إذا كنا في الجزء السابق قد أمطنا اللثام عن مجموعة من التحولات الجدرية التي عرفتها السينما المغربية، في علاقة المخرج بالمتلقي، و اعتبرت تلك المرحلة مرحلة بداية التصالح مع الجمهور، و تميزت بسنما الشجاعة المبنية على تحريك الجسد الأنثوي كماذة تقبل الإشتغال عليها دون قيد، فإننا سنكشف تحولات أخرى للسينما، مما جعل الإنتاجات السينمائية المغربية قابلة للإستهلاك.
وعلى نفس النهج الذي سلكه المخرج عبد القادر لقطع في فيلمه “حب في الدار البيضاء”، قدم لنا الجيلالي فرحاتي فيلمه “شاطئ الأطفال الضائعين” (1991)، وهو الفلم الذي راهن هو الآخر على لغة الجسد و المكبوث، و على لغة بصرية تستفيد من التشكيل و المسرح، و على محاولة طرق الهامشي و المتكلس في الثقافة و المجتمع.
ومن الأفلام التي نجحت في استقطاب الجمهور في مرحلة التسعينات، كما حظيت بمتابعة نقدية و إعلامية كبيرة، فلا يمكننا أن نتجاهل فيلم “عرس الآخرين” لحسن بنجلون (1990)، وفيلم “المطرقة و السندان” لحكيم النوري(1990)، وفيلم “أيام من حياة عادية” لسعد الشرايبي (1991)، وفيلم “فرسان المجد” لسهيل بن بركة(1993)، وفيلم “علي زاوا” لنبيل عيوش (1999)…
غير أن الفيلم الذي يوازي النجاح الذي عرفه فيلم “حب في الدار البيضاء” يبقى هو فيلم “البحث عن زوج لامرأتي” لمحمد عبد الرحمان التازي (1993)، حيث ركّز المخرج على نجومية بعض الأسماء، ومن بينها إسم منى فتو الذي أبرزته تجربته لقطع الأولى أساسا، و على بعض المفارقات الساخرة ليقتحم فئة من جمهور السينما بالمغرب، وهذا ما تحقق له، ولبعض التجارب الأخرى التي ركزت على أشياء متشابهة لإخراج الجمهور إلى قاعات السينما ولدفعه إلى متابعة المنتوج السينمائي المغربي.
ولعلّ من أبرز الدعائم التي إستعملها التازي في ردم الهوة بينه و بين الجمهور هو تركيزه على تمثيلية اللغة”، أي تلك اللغة المستلهمة من الفضاء الذي تتحرك فيه الشخصيات (أزقة مدينة فاس و حواريها)، لغة خفيفة ورزينة وحقيقية، بدلا من تلك اللغات التي تبعث أصواتا متنافرة ومتقاطعة وركيكة، وقد استطاعت لغة الحوار الذي كتبه المسرحي و الزجال أحمد الطيب لعلج أن تمنح لهذا الفيلم قوة بلاغية لافتة للإنتباه، كما ساهمت، في حينه، في إثارة التمثيلية في السينما المغربية، و أيضا في مختلف أشكال الإبداع الأخرى.
لقد أدرك السينمائيون خلال هذه المرحلة أن “سينما الوعي بالدات” هي السبيل لتقويض “نمودج العرض القائم”، وعليها تتأسس قيمة الوعي بالحاجة إلى السينما الوطنية الفاعلة، إنطلاقا من اعتبار هذا الوعي يستحضر داخله تصورات وعلاقات، وهذا معناه أن صيغة التجاوز لايمكنها أن تتأسس سوى في اتجاه بناء جسر بين الإنتاج السينمائي المغربي وبين جمهوره، على قاعدة اللغة السينمائية الرزينة، وعلى أساس التمثيلية المصورة، وعلى أساس الإبتعاد عن النزعة الموسومة بنوع من الترميز والتوهيم خوفا من الوقوع في هاوية المنع والتحريم.