إذا كان المخرج مصطفى الدرقاوي في فلميه “أيام شهر زاد الجميلة” (1982) و “عنوان مؤقت” (1984) قد وقف عاجزا بشكل مطلق عن التواصل مع الجمهور لعدة اعتبارات أهمها، دراسته للإخراج السينمائي ببلونيا، واعتماده على نمط سردي غربي في انتاجاته حرمه من السيطرة على الجمهور، لغياب ملامسة جوهرية للواقع المغربي، وبالتالي اتساع الهوة ما بين المخرج و الجمهور المتلقي.
فإن تجربة محمد عبد الرحمن التازي في فيلمه “باديس” (1988) قوبلت بترحيب نقدي كبير يفوق بكثير فيلمه “ابن السبيل” لمراهنتها على عدة أبعاد (الجمالي، تشكيل اللقطة، الأزياء، حركة الممثل،…) بدل التوغل في الرمزية و الإيحاء أو الثرثرة و التركيز على مضامين الخطاب.
إن تجارب الإخراج السينمائي السابقة هي استثمار للمعارف الثقافية للمخرجين من أجل بناء مشروع سينمائي مضاد للنّمودج المهيمن، وهكذا قام المخرج أحمد المعنوني في فيلمه “الحال” (1981) بترتيبات إخراجية وضعت الظاهرة الغيوانية أمام ذلك التهييج الفني الذي يفصل إرادة التوثيق والميل إلى الأسطرة، كما عمل مومن السميحي على اسثتمار ثقافته و تكوينه لبناء مشروعه السينمائي الذي يستدعي بعض التقنيات مثل، السيميائيات و التحليل النفسي كمرتكزين أساسيين لبناء علاماته و لتأويلها أيضا.
ويمكن أن نضيف إلى هؤلاء التجربة الفارقة التي قدّمها محمد الركاب في فيلمه ” حلاّق درب الفقراء” (1982)، والجمالية للجيلالي فرحاتي في ” عرائس من قصب” (1981)، فضلا عن النمادج المكرّسة ثقافيا و سينمائيا، كتجربة سهيل بن بركة في فيلمه المثير للجدل “أموك” (1982) ، و الطيب الصديقي في فيلمه “الزفت” (1984)، وفريدة بليزيد في فلم ” باب السماء مفتوح ” (1987)، وأحمد ياسفين في فلم “كابوس” (1984).
يمكن الجزم بأن السينما المغربية دخلت خلال التسعينيات مرحلة النشوة على مستوى التلقي، حيث عرفت القاعات السينمائية المغربية إنتعاشة كبيرة ، بفضل الإقبال المتزاييد على مشاهدة الأفلام المغربية، وانتقلت السينما من مرحلة “التجريب” و “الرمزية” اللتان أعاقتا عملية التلقي، و أدرك المخرجون أنه ليس من باب التسلية أن يقوم الجمهور نفسه بعمليتي التفكيك و التركيب، بل يقصد القاعات السينمائية لمشاهدة أفلام من أجل الإستمتاع و الإسترخاء، والحلم و إطلاق العنان للخيال.
و من هنا فطن المخرجون المغاربة أن عملهم يقتضي تقديم حكايات بسيطة للنّاس، لها بداية ونهاية، عوض وضعهم في منطقة غامضة حالكة السواد، وأيقنوا إلى أن الناس بحاجة لسينما “بيداغوجية” تعيدهم إلى القاعات السينمائية، بدل وضعهم في منطقة الإرتباك.
هكذا إدن اندفع رواد السينما لمشاهدة فلم مثل “حب في الدار البيضاء” لعبد القادر لقطع (1991)، واعتبر هذا الفلم حسب
رأي مجوعة من النقّاد السينمائيين بداية لمرحلة تصالح السينما المغربية مع الجمهور، حيث برهن هذا المخرج على أن نقل الحميمية إلى الشاسة يتطلّب شجاعة أولا، و قدرة على التحمّل ثانيا، بالإضافة إلى القدرة على الإشتغال على ثيمة الجسد الأنثوي و المكبوت الجنسي، والعلاقات المحرمة، وتصوير الجسد، بإمكانه أن يؤسس لمشروع سينمائي متكامل.