وما قدروا الله حق قدره
بقلم / الشيخ عبدالقادر حسن
إمام وخطيب بوزارة الأوقاف
– إن الإنسان في هذه الدنيا ينظر إلي ما حوله يري شيئاً مذهلاً وأموراً تثير الدهشة وآيات من حوله كثيرة كسماءٍ بلا عمد وأرضٍ مبسوطة علي ماء من جمد وجبال رواسي. مع لفتة انتباه متأملة لهذا الكون يوقن المرء أن هذا الكون علي نحو ذاك التنظيم لم يأت صدفة بل لابد لهذا الكون من رب, دينه خيرُ الأديان وشرعته خيرُ الشرائع وأفضلها. خلا رجل بامرأة يوماً فقال لها تعالي فليس يرانا أحد إلا الكواكب فقالت فأين مكوكبها. ونظر أعرابي إلي هذا الكون متأملاً فقال سماء ذات أبراج, وأرض ذات فجاج, وبحار ذات أمواج, السير يدل علي المسير, والبعر يدل علي البعير, ألا يدل هذا الكون علي اللطيف الخبير؟
– فهذا الإله مالك هذا الكون وخالقه له قدر ما أعظمه. قال تعالي “وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالي عما يشركون”.سورة الزمر الآية 64
– فهل قدر الإنسان لله قدره؟ وهل تعامل الإنسان معه علي أنه ربه وأنه عبد له؟ وهل عامل الإنسان ما أتي به رسل الله وأنبيائه علي أنه من عنده؟ أم ناقشها ووضعها للتجربة؟
– إن المتأمل لهذا الواقع يجد أن الموازين قد قُلبت؛ فالحق أصبح باطلاً, والباطل أصبح حقاً, والصدق أصبح كذباً, والكذب أصبح صدقاً, في زمن أئتمن فيه الخائن, وخون فيه الأمين, ونطق فيها الرويبضة كما أخبر الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوي, صلي الله عليه وسلم.
– لقد تهافتوا وفضلوا كلام المخلوق علي الخالق, ولو علموا عظمته سبحانه وتعالي ما تجرؤوا عليه وما فضلوا أحكام غيره وكلامه علي أحكامه وكلامه تعالي.
– إن هذا الكون الذي يعيش الإنسان علي جزء ضئيل منه يصوره النبي صلي الله عليه وسلم فيقول ” ما السموات السبع في الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة و فضل العرش على الكرسي كفضل تلك الفلاة على تلك الحلقة”. رواه محمد ابن ابي شيبه في كتاب العرش وصححه الالباني في السلسلة الصحيحة ، ج1 ، برقم 109، ص 223.
– فأين الإنسان من هذا الكون الفسيح حتي لا يرضي أن يكون كلام الله حكماً, فينبغي أن يتعامل مع الله بغاية الأدب, وإن من الأدب مع الله أن يرتضي الإنسان بشريعته منظمة لكل شئون حياته. فقيمة الرسالة من قيمة المرسل. إذا أتت رسالة علي هاتف شخص ما من أحد إخوانه أو أصدقائه أو أحبابه فسيحتفظ بها وكلما رأي أحداً أراه إياها بل ونشرها بين الناس لما يري فيها من الخير. فإن كنت محباً لربك ومتؤدباً معه معظماً له سبحانه فلتعظم رسالته التي بعث بها النبي صلي الله عليه وسلم. فإن كنت لا تقدر قدر ربك ولن تراه في الدنيا ولن تستطيع أن تتخيله وسمعك لا يحتمل خطابه المباشر, فكيف تخاطبه بما ليس له أهل أو تعامله كأنه بشر مثلك. والمتأمل في كتاب الله عز وجل يجد أن الملائكة علي عظيم خلقهم وقربهم من الله عز وجل تسأل بعد أن أخبرهم الله عز وجل أنه سيجعل في الأرض خليفة: قال تعالي “وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك” فأجابهم الله عز وجل الذي أحاط علمه سبحانه كل شئ “قال إني أعلم ما لا تعلمون” سورة البقرة آية 29 فلما رأوا عظيم قدرته وبديع خلقه وظهرت لهم حكمته قالوا مسلمين لأمره “سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم”.سورة البقرة 31 فليكن قدوتك الملائكة فلا تنكر علي ما لا تعلم. فربك عظيم لن تبلغ عظمته ولن تدرك قدرته. فانظر يرحمك الله لعظمة قدرة ربك وجلال سلطانه, هل يستحق منا أن نعامله معاملة فيها سوء أدب معه؟ وعليك أن تعلم وفقني الله وإياك لمرضاته أنك إن أردت أن تحاور إنسان مبادئه أو قوانينه فلابد أن يكون مساوياً لك في العقل فكيف تناقش ربك تبارك وتعالي في شريعته وأنت لم تقدره قدره ولم تره أو تسمعه أو حتي تتخيله, فالزم قدرك.
