أعداء النّجاح
بقلم / فاتن يعقوب
يتّفق علماء النّفس على أنّ الرّكيزة الأساسية لثقة الفرد بنفسه تبدأ أوّلاً مع الأسرة الداعمة لتتوسّع إلى المحيط الإجتماعي، المدرسة، الجامعة، وثمّ الإختلاط مع الآخر في العلاقات الشخصية وفي العمل.
إذاً، فالبذرة الرّئيسة للثّقة بالنّفس هي البيئة الحاضنة التي تصبر طويلاً وتحبّ كثيراً حتى تستطيع أن تروي تلك التربة وتطوّرها. والثّقة بالنّفس هي العامل الأوّل الذي يؤهّل الفرد للاندماج بمحيطه، التعرّف عليه، والنجاح فيه.
ومعنى الدّعم النفسي هو أن يحسّ الفرد ويقتنع كليّاً أنّه مكوّن أساسي لعائلته: يتأثّر ويؤثّر بهم، يفرحون لفرحه ويحزنون لحزنه، يهتمّون برغباته وأحلامه ويساعدونه على تحقيقها وتنفيذها. وكلّما اكتملت هذه المعادلة، استوى مفهوم التربية وتركّز سبب أساسي من أسباب النجاح.
لا أعني هنا بالنجاح الشهرة والمال. صحيح أنّ هذه العبارات أصبحت ملتبسة في وقتنا الحالي وذلك يرجع لبعض تأثيرات السوشيال ميديا السلبيّة: فعدد المتابعين يعني النجاح، وفيديو شراء سيارة فخمة يعني النجاح، وصورة في مكان مميّز تعني النجاح.
لا شكّ أنّ الشهرة والمال هما نتيجتان واقعيتان للنجاح ولكن ذلك لا يعني أنّ الشخصية الناجحة هي فقط التي نعرفها أو نتابعها أو نقلّدها. والمفهوم بعينه لا يستطيع تقييمه فعلياً إلا الشخص نفسه مجيباً عن الأسئلة التالية: هل أنا سعيد بما أعمل؟ هل أنا راضٍ عمّا أعمل؟ هل أنا مكتفٍ بما أعمل؟ هل أحلم بأكثر ممّا أعمل؟ هل يمكنني تحقيق أكثر ممّا أعمل؟
عندما يتحقّق النّجاح مع موهبة فذّة، يبدأ مشوار الشهرة. وأستعمل هنا مفردة “مشوار” لأنّ الشّهرة قد تنشأ في لحظة معيّنة بدون تفكير مسبَق أو بعد تكرار نجاحات كثيرة. ولكنّ الشّهرة تنتكس إن قوبلت بظاهرة العداء الجمعي للنّجاح أو الغيرة الممنهجة لتدمير الثقة.
ولأن موضوع الثّقة بالنّفس يحتاج إلى مراعاة مستمرّة ودعم دائم فإنّه مُعرَّض للفشل إذا اتّفق الوعي الجمعي على انتقاده ومحاربته ومهاجمته بسبب أو بدون.
فكرة أن تكره لغيرك ما تحبّ لنفسك أو بمعنى آخر الغيرة المدمّرة تأتي على صاحبها أوّلاً ومن ثمّة مجتمعةً مع محيط سلبيّ تدمّر الثّقة الجَمعيّة بفكر التطوير وتحقيق الذّات.
علينا أن ندرك أنّ نجاح المجتمع هو انعكاس لنجاح الفرد ونجاح الفرد انعكاس لنجاح المُرَبّي. هذه العمليّة تتطلّب الكثير من العطاء والتركيز على النّفس. عندما نعي أن تدمير الناجح فينا سيعود بالضرورة على تدمير أبنائنا وبالتالي مجتمعنا، يمكننا هنا فقط أن نوقف عجلة “أعداء النّجاح”.
دعونا نحتفي بمن استطاع أن يحقّق أفضل إمكانياته رغم الضّعف التّربوي المحيط به ونصفّق لمن استطاع أن يتحدّى المحدوديات الإقتصادية التي نشأ فيها وندافع عمّن استطاع أن يحمل علَمَنا في الشّرق والغرب معاً.