دردشة ،،،
“العمل التطوعي” .. واجب وطني
بقلم / أحمد عبد الحليم
يبدو أن متطلبات الحياة في الوقت الحالي قد شغلت الإنسان عن أهم الأعمال التي تحثنا الفطرة البشرية على نشرها وفعلها على الدوام، إذ يولد الإنسان على فطرة حب عمل الخير ونشره بين الناس كلما سمحت له الفرصة، فكان التسابق على أعمال الخير بالعمل التطوعي في الماضي أكثر بكثير من الآن ونشاهدها نصب أعيينا وبدون إستغراب كأن فعلها أمر عادي بالفطرة وراسخ يإستدامته بدون توقف، ولكن الآن ظهرت مشاعر جديدة بمكتسبات غريبة جعلت أغلب الأفراد تصرف نظرها عن أي شيء إلا إحتياجاته الأساسية، ورغم أن عمل الخير لم يكلفه شيء وسيُكتب في ميزان حسناته والاطمئنان بالراحة النفسية إلا انه ينصرف عنه.
الأمر الذي يقتضي استحداث الوعي بمفهوم “العمل التطوعي”، وهو الموضوع الذي سنتطرق إلى الحديث عنه نظراً لأهميته في كافة الأوقات، ودوره العظيم في تصحيح المفاهيم ونشر التعاون والمساعدة وتعزيز المساواة بين أفراد المجتمع.
بطبيعة الحال أن مفهوم “العمل التطوعيّ” هو كل عمل خير يقوم به الإنسان دون مقابل مادي، بتقديمُ المساعدةِ مِن أجل عمل الخير للمُجتمعِ وأفراده، كما أُطلقَ عليه مُسمّى “العملٍ التطوعيّ” لأنّ الإنسان يقومُ به طواعيةً للخير دون إجبارٍ على فعله وبدون مقابل، حيث أنه ظاهرةً إيجابيّةً وسّلوكٌ حضاريّ يُساهمُ في تعزيزِ قيم التّعاون في المجتمع، وهذا ليس بجديد على الإنسان بمعنى كلمة إنسان لأنه خلق بفطرته على الخير وله رسالة سامية في حياته لابد أن يقدمها للناس، مما ينعكس بالصورة الإيجابية على المجتمع من انتشار القيم الأصيلة والأخلاق الحميدة بين أفراده، وعلى الفرد بالراحة النفسية لفاعله وثوابه سيُكتب في ميزان حسناته، يقوم دين الإسلام على تعزيز التكافل الاجتماعي، وحث عليه في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، حيث أظهر الإسلام أهمية “العمل التطوعي” من أجل القيام بحضارة إسلامية قوية الأساس وقائمة على نشر الخير والمساواة بين أفراد المجتمع.
يسعى الدين الإسلامي إلى تعزيز التكافل المجتمعي بين كافة الأفراد ويظهر ذلك جلياً في العديد من المواضع في القرآن الكريم، نذكر منها:
( ..وتَعَاونُوا عَلى البِّرِ والتَقوَى .. ) (المائدة 2)، ( .. فَمَن تَطَوّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لّهُ .. ) (البقرة 184)، ( .. وآتى المَالَ عَلى حُبِه ذَوي القُربى واليتَامَى والمَسَاكِّين وابن السَبِّيل .. ) (البقرة 177)، ( .. فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ .. ) (الزلزلة 7)، ( .. وفي أموالهِّم حَقٌ مَعلُوم للسَائِّل والمَحرُوٌم .. ) (الذاريات 19).
أما بالنسبة للأحاديث النبوية الشريفة التي تحث على “العمل التطوعي” في الإسلام، فمنها: ( مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ؛ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى ) ، ( أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، وَأَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ، أَوْ تَكْشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً، أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعًا، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا، وَلأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخٍ لِي فِي حَاجَةٍ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ شَهْراً ) ، ( المسلمُ أَخو المسلم، لا يَظلِمُه، ولا يُسْلِمُهُ، ومَنْ كَانَ فِي حاجةِ أَخِيهِ كانَ اللَّهُ فِي حاجتِهِ، ومَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسلمٍ كُرْبةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ بها كُرْبةً مِنْ كُرَبِ يوم القيامةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَومَ الْقِيامَةِ ).
