الموانئ السعودية بوابة التجارة والتنمية لقارات العالم
كتب / رأفت حسونة
تتميّز المملكة العربية السعودية بموقع جغرافي استراتيجي ومهم، بإطلالتها على الخليج العربي والبحر الأحمر، كونها بوابة وحلقة وصل كبرى بين قارات ثلاث هي آسيا وأوروبا وأفريقيا، ومركز نقل رئيس للمسارات التجارية براً وجواً وبحراً، وهو ما استثمرته رؤية السعودية 2030 التي اعتمدت على تنويع الاقتصاد غير النفطي من خلال إطلاق برامج وأهداف رائدة تجعل من المملكة مركزاً لوجستياً عالمياً.
وأطلقت المملكة الاستراتيجية الوطنية للنقل والخدمات اللوجستية -أحد أهم المحاور الرئيسة لرؤية 2030- التي تسهم في تعزيز القدرات البشرية والفنية في قطاع النقل والخدمات اللوجستية، وتعزز الارتباط بالاقتصاد العالمي، وتمكّن المملكة من استثمار موقعها الجغرافي الذي يتوسط القارات الثلاث في تنويع اقتصادها، من خلال تأسيس صناعة متقدمة من الخدمات اللوجستية، وبناء منظومات عالية الجودة من الخدمات، وتطبيق نماذج عمل تنافسية لتعزيز الإنتاجية والاستدامة في قطاع الخدمات اللوجستية، بوصفه محوراً رئيساً في خطط المملكة، وقطاعاً حيوياً ممكِّناً للقطاعات الاقتصادية.
وتضمنت الاستراتيجية الوطنية للنقل والخدمات اللوجستية حزمة واسعة من المشاريع الكبرى والمبادرات التطويرية التي ستدفع بخدمات النقل وصناعة الخدمات اللوجستية إلى مراتب متقدمة إقليماً ودولياً لدعم التنمية المستدامة في جميع مناطق المملكة.
وتهدف الاستراتيجية إلى وضع المملكة العربية السعودية كمركز عالمي للنقل والخدمات اللوجستية، وذلك من خلال إنشاء منصات ومناطق لوجستية عالمية، وكذلك تطوير البنية التحتية للموانئ، وتوسيع طاقتها الاستيعابية، ورفع كفاءتها التشغيلية، إضافة إلى زيادة إسهام قطاع النقل والخدمات اللوجستية في إجمالي الناتج المحلي الوطني إلى 10% عوضاً عن 6% حالياً، وتستهدف تحقيق عدة مستهدفات أبرزها أن تكون المملكة في قائمة الدول العشر الأولى عالمياً في مؤشر الأداء اللوجستي، وكذلك التقدم في مؤشر التجارة عبر الحدود لتصبح من ضمن الدول الـ35 الأولى عالمياً، وأن تكون من ضمن أفضل 6 دول عالمياً في مؤشر جودة الطرق مع الحفاظ على ريادتها عالمياً في ترابط شبكة الطرق، وشحن أكثر من 4.5 ملايين طن جواً سنوياً، إضافة إلى زيادة الوجهات لأكثر من 250 وجهة دولية.
وتماشيًا مع الاستراتيجية الوطنية للنقل والخدمات اللوجستية تقود الهيئة العامة للموانئ “موانئ” مسيرة التحوّل في قطاع النقل البحري والخدمات اللوجستية، فقد أقرت استراتيجيتها المؤسسية الجديدة التي تهدف إلى تنمية قطاع بحري مستدام ومزدهر، وتطويرها بما يدعم التجارة والتنمية الاقتصادية للمملكة.
وتمتلك المملكة 13 ميناء على البحر الأحمر والخليج العربي تتمثل في ميناء جدة الإسلامي، وميناء الملك عبد العزيز، وميناء الملك عبد الله، وميناء الملك فهد الصناعي بالجبيل، وميناء ينبع التجاري، وميناء الملك فهد الصناعي بينبع، وميناء الجبيل التجاري، وميناء جازان، وميناء ضبا، وميناء رأس الخير، وميناء رأس تنورة، وميناء الخفجي، وميناء جازان للصناعات الأساسية والتحويلية، وتمر من خلالها 13% من حجم التجارة العالمية، كما تسهم هذه الموانئ في مرور 70% من واردات المملكة، و95% من صادراتها، عبر 291 رصيفاً، بطاقة استيعابية تقدر بـ 1.1 مليار طن وزني، وبمقدار 20 مليون حاوية.
ووفقاً لبيانات الهيئة العامة للإحصاء بلغت قيمة الصادرات غير البترولية من المملكة العربية السعودية لعام 2021م، 187,950,268,805 ريالات، في حين بلغت قيمة الواردات للمملكة لعام 2021م، 343,665,939,711 ريالاً.
