الجزء ٢٩ ” هناك في شيكاغو”
بقلم / هناء عبيد
سألت الطّبيب:
هل يمكن للإنسان أن يصل إلى هذه المرحلة الحرجة في صحّته بهذه السرعة؟
يبدو أنّه كان يعاني من هذه الأمراض منذ مدّة طويلة. الأعراض أحيانًا لا تظهر إلّا بعد فترة من الزّمن. أشار علينا الطّبيب بأن يبقى والدي في
المستشفى لعدّة أيّام. أصبح والدي منذ ذلك الحين طفلنا المدلّل رغم رفضه التّام لذلك. كان دومًا يكابر ليظهر لنا أنّه ما زال يتمتّع بكامل صحّته وقوّته. أصبحت أمّي حريصة جدًّا في إعداد الطّعام ليتناسب مع حالته الصحيّة.
مراقبة والدي أصبحت ملازمة لنا جميعًا. صحّته تتدنّى تدريجيًّا رغم محاولته إظهار عكس ذلك بابتسامته الّتي يحاول أن ينتشلها من فكّي المرض. لم يعد يقوى على الجلوس على المقعد دون مساندتنا له، حتّى الطّعام أصبح لا يستطيع تناوله دون تدخّل والدتي. في أحد الأيّام بدا وجهه محتقنًا، يميل إلى الزّرقة وأصابه اختناق منعه من التّنفّس بسهولة. اشتدّ سعاله الّذي لم يتوقّف طوال اليوم. حاولت ونور وأمّي حمله إلى السّيّارة ونقلناه إلى المستشفى. أشار الطّبيب بضرورة دخوله إلى العناية المركّزة بسبب سوء حالته. مضى في المستشفى عدّة أيّام تتّصل بجسده كلّ الأنابيب اللّعينة الّتي تدخل الرّعب إلى قلبي كلّما رأيتها، تذكّرني دومًا بموت أو فقدان. لم أكن يومًا صديقة للمستشفى؛ لا أظنّ أنّ لها صديقًا غير الأطبّاء، حتّى رائحتها تشعرني بالخوف. كم عاندت والدتي في صغري حينما كنت أمرض برفضي الذّهاب إلى الطّبيب؛ كأنّ بيني وبينه عداء، يذكّرني دومًا بالمرض. لا أدري لماذا لا أرى الجانب الآخر فيه، لماذا لا أراه منقذًا؟! لعلّ الأعمال الدراميّة كان لها أثرها في غرس هذه الفكرة المتشائمة في ذهني. كان الموت دومًا رفيق لسان الطّبيب” البقيّة في حياتكم” عبارة طالما سمعتها تتكرّر على ألسنة الأطبّاء في الأفلام، يرافقها بكاء وعويل.