بقلم / أحمد عبد الحليم
بطبيعة الحال أن أي ظاهرة سلبية تهبط علينا، لابد أن تكون في موضع اهتمام بنوع من التوعية لعل وعسى أن يتم القضاء عليها أو الحد منها، وهذا واجب على كل وطني لديه إنتماء لبلده، ومن هذه الظواهر ظاهرة التنمر وله أنواعه المتعددة “التنمر اللفظي، الجسدي، الجنسي، والعنصري”، ومن ضمن هذه الأنواع “التنمر الالكتروني” على مواقع التواصل الاجتماعي وشبكة الإنترنت، وهذا النوع من أخطر الأنواع لأن التعامل فيه يكون مع المجهول الذي لا نعرفه من خلال الإنترنت، وربما يكون يعرفنا ويقوم بهذا الفعل بغرض الانتقام أو النيل من المستهدفين، وفي سطور هذا المقال سنتعرف على هذا النوع من التنمر، وأسبابه، وطرق علاجه وتجنب الوقوع فيه، بنشر الوعي والتثقيف لأفراد المجتمع لتفادي هذا الخطر أثناء التعامل مع الآخرين على شبكة المعلومات.
في البدايةً يجب التنويه على أن ظاهرة التنمر الالكتروني تشكل خطراً كبيراً على أفراد المجتمع، وذلك من حيث أنها ظاهرة رائجة بشكل كبير في الوقت الراهن خاصة مع الشباب، حيث يلجأ البعض إليها بسبب قلة وعيهم وتربيتهم الأسرية وعدم درايتهم بثقافة التعامل اللائق بالأخلاق والقيم الأصيلة، وربما تكون نابعة من أصحاب العُقد النفسية بعد وقوع التنمر عليهم، بغرض التأثير على الآخرين بممارسة التنمر عليهم إما بالتعليق بعلامات أو إشارات وتلميحات ساخرة أو بالاعتداء الكلامي، مما يؤدي إلى تسبب الإيذاء للغير بدون مبرر، فلابد من التوعية لكلا الطرفين المتنمر والمنتمر عليه، لكي يسود الترابط والألفة والمودة بين أفراد المجتمع.
ورد في القرآن الكريم ما ينهي المسلمين عن السخرية من البعض، وكذلك عن التنمر على الآخرين، بسم الله الرحمن الرحيم قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ ۖ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ۖ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ۚ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}، صدق الله العظيم. ( الحجرات الآية 11)
وفي الحديث الشريف، روى عبد الله بن عمرو رضي الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: “المُسْلِمُ مَن سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِن لِسانِهِ ويَدِهِ، والمُهاجِرُ مَن هَجَرَ ما نَهَى اللَّهُ عنْه”.
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: “ما من شيءٍ أثقلُ في ميزانِ المؤمنِ يومَ القيامةِ من خُلقٍ حسنٍ وإنَّ اللهَ يُبغضُ الفاحشَ البذيءَ” (أخرجه أبو داود، وأحمد مختصراً، والترمذي باختلاف يسير).
بلا شك إن التنمر الإلكتروني يُعد إيذاء مُتعمد، من خلال نشاط يحدث على الأجهزة الرقميّة مثل الأجهزة اللوحية والهواتف المحمولة وأجهزة الكمبيوتر، وذلك عن طريق إرسال رسائل على البريد الإلكتروني أو على وسائل التواصل الاجتماعي أو عبر الألعاب والتطبيقات من خلال شبكة الإنترنت، ويشمل عدّة أمور قد تُسبب الضرر لبعض الأشخاص المسالمين بمشاركة معلومات شخصيّة محرجة، بهدف الإزعاج أو بث الخوف في نفس الشخص المستهدف، أو واستفزازه أو تشويه سمعته، أو التنزيل من شأنه أمام الآخرين، وهو سلوك عدواني خاطئ بقصد إلحاق الأذى والإضرار بمشاعر ومعنويات الآخرين.