وتعد الموانئ السعودية بوابات التجارة والتنمية للقارات الثلاث آسيا وأوروبا وأفريقيا كونها تواكب المتغيرات السريعة في مجال التجارة البحرية، وواكبت التطور السريع في صناعة النقل البحري والخدمات اللوجستية بتطوير البنية التحتية لاستقبال الأجيال الجديدة للسفن، ومثالاً على ذلك استقبل ميناء الملك عبدالعزيز سفينة، “كوسكو سولار” التي تصل طاقتها الاستيعابية إلى 21300 حاوية وطولها 400 متر وعرضها 59 متراً، وكذلك استقبل ميناء جدة الإسلامي أول وأكبر سفينة حاويات في العالم تعمل بشكل كامل على الغاز الطبيعي المسال الصديق للبيئة بنظام (LNG)، وتبلغ الطاقة الاستيعابية للسفينة 23 ألف حاوية قياسية ويبلغ طولها 400 متر، وعرضها 61 مترا، وأثمرت هذه التوجهات إلى حدوث تطور ملحوظ في الكفاءة التشغيلية للموانئ وضخ استثمارات كبيرة أدت إلى تحديثات متعاقبة للمعدات والتجهيزات ومعدلات أعلى لخدمة العملاء والمستفيدين وفق أعلى المعايير الدولية.
وأوضح رئيس الهيئة العامة للموانئ عمر بن طلال حريري في حديثه لوكالة الأنباء السعودية أن “موانئ” أقرت استراتيجيتها المؤسسية الجديدة بما يدعم التجارة والتنمية الاقتصادية للمملكة، مفيدًا أن مكانة وجاذبية الموانئ السعودية جعل المملكة تحقق المرتبة الخامسة كأسرع دول العالم في التعامل مع سفن الحاويات، وذلك وفق مؤشر (UNCTAD) السنوي لعام 2020م الصادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، كما سجلت المملكة تقدّماً في مؤشر اتصال شبكة الملاحة البحرية مع خطوط الملاحة العالمية ضمن تقرير (UNCTAD) للربع الثالث للعام 2021م محققة (70.68) نقطة لتكون الدولة الأعلى تقدماً إقليمياً على صعيد المؤشر، وذلك ضمن جهود المملكة لرفع تنافسيتها وتعزيز حضورها الدولي في قطاع النقل البحري.
وبين حريري أن “موانئ” حققت عدداً من الإنجازات المهمة خلال المدة الماضية، تمثلت في توقيع العديد من الاتفاقيات لتطوير منظومة نقل بحري مزدهر ومستدام تدعم الطموحات الاقتصادية والاجتماعية للمملكة وتسهم في تحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030، كما أطلقت المرحلة الأولى من مشروع تطوير محطة الحاويات الجنوبية بميناء جدة الإسلامي ضمن إجمالي استثمارات موانئ دبي العالمية التي بلغت 3 مليارات ريال، كما أضافت 7 خدماتٍ جديدة للشحن الملاحي عبر ميناءي جدة الإسلامي وميناء الملك عبدالعزيز بالدمام من جهة، وموانئ المحيط الهندي وموانئ شمال أوروبا، وجيبوتي، والصين، والبحرين من جهة أخرى، ووقعت اتفاقية تجارية تعد الأولى من نوعها مع الخط الملاحي العالمي “Hapag-Lloyd” وذلك لزيادة كميات الحاويات في الموانئ السعودية.
وارتفع التصنيف الدولي لأداء شبكة الموانئ السعودية إلى المركز السادس عشر من حيث حجم كميات المناولة ضمن تقرير (Lloyd’s List) السنوي، وصُنفت ثلاثة موانئ سعودية ضمن قائمة أكبر 100 ميناء بالعالم وهم ميناء جدة الإسلامي الذي حصد المركز 37 عالمياً، وميناء الملك عبدالله الذي حاز على المركز 84 عالمياً، وميناء الملك عبدالعزيز الذي جاء في المركز 93 عالمياً، ووقعت “موانئ” اتفاقيات استثنائية مع شركات لها ثقلها وحضورها المميز في عالم النقل البحري والخدمات اللوجستية، حيث بلغت قيمة الاستثمارات المتوقعة في البنية التحتية اللوجستية أكثر من مليار ومئتي ألف ريال سعودي، وتشمل هذه الاتفاقيات: إنشاء أكبر منطقة خدماتٍ لوجستية متكاملة بالشرق الأوسط في ميناء جدة الإسلامي بقيمة استثمارات أجنبية تتجاوز 500 مليون ريال من خلال شركة Maersk ، واتفاقية أخرى مع مجموعة CMA CGM لإنشاء منصة لوجستية بقيمة استثمارات تناهز 487 مليون ريال، وبمساحة تتجاوز 130 ألف متر مربع.
