الحرب الروسية الأوكرانية تتحكم في سلة غذاء العالم
بقلم / أمنية الخولى
هل كان العالم فى حاجة إلى حرب جديدة
تعمق جراحه وتفاقم مشكلاته؟
وإذا كانت صفارات الإنذار تعنى اللجوء للملاجئ
فأنين الجوع سيكون أقوى.. حيث لا مأوى ولا ملجأ
فهل يصم صناع الحرب أذانهم عن ضحاياهم من القتلى والجياع؟
بينما كان العالم يحاول التعافى من تداعيات جائحة كورونا الاقتصادية والاجتماعية جاءت الحرب الروسية الأوكرانية لتجعل أزمة الغذاء العالمية قنبلة موقوتة تهدد سكان الأرض بالجوع
ووفق تقرير لمنظمة الأغذية والزراعة (فاو) ارتفعت أسعار المواد الغذائية الأساسية بنسبة 30% خلال العام الماضى مثل الحبوب والسكر واللحوم والحليب ومشتقاته وحاليا لا يستطيع 3 مليارات شخص تأمين غذاء سليم فيما يوشك مليار آخرين التعرض لنفس المصير.
فى حال أرتفعت الأسعار مجددا فماذا ينتظر العالم جراء الحرب فى شرق أوروبا؟
تحتل روسيا المرتبة الأولى عالميا فى تصدير القمح بنسبة تصل إلى 24% .. وبحجم صادرات بلغ في العام الماضي نحو 44 مليون طن
كما تعد أوكرانيا مصدراً مهماً لتجارة الحبوب والبذور الزيتية في العالم
وكانت قبل الحرب تنافس منتجي الأغذية الكبار مثل الولايات المتحدة الأمريكية والبرازيل والأرجنتين باعتبارها أحد أهم مصدرى القمح والشعير وبذور اللفت والذرية.. وتعتمد عليها أسواق حيوية فى تلبية احتياجاتها من الغذاء مثل الصين ودول أخرى فى شرق وجنوب آسيا وأفريقيا وأوروبا والشرق الأوسط وفى القلب منها الدول العربية
فماذا جلبت لهم أليات الحرب بدلا من الغذاء؟
مع وقوع الغزو الروسي لأوكرانيا فإن الاضطرابات المُتوقعة في الإنتاج الزراعي ستؤثر على سلاسل توريد الغذاء العالمية المتعثرة أصلا بفعل إرتفاع أسعار الوقود.. وفى تقرير لصحيفة “التلغراف” البريطانية
أكد أن منطقة البحر الأسود ستشكل محور أزمة الغذاء باعتبارها المنطقة الأكثر أهمية لصادرات الحبوب.. حيث يتم من خلال موانئها شحن 95% من صادرات الحبوب الأوكرانية ومع فرض الأسطول الروسى حصارا لتعطيل التجارة الأوكرانية وتقويض قدرات كييف الاقتصادية ستتفاقم أزمة توريد الغذاء وسيتراجع مخزون السلع الأساسية في عدد من دول العالم.
وينبأ بإرتفاعات قياسية فى أسعار المواد الغذائية خاصة مع تفعيل العقوبات الدولية على موسكو.
