دردشة ،،،
التربية قبل التعليم ..
بقلم / أحمد عبد الحليم
من المؤكد أن تربية الأطفال صعبة، خاصة عند توجيه النصيحة لهم، فدائماً ما يكون الطفل معانداً لأنه بطبيعته فضولي يريد أن يتعـرف على الأشياء، ولكن كيف نحتويهم؟ وكيف نتعامل معهم لكي يستجيبوا لنا؟.
لابد أن نعي أولاً أن المسألة ليست محصورة في الطفل إنما يجب أن يكون للكبير دور في احتضان الصغير لكي يجعل طفله يستجيب لكلامه وتوجيهاته، فلم تتم المهمة بنجاح إلا بالترابط والانسجام بين الطرفين وتعزيز العلاقة بأسلوب التشجيع والترغيب، بالمكافأة والبُعـد عن أسلوب العقاب والتهديد والقسوة، فعلى سبيل المثال وليس الحصر، إذا حاول الطفل الإمساك بكوب زجاجي للتعرف عليه لا يجوز أن نرعبه برفع الصوت أو نعاقبه بالضرب حتى لا يصيبه الأذى من كسره فمن المؤكد أنه سيترك الجميع وقت النوم ويثأر من هذا الكوب الذي تسبب في عقابه .. والمفروض حينما يريد الطفل التعرف على أي شيء أن نقوم بالتوضيح والشرح لأهمية هذا الكوب وأن له فائدة وأننا نشرب فيه ولولا وجوده ما إستطعنا الشرب إلا في يدنا أو من الصنبور مباشرة وإذا وقع على الأرض يكسر وسوف نخسره وممكن أن يجرح أيدينا، وفي ذلك :
قوله تعالى .. بسم الله الرحمن الرحيم ( وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) صدق الله العظيم
أما إذا كان الطفل معانداً، فهناك نصائح تساعد الوالدين، لعدوله عن هذا العناد والإستجابة لكل توجيه، فلابد أن نعرف أن الطفل العنيد هو نتيجة تربية سلبية غير سوية، فيجب الحذر أثناء تربية الطفل أن تستجيب لكل أوامره بعد الصراخ والبكاء، فلا تستجيب له واتركه حتى يتخلص من هذه العادة، وإذا زاد الطفل في العناد لا يمنع عنه المصروف حتى لا يلجأ إلي السرقة أو أخذ ما يريده بدون علم أهله، بل يحرم من الأشياء المحببة إليه كلعبة يحبها، أو طفل محبب إليه يريد اللعب معه من أولاد الجيران أو ما شابه ذلك، ويجب الحذر من مخالطته لأطفال معاندين حتى لا يقلدهم وعلينا باختيار أفضل الأطفال للعب معه، واترك له مساحة للتعبير عن رأيه ومناقشته، ومساحة من الاختيار حتى يصبح له رأي وشخصية مستقلة وأن يكون لديه ثقة بنفسه لكي يستطيع أن يتخلص من مسألة العند تدريجيًا، لا تكن له نداً في العناد، بل أعطي له أسباب لرفضك لأي شيء حتى يقتنع بأنك لست معانداً لمجرد العناد بل أنك تحبه وتريد أن تدله على الطريق السليم.
عادة ما يقتضي الأمر لاستخدام أساليب معينة مع الطفل حتى يستجيب ومن أفضل هذه الأساليب أسلوب التورية، بأن تمدح أحد أطفال المعارف أو الجيران بتفوقه الدراسي وإنه شاطر، أو تميزه في مسابقةٍ ما أو إنه يستجيب لكلام والديه وهكذا .. وبالتالي ستجد طفلك ينتبه لما تقوله ويحاول أن يحظى بهذا المديح على نفسه وسيقوم بفعل كل ما يجعله مثل هذا الطفل المتميز.
بطبيعة الحال الحب يلين الحجر فإذا أظهرت حبك للطفل وتأكد من حنانك وحبك سيستجيب لكل ما ترديه منه، ولا تنسى الأحضان والقبلات والمشاكسة اللطيفة له ليتأكد من حبك الصادق وأنه بدون مقابل، وتجنب القسوة والعقاب لعدم إضعاف ثقته بنفسه.