وأبرمت “موانئ” اتفاقية لإنشاء مستودعات القرية الخامسة والسادسة في ميناء جدة الإسلامي بالتعاون مع أحد الشركاء الإستراتيجيين “LogiPoint” التابعة لمجموعة سيسكو، بمساحة إجمالية تبلغ أكثر من 43 ألف متر مربع وبقيمة استثمارات بلغت 150 مليون ريال سعودي، إضافة إلى اتفاقية مع الشركة الوطنية السعودية للنقل البحري “البحري” لإنشاء منطقة لوجستية ضمن ميناء جدة الإسلامي لبناء مستودعات لتخزين ومناولة جميع أنواع البضائع والحاويات، كما وقعت عقداً لإنشاء أكبر محطة لاستيراد ومعالجة الحبوب والأعلاف في الشرق الأوسط، تضم 120 صومعة ومحطة لمناولة الحبوب بطاقة استيعابية تتجاوز (8) ملايين طن.
ونتيجة الدعم غير المحدود من القيادة الرشيدة – حفظها الله – تجاه قطاع الموانئ، ارتفع حجم الأطنان للبضائع المناولة خلال الربع الأول من عام 2022 بنسبة 7.18% بإجمالي بلغ أكثر من 74 مليون طن، كما ارتفع أعداد الحاويات المسافنة بنسبة 5.91% بإجمالي بلغ نحو 1,3 مليون حاوية قياسية، وذلك مقارنة بالمدة ذاتها من العام 2021، وسجلت موانئ السعودية أيضا ارتفاعاً في عدد من المؤشرات التشغيلية الأخرى، منها ارتفاع أعداد السيارات بنسبة 12.85% بإجمالي بلغ نحو 219,488 ألف سيارة، وارتفاع أعداد الركاب بنسبة 61.70% بواقع 258,076 ألف راكب، وارتفاع أعداد السفن بنسبة 0.28% بإجمالي بلغ 3,186 سفينة.
وانسجاماً مع أهداف “موانئ” الإستراتيجية نحو الاستفادة القصوى من الطاقة الاستيعابية الضخمة بالموانئ السعودية، جرى تنفيذ 32 مشروعا لتطوير البنية التحتية في الموانئ السعودية شملت إنشاء وتطوير الأرصفة وتعميق أحواض الدوران، إلى جانب طرح فرص استثمارية لتطوير وتشغيل المحطات في الموانئ السعودية، مما يسهم في تحقيق قيمة مضافة للاقتصاد الوطني، وتدعيم بيئة الاستثمار والحركة التجارية في المملكة.
وفي مجال تحسين تجربة المستفيدين وعملاء الموانئ، طورت “موانئ” 7 أنظمة حديثة، ومنحت الوكلاء البحريين المحليين والدوليين 16 ترخيصاً، إضافة إلى أنها فعّلت نظام حجز مواعيد الشاحنات في ميناء جدة الإسلامي وميناء الملك عبدالعزيز بالدمام، وستسهم الخدمة الجديدة على تقليص معدل دوران الشاحنة من 6 ساعات إلى 25 دقيقة، وزيادة أوقات العمل من 8 ساعات إلى 24 ساعة، إضافة إلى تقليل الإجراءات الورقية بما لا يقل عن 6 ورقات لتصل إلى ورقة واحدة.
وضمن المساعي الهادفة لتمكين ودعم نمو قطاعات السياحة والرياضة بالمملكة، تعمل الهيئة العامة للموانئ بالشراكة مع صندوق الاستثمارات العامة على تنفيذ عدة مشروعات لأعمال البنية التحتية اللوجستية البحرية لتطوير قطاع السفن السياحية في المملكة، كان من بينها أخيراً اتفاقية مع شركة “كروز السعودية”، وشركة الخدمات البحرية العالمية “جلوب” لإنشاء وتطوير صالات الركاب وأرصفة السفن السياحية وتجهيزها في الموانئ السعودية، بما يسهم في جعل المملكة رائدة في صناعة الرحلات البحرية.
كما توّجت جهود “موانئ” مع شركائها الاستراتيجيين بتدشين أول محطة لسفن الكروز السياحية في ميناء جدة الإسلامي وبدء رحلاتها، إضافة إلى تقديم الدعم للقطاع الرياضي عبر استقبال المعدات والآليات المشاركة في هذه الأنشطة الرياضية والترفيهية المقامة بالمملكة.