بقلم / أحمد عبد الحليم
منذ بداية الخليقة كان الإنسان يتعامل بلغة الإشارة وبعض الإيماءات وأصوات تعودوا عليها تدل على طلب أفعال معينة، وكان لها الأهمية وقتها في التخاطب والتعامل بين الأشخاص، وبعد اكتشاف الإنسان لطريقة التعامل باللغة أصبح التعامل بالكلام باللفظ المفيد من الاسم والفعل والحرف لتكوين جملة مفيدة، والإبداع في التعبير بالكلام وتأليف القصص ودواوين الشعر بالوزن والقافية بصور البلاغة المختلفة، وأصبح الأعراب في اللغة العربية يفيد في توضيح المعاني، لكي يصل الكلام إلى السامع بشكل مفهوم ومستحسن، من ذلك نفهم أن الكلام مهم ولكن مع لغة الجسد يزيد الإيضاح والفهم لما يصدر من الإنسان من حركات وإيماءات سواء كانت لا إرادية أو إرادية، حيث أنه أثناء تحدث الفرد تظهر تعبيرات الوجه والعينين وحركات اليدين أو تقدمه بخطوة إلى الأمام أو الرجوع للخلف وغيرها، مما تدل على معاني نفسية يشعر بها المتلقي، كما إنها بمثابة أسلوب لتوصيل معلومة إلى الطرف الآخر، وتكشف ما بداخل الإنسان وربما تكون فاضحة لبعض المشاعر المخفية أو تدل على ومدى أصالة وتربية الإنسان على الخلق الحميدة، وفي هذا المقال سنتعرف على أهمية لغة الجسد التي تمكننا من التعامل مع الأفراد ومعرفة ما بداخلهم تجاه الآخر.
ترصد علم النفس للغة الجسد التي تصدر عن الإنسان للتنبؤ بما يخفيه الإنسان من مشاعر وحقائق حول أمر ما، وكذلك الأمر بالنسبة للتنبؤ بما سيقوم به الإنسان ومستقبل سلوكه تمهيداً لضبط هذا السلوك وإحكام السيطرة عليه ومنعه من الخروج عن المألوف.
على وجه العموم من الكلام والحديث ما هو جيد ومستساغ ومنه غير المستحسن، وهذا يتوقف على ما تعلمه وتربى عليه الفرد في حياته وبيئته، وتتفاوت استخدامات لغة الجسد من حيث الإرادة، فقد تكون إرادية أو لا إرادية، ورغم إن لغة الجسد كانت في القديم يتعاملون بها، وبعد تطور الحياة بوجود لغة للتفاهم، إلا أن لغة الجسد باقية مع التحدث بأي لغة لكي تعبر عن ما بداخل الإنسان من شعور للآخرين، ومعرفة ما بداخله والفهم السليم للسلوك الإنساني وإيجاد التفسيرات الصحيحة والملائمة لها.
وعلى سبيل المثال وليس الحصر أن الابتسامة لأي إنسان هل هي إرادية وطبيعية؟ أم لاإرادية؟ .. غالباً ما يتوقف هذا الأمر على نظرة عين الإنسان فإذا كانت الابتسامة صادقة نرى العيون تبتسم وبها سعادة واضحة لانها نابعة من القلب وتدخل القلوب، أما إذا كانت مُفتعلة فلا نرى في العينين ما يوحي بالسعادة بل تكون ابتسامة زائفة، وفي حالة إذا نظر الفرد لأي إنسان في عينه ودقق النظر بحدة وسأله سؤالاً، فإذا رأينا تصرف الطرف الأخر بغض النظر فنتأكد إنه يتهرب من الإجابة على السؤال أو يكذب، أما إذا أمعن النظر فمن المؤكد إنه صادق وسيجيب على السؤال بالحقيقة، كما أن الشخص المتفائل نرى في وجهه السماحة والرضا بالمقسوم ومتحلي بكل الخصال التي تندرج تحت معنى التفاؤل والخير.
كما نجد المعلم يستخدم لغة الجسد لتوصيل المعلومة للطلاب، وكذلك الطبيب له لغة للجسد لإقناع المريض بأن حالته الصحية سوف تتحسن إذا اتبع طرق العلاج، وينطبق ذلك على كل أصحاب المهن من يؤمنون برسالتهم ويريدون توصيل المعلومة بالتحدث مع لغة الجسد.
ومن المؤكد أن بعض التصرفات التي قد تفسر بها نفسية أو ما يشعر به الفرد الذي أمامك، مثل ما أن يكون الإنسان شاعراً بالملل في حال كان جالساً ويضع رجلاً فوق رجل مع تحريكهما بشكل مستمر ويكون ذلك نتيجة للتفكير في شيء ما يشغله أو نوع من التوتر، كما أن الشخص غير الواثق في نفسه يربط ذراعيه فوق صدره دليلاً على عدم ثقته في نفسه، أو ربما ينتظرك أن ينتهي الآخر من كلامه أو يعترض على الحديث، وأيضاً إذا كان الإنسان في حالة تمعن وتأمل يضع يده على خده، وهناك حالة انتظار إذا كان يفرك يديه أو يتثاءب، فإنه يعطي إشارة للمستمع بأنه يريد أن ينهي النقاش أو الكلام، كل ذلك وأكثر بالعديد من حركات لغة الجسد التي تدل على مفاهيم المتحدث، فلابد أن نعرفها حتى نستطيع التعامل مع أفراد المجتمع بشكل أفضل.
هذا بخلاف نوع خاص من الأفراد في أشد الحاجة للتعامل بلغة الجسد، لانها تُعد من أكثر اللغات التي لها فائدة كبيرة للتعامل معهم وهم ضعاف السمع أو من يعانون من إعاقة تحول بينهم وبين سماع الأصوات أو استيعابها، فلابد من التركيز على ردود فعل الأفراد وما يبدر منهم من إيماءات أيضاً.
مجملاً نريد أن نوضح كيفية التعامل مع الناس من خلال فهم ما بداخلهم من مشاعر أو أحاسيس، من خلال الكلام ولغة الجسد معاً، وقد تتفاوت درجة هذا الفهم بين شخص وأخر سواء المتكلم أو المتلقي، ولكن أمر ضروري أن نتعرف عن ما بداخل الآخر حتى نستطيع التعامل معه، وذلك من حيث أنه من “تعلَّم لُغة قوم أمِن مكرهم”، أو استحسن الخير فيهم، ، والشرع أيضاً أمرنا بأن نخاطب الناس على قدر عقولهم، وكما قال “سقراط”.. “تكلم حتى آراك” دليلاً على أهمية الكلمة وقوتها، من الممكن أن تختبئ خلف كلماتك وتحت لغتك وحديثك وهذا يُعد جواز سفر لمرورك الأول لتحلق في الحياة وصولاً لقلوب الآخرين، فلابد أن نعي الكلام المقترن بلغة الجسد حتى نستطيع أن نفهم الآخر بشكل سليم ونحدد سلوكه وكيفية التعامل معه، حيث تعتبر لغة الجسد مفتاحاً للشخصية ومرآة لها تكشف ما تخفيه من حقائق داخل العقل البشري.