في وقتنا الحالي قد تطور مفهوم “العمل التطوعي” ليصبح نشاطاً اجتماعياً قائماً بشكلٍ كبير على نشر الإيجابية في المجتمع واتخذ أشكالاً عديدة من بذل الجهد الجسدي لمساعدة الآخر أو بالإنفاق المالي ومساعدة المحتاج أو حتى بنشر العلم دون طلب أي مردودٍ مادي أو نشر الفائدة بأي طريقة، وبما إن ” العمل التطوعي” من أعمال الخير السامية التي تفيد المجتمع وترتقي بالشعوب، إذن يُعد هذا العمل واجب وطني على كل مصري له إنتماء للوطن ويأمل أن تكون بلده في أحسن صورة، ولم ينحصر هذا العمل على المساعدات المادية فحسب بل يكون في كل الأمور التي من شأنها ترفع من شأن الفرد وذاته وتنهض بالمجتمع وترتقي بالشعوب، وعلى سبيل المثال وليس الحصر من قام برفع الأذى عن الطريق أو مساعدة كبار السن في عبور الطريق للوصول لمبتغاهم يسمى عمل تطوعي، ومن ينصح الناس على إصلاح ذات البين وتصحيح المفاهيم الخاطئة هو عمل تطوعي، ومن يتعاون مع الناس ويتنافس على عمل الخير هو عمل تطوعي، ومن يقدم مقترحات لحلول مشاكل يعاني منها المجتمع ويزيد من فاعلية التواصل الإيجابي بين الناس يُعد عمل تطوعي، ومن يساعد الشباب بالتوجيه وتدعيم وترسيخ روح الثقة المتبادلة بينهم وتشجيعهم على الإبداع وإبتكارُ أساليبٍ جديدةٍ هو عمل تطوعي، وغيرها من الأعمال التي ترفع من شأن المجتمع وأفراده، وأغلبها تندرج تحت فعل الخير.
بالطبع أن كل عمل إيجابي له فوائد تعود على الفرد والمجتمع، فنلاحظ أن الأنشطة التطوعيّة تُساهمُ في المُحافظةِ على تطوّر المُجتمع وتجعل وقت المتطوع مفيد ومثمر، علاوة على أنه يُساهمُ في تفعيل ثقافة التطوّع بشكلٍ دائم بالإعلانُ عن الحملات والمبادرات بشكلٍ مُستمرّ، وفي حالة تشجيع الشباب على الاستمرارية وتعودهم على “العمل التطوعي” من خلال وضعُ مجموعةٍ من الأهداف للعمليّة التطوعيّة والتّوجيه المُناسب لنجاحِ “العمل التطوعيّ” سيكون له الأثر الإيجابي في النهوض بالبلاد.
من المؤكد أن الأعمال التطوعيّة لها أنواع، منها التطوّع الافتراضيّ أو الإلكترونّي عن بُعد عن طريق شبكة الإنترنت، والتطوّع لساعات طويلة، والتطوّع لأوقاتٍ قصيرة، والتطوّع في الشركات والدّوائر الحكوميّة، والتطوّع في مبادرات خدمة المجتمع المدني، هذا بخلاف التطوع العام في الشوارع والميادين بمحض إرادة الإنسان، على أن يفهمَ المُتطوّعُ دورِهُ جيّداً في “العمل التطوّعي” من خلال معرفة الحقوق الخاصّة به ضمن نطاقِ العمل قبل الانضمامِ إلى أيّ نوعٍ من أنواع الأعمال التطوعيّة للحرصُ على الالتزامِ الكامل بطبيعةِ العمل وتحقيق نتائج إيجابية، وتخصيصُ جُزءٍ من الوقت للقيام فيه، وبالتالي سيساهم “العمل التطوعي” في تهذيب شخصيّة الأفراد المُتطوّعين وتعديل السلوكيّات الخاطئة، وتعزيزُ الشّعور بالرّضا عن النّفس، وتخفيف انتشار العدائيّة بين أفراد المجتمع، وتعزيز مفهوم العطاء في المجتمع بدون مقابل في أسمى صوره.