وأشار التقرير إلى أن أسعار المواد الغذائية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بدأت بالفعل فى الارتفاع إلى أعلى مستوى لها منذ 10 سنوات خلال فترة ما عرف بـ”الربيع العربي”
وإذا كانت هناك أوجه استفادة من ارتفاع أسعار الغذاء
للدول الموردة مثل الولايات المتحدة والبرازيل قد يجد المصريون واللبنانيون واليمنيون والسودانيون صعوبة في توفير الخبز مع تعطيل إمدادات القمح من موسكو وكييف.. فهل استعدت هذه الدول لمواجهة الأزمة؟
من المرجح أن تلجأ بعض الدول للبحث عن بدائل لتكوين احتياطي مناسب من السلع عبر تنويع مصادر الاستيراد بشكل عاجل وعلى المدى البعيد محاولة الاكتفاء الذاتى وهو أمر شاق ويواجه تعثرات كبيرة.. ففى لبنان التى تعانى من أزمة اقتصادية حادة صرح ممثل مستوردي القمح في لبنان “أحمد حطيط” أن المخزون الحالى من القمح يكفى فقط لشهر ونصف وربما تلجأ بيروت لاستيراد القمح من الولايات المتحدة.. لكن الشحنات تحتاج إلى 25 يوماً على الأقل للوصول فضلا عن أسعارها المرتفعة بالمقارنة بالقمح الأوكرانى
التى تستورد منه لبنان 80% من احتياجاتهم وفي المغرب اضطرت الحكومة لزيادة مخصصات دعم الطحين إلى 350 مليون يورو
وعلّقت الرسوم الجمركية على استيراد القمح
ما يعنى ضغطا شديدا على ميزانية الدولة وهو ما لم تستطع الحكومة التونسية فعله لعدم وجود فائض يسمح بدعم واردات القمح مع تزايد الدين المحلى وتراجع الاحتياطات من العملات الأجنبية..
وتستورد تونس 60% من القمح من أوكرانيا وروسيا وتعتمد حاليا على احتياطى يكفيها لستة أشهر لكن الصورة قاتمة بعدها وهو نفس المشهد فى الجزائر ثاني مستهلك للقمح في إفريقيا وخامس مستورد للحبوب في العالم.. ومع معاناة السودان من تراجع الاحتياطات النقدية منذ توقف المساعدات الدولية عقب الإطاحة بعمر البشير بعد احتجاجات أشعلها ارتفاع سعر الخبز ثلاثة أضعاف ستكون الخرطوم فى أزمة حقيقية مجددا لاعتمادها بشكل رئيسى على القمح الروسى.. ولا يختلف الحال فى اليمن مع معاناة ملايين المواطنين من الجوع بسبب الحرب وهو ما أكده “ديفيد بيسلي” المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي الموجود فى اليمن .
وقال فى تصريحات لوكالة “فرانس برس” “كنّا نظن أننا وصلنا إلى القاع.. لكن سيكون للحرب فى شرق أوروبا تأثير مأساوى
لاعتماد نصف احتياجات الغذاء فى اليمن
على روسيا وأوكرانيا” أما الوضع فى مصر أكبر مستورد للقمح في العالم ينذر بأزمة كارثية فحتى بعد بدء القاهرة في السنوات الأخيرة
بشراء القمح من موردين آخرين وعلى رأسهم رومانيا استوردت في عام 2021 50% من القمح من روسيا و30% من أوكرانيا ..
وأكدت الحكومة وجود مخزون استراتيجي يكفي الدولة لقرابة تسعة أشهر.. لكنها ستواجه ضغطا ماليا كبيرا مع ارتفاع الأسعار وبحسب تقارير دولية من المتوقع إضافة 763 مليون دولار إلى فاتورة دعم الخبز فى مصر البالغة حاليا 3.2 مليار دولار وربما تضطر السلطات لوقف خططها برفع أسعار الخبز كما أعلن مؤخرا رئيس الوزراء مصطفى مدبولي تحسبا لاشتعال نيران الغضب مجددا.. حين رفع المتظاهرون فى 2011 شعار “العيش الحرية والعدالة الاجتماعية”
وعلى إثر الاحتجاجات تم الإطاحة بمبارك.. وبالتزامن مع أزمات ارتفاع أسعار الغذاء وزيادة التضخم وتشديد السياسة المالية العالمية
جراء العقوبات الغربية على روسيا سيكون لجوء بعض الدول العربية للاقتراض أكثر تكلفة وأقل إتاحة تفاديا لمواجهة تعثرات جديدة في العملة والديون وقد تضطر بعض الحكومات إلى التخلي عن منظومات الدعم للغذاء والوقود ما ينذر بأزمات لا يحمد عقباها