900
900
مقالات

“ثقافة الإلغاء” ومفهوم الحريّة

900
900

بقلم / فاتن يعقوب

لطالما ارتبط مفهوم الحريّة بالمسؤولية وحقّ الإختيار بتحمّل النتائج والعواقب. ولكنّا أصبحنا نعيش اليوم زمناً عجيباً غريباً ضائعاً حيث الحريّة تعني الانفلات والتفلّت من المسؤولية وحقّ الإختيار يعني التعسّف وإلغاء الآخر. من هنا يمكن الحديث عن ظاهرة ال cancel culture أو ثقافة الإلغاء التي تنتشر سريعاً في عالمنا العربيّ.
أعتقد أنّ السّبب الأساسي لظاهرة “ثقافة الإلغاء” التي نشهدها وبحدّة بين شباب وشابات اليوم يرجع إلى سوء استخدام التكنولوجيا وبالتحديد وسائل التواصل الإجتماعي.
لا شكّ أنّ عصر الوباء وخوف الإنسان في كل أصقاع الكون على وجوده واستمراره قد بعث فيه وحشية البدائية كاستراتيجية لا واعية وأحيان كثيرة واعية لحماية النّفس. ولم تعِ البشرية أنّ حماية النّفس تأتي من تكاتف البشر وليس إلغاء بعضهم بعضاً.
وبالطبع، جاء دور وسائل التواصل الإجتماعي ليعطي الإنسان الحديث القوّة الوهميّة عبر سلاح التخفّي. أصبح ذلك الإنسان يتخفّى وراء شاشة بيضاء وخلف قلب أسود، يبثّ كلّ أنواع السّموم الفكريّة التي كان يجب أن تكون منتهية الصلاحية.
الحريّة الفكريّة حقّ إنساني مشروع لا يختلف عليه اثنان. لكن الحريّة الفكريّة مشروطة بالضرورة بالمسؤولية الشخصيّة والمجتمعية. يعني، لا يمكن مقارنة من يختلف معك فكريّاً فقط بمن يختلف معك فكريّاً ويُطلِق الأحكام عليك بشتّى أنواعها وأشكالها. وتأتي هنا أهمية القوانين المدنيّة وأهميّة تطويرها لأن يبقى القانون المرجعيّة في الحكم على أحقيّة الحريّة وحدودها.
لا يكفي أن يصبح العالم “قرية صغيرة” يتبادل بها الجميع خبراته وثقافته في الشكل والمظهر والموضة والإكتشافات العلمية واللغة الرقميّة بينما يقفز شباب وشابات اليوم قفزة خطيرة لا يجدون بعدها شبكة حماية تعزّز حداثتهم وتعطشّهم لكلّ ما هو جديد وغريب. ولا يمكن للأسس القانونية أن تضع رأسها في الرّمل حتى لا ترى هذا الجديد الغريب. على الحلول أن تكون عمليّة وسريعة لأنّ عدوى ظاهرة إلغاء الآخر تنتشر أسرع من الوباء وأثرها دائم في النّفس البشريّة.

اترك تعليقك ...
900
900
زر الذهاب إلى الأعلى