تراجع في مؤشرات الثقة الإقتصادية بحسب إستطلاع الاقتصاد العالمي من جمعية المحاسبين القانونيين المعتمدين ومعهد المحاسبين الإداريين للربع الثاني من ٢٠٢٠
كتب/ هاني سيد
يبدو أن النمو الاقتصادي الضعيف في جميع أنحاء العالم سيستمر لبقية عام 2022 وذلك وفقاً لآخر استطلاع للظروف الاقتصادية العالمية (GECS) أجرته جمعية المحاسبين القانونيين المعتمدين ومعهد المحاسبين الإداريين. ويشير التقرير الجديد إلى أن الثقة الاقتصادية بين الخبراء الماليين والمحاسبين في أمريكا الشمالية قد تراجعت إلى المستويات التي شوهدت خلال ذروة جائحة كوفيد-19 في عام 2020. وانخفضت الثقة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ (20-) وجنوب آسيا (30-)، بعد أن سجلت ارتفاعاً في الاستطلاع السابق.
أشار استطلاع الظروف الاقتصادية العالمية للربع الثاني -الذي أجري في منتصف شهر يونيو- إلى تدهور واضح في التوقعات الاقتصادية العالمية، فقد تراجعت جميع المؤشرات العالمية الرئيسية في استطلاع الربع الثاني متأثرة بالقضايا الجيوسياسية والارتفاع المفاجئ في التضخم في معظم أنحاء العالم. ويعتبر هذا الانخفاض في الثقة العالمية حاداً جداً برغم أن مستوى الثقة لا يزال أعلى من الانخفاض الذي حدث في ذروة جائحة كوفيد-19. أما المؤشرات المتعلقة بالنشاط الاقتصادي كالطلب والتوظيف والإنفاق الرأسمالي، فقد تراجعت هي الأخرى في الربع الثاني ولكن بشكل أقل من تراجع الثقة. وما يمكننا استخلاصه من هذا الاستطلاع للظروف الاقتصادية العالمية هو أنه من بين تبعات الركود الاقتصادي التي تلوح في الأفق فإن استمرار ضعف النمو لبقية هذا العام هو النتيجة الأكثر احتمالاً.
والملفت أن التقرير كشف أيضاً أن مؤشرات الطلب في الربع الثاني أظهرت تبايناً عبر المناطق أكبر من مؤشرات الثقة، إذ تمّ تسجيل أكبر تراجع في الطلب في كل من أمريكا الشمالية وأوروبا الغربية، وهما منطقتان شهدتا ارتفاعاً كبيراً في التضخم وتقلّصاً حاداً في الدخل الحقيقي. وكشف التقرير كذلك عن زيادات طفيفة في الطلب في كل من أفريقيا ومنطقة آسيا-المحيط الهادئ قد تُعزى إلى تخفيف القيود المفروضة بسبب الجائحة. ولم يتغير مؤشرا “الخوف” – الخوف من احتمال توقف العملاء عن العمل والخوف من احتمال توقف الموردين عن العمل – إلا قليلاً في استطلاع الربع الثاني إذ ارتفع كلاهما بشكل طفيف. وقد تراجع كلا المؤشرين عن المستويات القصوى التي شهدناها في عام 2020 ولكنهما لا يزالان أعلى من مستويات ما قبل الجائحة.
حتى مع ارتفاع المخاطر، فإن المؤشرات تبشّر بتجنّب الركود العالمي. وحتى في ظلّ هذه التوقعات السوداوية، فإن تراجع الثقة أكبر بكثير من تراجع الطلب المُشار إليه في الاستطلاع، فعلى أرض الواقع، يسجل مؤشر الطلب – وهو مؤشر رئيسي للنشاط الاقتصادي – مستويات أعلى من متوسطه على المدى الطويل، كما أن مؤشر التوظيف أعلى بكثير من متوسطه على المدى الطويل حتى مع انخفاضه في الربع الثاني. ثم إن أسواق الوظائف ضيقة، والعمالة آخذة في الارتفاع في العديد من الاقتصادات، وهذا يوفر بعض التعويض لآثار ارتفاع التضخم على الدخل الحقيقي.