لا يكون للعمل فائدة بدون تحمل للمسئولية، وكذلك الطفل يجب أن يعتاد على تحمل المسئولية منذ الصغر، فإذا ألقى طفلك لعبته فكسَرَها، فأكد له إنها لن تعود إليه ليلعب بها، لكي يحافظ على ألعابه في المستقبل ولا تسرع بشراء غيرها حتى لا تراه باكياً.. ولكن أترك فترة لكي يتأكد إنه أخطأ وكسر اللعبة، كما يجب أن يرشد استهلاكه في جميع الأشياء بالاعتدال وأن يبعد عن التبذير والبذخ والإسراف في طعامه وشرابه.
وهناك أمر ضروري يجب أن تستخدمه مع الطفل لكي يتعود عليه أثناء التعبير عن شعوره والسماع إليه والتحدث معه واستحسان رأيه بعد سماعه إذا كان صحيح، فهذا يشجعه على التواصل مع الأخرين بالحوار الجاد السليم والجرأة في التعامل وعدم الإنطواء على نفسه أو الخوف من إبدأ الرأي، حتى يكون فرداً إجتماعياً متفاعلاً مع الناس في المستقبل، ويزيد من ثقته بنفسه.
من جهة أخرى أن النقد المستمر لا يفيد ولكن التحفيز يثمر الإيجابيات، وعليه انتقد سلوك طفلك ولا تنتقده، فبدلاً من أن تقول “أنت طفل سيئ”، قل “لا تخرج إلى الشارع”، “اللعب المستمر يضيع الوقت” حيث أن التحفيز والتشجيع وتقديم الإعجاب لهم عند التفوق الدراسي أو التميز، أو عند قيامهم بسلوك سليم سيكون له الأثر الإيجابي على تربيتهم بطريقة سليمة.
لكل إنسان مَثل أعلى وقدوة يحتذى بها، فكُنْ قدوة حسنة صالحة لأبنائك، فعادة ما يقلد الإبن أبويه، سواء في السلوك الخاطئ أو في السلوك الصحيح، فأي الأمرين تختار؟.. بالطبع إتباع السلوكيات الإيجابية الصحيحة أمام الأبناء أفضل وسيطرح للأبوين ثمرة ناجحة إيجابية يفتخر بها الوالدين في المستقبل.
من هنا يجب أن تلتزم الأسرة بكل ما ذكر في تربية أبنائها، بما يندرج تحت القيم والأخلاق الأصلية من المدخرات التي ورثناها من أجدادنا العظماء أصحاب الحضارة “قدماء المصريين” بجينات أصيلة لكي يحقق التربية الصحيحة لجيل المستقبل، حيث أن التربية أمر ضروري قبل التعليم، فيجب الحرص عليها أولاً، ويـأتي دور المدرسة لكي تكون منارة للأبناء والجيل القادم في غرس القيم الإنسانية النبيلة أكثر من اهتمامها بتجديد المناهج وابتكار الاستراتيجيات التعليمية، فما أهمية التعليم إن لم يُحصّن الأخلاق ويقوي منظومة القيم؟! فمن المعروف أن المنوال الأساسي هو تفضيل التربية على التعليم، فلابد أن تكون التربية أولاً ويأتي دور التعليم بمخرجاته في الممارسات الإيجابية، بالانضباط وتحمّل المسؤولية، والانتماء والولاء، والمشاركة الإيجابية، والقدرة على ممارسة الحوار الهادف الإيجابي، إضافة إلى تعلم ما جاء بالمناهج الدراسية وإستيعابها بطرق سليمة للوصول إلى التخصص المأمول لكل فرد بمبدأ العمل على بناء الإنسان بشكل ينفع نفسه ووطنه، وخروج جيل واعد في المستقبل لتحقيق التنمية المستدامة للبلاد في شتى المجالات.