صانع الشموع وصانع القبعات
بقلم / سلوى مرجان
كنا فقراء للحد الذي جعل أمي تبيعني لرجل عجوز كي أعمل خادمة لديه، كان الرجل يعمل في صناعة الشموع و يسكن تحت الأرض بمسافة هائلة بحيث لا يرى الشمس أبداً، وكان بيته شديد الرطوبة؛ فقد كان يقول أن الشمس هي عدوته، فمن كان عدوا لصناعته فهو عدوه، فطالما كانت الشمس ساطعة فلا حاجة للناس في شموعه. كان العجوز يحيا في ظلام دامس ويصنع شموعه على ضوء الشموع، كان أحدبا، ضعيف النظر، سيء السلوك، وسليط اللسان.
عندما عملت لديه لم أكن قد تجاوزت العشرة أعوام، منعني من الخروج لضوء الشمس، فلا أراها إلا مرة واحدة بالشهر عندما أذهب لزيارة أهلي، كانت هذه هي المرة الوحيدة التي أرى فيها الشمس وأستمع إلى غناء العنادل، بتبتة الحسون، وزقزقة الكناري. هي المرة الوحيدة التي ألمس فيها الزنابق، وأرى جمال الجاردينيا والليلك، وأشم عطر الياسمين والسوسنة.
بقيت لديه ثمانية أعوام حتى صرت شابة، كنت أكبر ويكبر حبي للطبيعة والحياة، لدرجة أني بدأت أخدعه لأخرج وأرى الشمس دون علمه. وذات يوم كنت أجلس تحت شجرة القيقب الحمراء أستمع لصوت الريح وهي تتخلل أوراق الشجر فيحدث صفيرا يغري القلب، في ذلك اليوم قابلت شابا موفور الصحة، منتصب القامة، تكتسي وجنتاه بالحمرة. كان يحمل على ظهره كثيرا من القبعات ذات الألوان الزاهية.
كان محبا للطبيعة والشمس، وهو يرى أن الطبيعة صديقة مهنته، فلولا الشمس ما ارتدت الناس القبعات ولولا الأمطار أيضا ما ارتدت الناس القبعات. كان يسافر إلى أماكن كثيرة ويجوب البلاد البعيدة بحثا عن السعادة.
وفي يوم من الأيام أخبرتني أمي أن العجوز صانع الشموع طلب للزواج مني، وأنه يتوجب علي أن أعد نفسي لأبقى معه إلى الأبد تحت الارض كزوجة مطيعة ليربوع أجرب.
لم أكن أريد هذا الزواج، خاصة بعدما قابلت صانع القبعات وأحببت حياته، لكنني لا أستطيع عصيان أوامر أمي. فأعددت حقيبتي وتوجهت إلى بيت صانع الشموع، وفي طريقي قابلت صانع القبعات وسألني عن سبب حزني فأخبرته بالأمر، فعرض علي الزواج وقال أنه سيوفر لي بيتا جميلاً تزوره الطيور كل صباح ويزينه شعاع القمر في المساء. فأخبرته أني أحب هذه الحياة لكن يتوجب علي طاعة أمي.
لكني بعدما نزلت لصانع الشموع أخبرته أن أمي ترغب أن أتزوجه، ولكني لا أحبه، فأخبرني أن علي طاعة أمي.
فتزوجته… ومات بعدها بليلتين، فورثت كل ثروته وتزوجت صانع القبعات.
طاعة الأم