ومع ذلك، فمع التراجع الحاد في الثقة لدى الخبراء الماليين، لا يزال المستوى العالمي للثقة أعلى من التراجع الذي تم تسجيله خلال ذروة جائحة كوفيد-19.
لقد شهد الشرق الأوسط في الربع الثاني انخفاضاً في الثقة وفي مؤشرات الطلب. وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن هذا الأداء كان هو الأقوى على مستوى المنطقة في الاستطلاع السابق فسنشعر بالرضا عن هذه المؤشرات الرئيسية. وقد أظهر استطلاع الربع الثاني اعتماد المنطقة على روسيا وأوكرانيا لاستيراد القمح والسلع غير النفطية الأخرى. وكانت أسعار النفط التي ارتفعت بفعل الصراع الروسي الأوكراني مستقرة نسبياً عند مستوى مرتفع خلال الربع الثاني، ولكن هذا لم يكن كافٍ للتغلب على العوامل الأخرى.
وبالإشارة إلى ما يعتبرونه على رأس قائمة المخاوف منذ استطلاع الربع الأول، فقد استبدل الخبراء الماليون قلقهم إزاء تبعات جائحة كوفيد-19 بالقلق من التضخم وارتفاع أسعار الفائدة. ويُشار إلى أن هذا الاستطلاع هو الثالث على التوالي الذي لا تزال تتصدر فيه مشاكل نقص الإمدادات والتحديات التي تواجهها سلاسل الإمداد قائمة المخاوف. ونأمل أن تتضاءل أهمية هذه المشاكل مع مرور الوقت خلال عام 2022.
وفي هذا السياق، قال جايمي ليون، رئيس قسم المهارات والقطاعات والتكنولوجيا في جمعية المحاسبين القانونيين المعتمدين: “لقد أسفرت مرحلة التعافي بعد الجائحة عن نتائج سلبية من ناحية بطء وتيرة النمو الاقتصادي والتضخم المرتفع وحالة شديدة من عدم اليقين. وقد ساهمت الحرب في أوكرانيا بزيادة التضخم لما تسببت به من رفع لأسعار السلع الاستهلاكية. ولكن التضخم كان مرتفعاً في السابق وكان في ازدياد قبل بدء الحرب في فبراير، إذ أن ازدياد الطلب المفاجئ مصحوباً بالاستجابة النقدية والمالية الهائلة لمكافحة الجائحة قوبل بنقص الإمدادات اللازمة، مما أدى إلى زيادة في ضغوط الأسعار”.
من جانبها، قالت لوريال جايلز، نائب رئيس البحوث والريادة الفكرية في معهد المحاسبين الإداريين: “يؤدي التضخم المرتفع إلى انخفاض قيمة الدخل المتاح الحقيقي، مما أدى إلى ضغط هبوطي على الطلب لدى الأفراد، وخاصة فيما يتعلق بالمنتجات الاستهلاكية للعائلة. وفي ضوء الازدياد المتسارع لأسعار كل من المواد الغذائية ومصادر الطاقة، فإن هذا يفاقم من أزمة تكلفة المعيشة على الأسر ذات الدخل المنخفض في دول الاقتصادات المتقدمة وعبر جميع البلدان منخفضة إلى متوسطة الدخل تقريباً، إذ تشكل هاتان الفئتان نسباً عالية من الإنفاق”.
واختتم ليون بقوله: “لقد زادت مخاطر الركود العالمي، ولكن تشير توقعاتنا إلى أن نتائج النمو ستكون إيجابية وإن كانت تسير ببطء إلى حد ما. فضلاً عن أن النمو في العمالة قد يسهم في دعم إجمالي الاستهلاك. وباستثناء الركود الاقتصادي العالمي الذي شهدناه عام 2020 بسبب جائحة كوفيد-19، تشير التوقعات أن نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي هذا العام والعام المقبل سيكون الأضعف منذ الأزمة المالية العالمية في 2007-2009.