– وبالإضافة فإن المشرع لابد له من أن يراعي نفسه التي بين جنبيه حتي يضع لها تشريعاً يليق بها, وعلي هذا فهناك سؤال يدور بجنان كل إنسان: هل تعامل الإنسان مع نفسه وروحه؟ أم هو جاهل بكونها؟ فإذا صعدت أو نزلت أو سرت يميناً أو شمالاً لن تعرف كيفية روحك ولا هيئتها وكنهها. فهل يحق لمشرع لا يعرف حقيقة نفسه التي بين جنبيه أن يسمي مشرعا؟ هذه الروح التي أخفى الله تعالي مهيتها يقول في شأنها: “ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً”.سورة الإسراء الآيه 85
– عندما كانت البشرية في ظهر أبيها آدم خاطبها الله فقال تعالي: “وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم علي أنفسهم ألست بربكم قالوا بلي شهدنا” ومن الآية يظهر لنا أن الله قد أخذ علينا الميثاق ونحن في مرحلة الذر أن لا نشرك به وحذرنا حتي لا نقول يوم القيامة “إنا كنا عن هذا غافلين” سورة الأعراف 172.
– ثم تكون مرحلة أخري وهي التي أخبرنا عنها النبي صلي الله عليه وسلم ففي الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم من حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم “إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة, ثم يكون علقة مثل ذلك, ثم يكون مضغة مثل ذلك , ثم يرسل إليه الملك, فينفخ فيه الروح, ويؤمر بأربع كلمات, بكتب رزقه وأجله وعمله, وشقي أو سعيد”.أورده بن رجب ، في كتابه جامع العلوم و الحكم ، برقم 4.
– فعندما نزل من بطن أمه بدأ العد التنازلي لعمر الإنسان وهذه هي مرحلة الحياة الدنيا. فالدنيا مزرعة الآخرة وهي علي أية حال كالقنطرة.
– فيا تري من العاقل الذي يبني علي القنطرة بيتاً؟ وأما المرحلة التي تليها فهي حياة البرزخ وهي ما تكون في القبر من عذاب أو نعيم ثم المرحلة الآخيرة: وهي الحياة الآخروية.
– هذه عدة مراحل تدور معها الروح فيكون الثواب والعقاب في الدنيا علي البدن ثم الروح ويكون الثواب أو العقاب في القبر علي الروح ثم البدن فإذا كانت الآخرة كان العقاب أو الثواب علي البدن والروح معا.
– هذه الروح التي لا يعلم كونها أحد إلا الله فكيف ستشرع لنفس أو روح وأنت لا تعلم ذاتيتها,
– ولقد رأيت طريق الحق وهو ما اختاره الله لنا ورأيت طريق الباطل وهو ما نهانا الله عنه. فهذه شريعة ربانية وتلك أفكار وأحكام إنسانية, فهل ستقدم الأعلي علي الأدني؟ أم ستشتري بالآخرة عرض الدنيا؟ قال تعالي “وهديناه النجدين” سورة البلد الآية 10. فاختر ما شئت فكلنا أمام الله واقفون وهو سائلنا فلنعد للسؤال جواباً.