغندى فى مصر 1948-1952″، ليعرف بشخصية إدريس عامر البوغندى، ثم علاقته بحزب الباتاكا. متحدثا عن دوره الوطنى وحيله المشروعة وغير المشروعة للحصول على الدعم متطرقا لمطالباته بشأن إنضمام أوغنده لمملكة وادى النيل المصرية. منتهيا بتفاعل الإدارة المصرية مع مكاتباته.

وفيما يخص الفصل السابع “علاقة مصر بشرق أفريقيا فى فترة التحرّر الوطنى.. الصومال وإريتريا نموذجًا”، فقد تناول أربعة محاور: الأول، علاقة مصر بشرق إفريقيا فى فترة ما قبل الاحتلال الأوروبي. الثانى، الدعم المصرى لحركة التحرّر الوطنى الإفريقى فى شرق إفريقيا. الثالث، علاقة مصر بالصومال فترة التحرّر الوطنى فى خمسينيات القرن العشرين. الرابع، علاقة مصر بالحركة الوطنية الإرتيرية حتى استقلال أريتريا سنة 1993.

وفيما يخصّ الفصل الثامن “مصر وكتابة أول دستور صومالي” فقد ناقش خمسة موضوعات: الأول، الجهود الثقافية المصرية فى الصومال في فترة الوصاية 1950-1960. الثاني، موقع جامعة عين شمس فى سياسة مصر الثقافية وتعليم الصوماليين. المحور الثالث، جامعة عين شمس واختيار عبدالفتاح ساير داير لصياغة أول دستور صومالي. المحور الرابع، د. عبدالفتاح ساير داير ومعركة أول دستور صومالي. المحور الخامس، الجهود التى بذلها د. عبدالفتاح ساير داير فى كتابة أول دستور صومالي.

أما الفصل التاسع “دور محمد عبدالعزيز إسحق في خدمة العلاقات المصرية الأفريقية فى فترة عبدالناصر”، فقد تحدّث عن خمسة أمور أولها، خلفية عن محمد عبدالعزيز إسحق وبداية ارتباطه بالملف الأفريقى. ثانيها، دوره فى إدارة أفريقيا بوزارة الخارجية المصرية. ثالثها، دوره مع حركات التحرير الأفريقية، وفى الرابطة الأفريقية. رابعها، دوره فى تشكيل وعى بأفريقيا داخل مصر. خامسها، إبعاده عن الملف الأفريقى.

وفيما يتعلق بالفصل العاشر “محمد عبدالعزيز إسحق وقضايا التحرّر الافريقي 1954-1969″، فقد تناول محاور أربعة، الأول، دور محمد عبدالعزيز اسحق مع حركات التحرير الأفريقية، وفى الرابطة الأفريقية. الثانى، دوره فى تشكيل وعى بأفريقيا داخل مصر. الثالث، دوره فى تشكيل وعى بأفريقيا وقضاياها التحرّرية فى أمريكا اللاتينية. الرابع، خلافه مع عبدالناصر وإبعاده عن الملف الأفريقى.
بعدها راح الفصل الحادى عشر “وزارة الخارجية المصرية ومهام مفوّضياتها فى اتحاد جنوب أفريقيا 1942-1958″، يناقش موضوعات خمسة: الأول، خلفية حول عمل وزارتى الخارجية فى مصر واتحاد جنوب افريقيا. الثانى، التمثيل الدبلوماسى بين مصر واتحاد جنوب أفريقيا 1942-1958. الثالث، أبرز إنجازات الخارجية المصرية ومفوّضياتها فى الكيب وبريتوريا 1943-1958. الرابع، أهم القضايا التى طرحتها الخارجية المصرية ومفوّضياتها مع الاتحاد 1943-1958. الخامس، انعكاس فهم الخارجية على علاقات مصر باتحاد جنوب أفريقيا.

أما الفصل الثانى عشر والأخير “مصر وموقف اتحاد جنوب أفريقيا من تأميم القناة وحرب السويس سنة 1956″، فتحدّث فيه الباحث حول ستة محاور: الأول، المنافسة بين قناة السويس وطريق الرأس قبل عام 1954. الثانى، رفض اتحاد جنوب أفريقيا لاتفاقية الجلاء عن قناة السويس عام 1954. الثالث، الموقف الرسمى لحكومة الاتحاد من تأميم قناة السويس 1956. الرابع، موقف المعارضة البيضاء من التأميم. الخامس، موقف الاتحاد من حرب السويس. السادس، ردود الفعل المصرية على مواقف الاتحاد.

اترك تعليقك ...
900
900
900
زر الذهاب إلى الأعلى