من المؤكد أنّ التنمّر آفة ضارة تخلف للمجتمع إنساناً عدوانياً، قد يتحول مع المستقبل إلى مجرم، وأول ما يصيب ضحية التنمر هو شعوره بالتّوتر والخوف، ومن ثم يتحولان لديه إلى العزلة والعدوانية، وبعدها إلى حالة من الإكتئاب والذي قد يقوده إلى الانتحار لا قدر الله، وعند حدوث التنمر الإلكتروني، قد يشعر الإنسان كما لو أنه عُرضًة للهجوم في كل مكان، حتى داخل منزله، وقد تستمر هذه التأثيرات مع الشخص المستهدف، وربما تؤثر عليه عقليًا بالشعور بالضيق والحرج والغضب، والشعور بالخجل وفقدان الاهتمام بالأشياء التي تحبها، والشعور بالأرق، أو المُعاناة من أعراض مثل آلام المعدة والصداع، وقد يؤدي ذلك إلى امتناع الأشخاص عن التعامل مع المشاكل أو التحدث في أي حوار للنقاش، كما أنها قد تؤدي إلى الشعور بتدني احترام الذات والتعرض للمشاكل الصحية والتأثيرات السلبية.
تندرج أنواع التنمر الالكتروني في عدّة تصرفات، فلم نكن على علم بها ولكنها تعتبر تنمرًا، مثل الاستبعاد والاستثناء في جروبات التواصل الاجتماعي أو عدم دعوة شخص عمدًا للمشاركة وتركه بهدف التجاهل، وكذلك التحرش بإرسال رسائل تهديد باستمرار تؤذي الشخص المستهدف عمدًا لإلحاق الضرر به، علاوة على الخداع بمحاولة كسب المتنمر لثقة الشخص المتنمر عليه وإيهامه وإشعاره بالثقة للحصول على أسراره ومعلوماته ثم فضحه بنشرها على العام، وهناك أنواع أخرى للتنمر الالكتروني، مثل انتحال الشخصية، والإهانات، وكشف أسرار المتنمر عليه، وملاحقة المتنمر أيضاً للشخص المستهدف عبر الإنترنت وإرسال تهديدات واتهامات باطلة وقد تصل إلى متابعته وإلحاق الأذى الجسدي به بشكل مباشر، وهذا النوع يُعدّ جريمة جنائية تؤدي إلى تقييد ومراقبة المتنمر وقد تصل إلى سجنه‘ إضافة إلى التنكّر بأن يُنشأ المتنمر حساب باسم وهمي بقصد إخفاء هويته الحقيقية للتنمر على شخص ما عبر الإنترنت، وعادةً ما يكون المتنمر عليه يعرف الشخص المتنمر معرفة شخصية، وكذلك التصيّد بنشر تعليقات مُزعجة أو شتائم للآخرين بشكلٍ متعمّد عبر الإنترنت بقصد الإضرار بهم واستفزازهم.
لا ننكر أن التنمّر الإلكتروني أصبح من التحديات التي ظهرت حديثاً، وأثّرت على المجتمع خاصةً بعد تطور العصر الرقمي، وتحتاج إلى يقظة مستمرة فلابد من رفع حالة الوعي لدى المجتمع للحد من نزيف التنمر الذي يؤثر بالسلب على الضحايا، علماً بأن هذا التنمر يُعد جريمة يعاقب عليها القانون، حال سعى المتنمر إلى التحرش ومضايقة الضحية، وعقوبة هذا الجرم هو السجن لمدة 6 أشهر أو دفع غرامة مالية أو كلاهما.
ومن أهم الحلول التي ننصح بها أفراد المجتمع لتفادي الوقوع في خطر التنمر الألكتروني، ألّا يلوم الضحية نفسه بسبب تعرّضه للتنمر بشكلٍ متكرر، وأنْ يعلم بأنّه ليس خطأه، وألّا يرد الضحية على المتنمر؛ إذّ إنّ الرد يُشعره بالقوة والتمكّن، وإنّما يجب أن يُحاول سحب نفسه من الموقف سريعاً، والتحفظ على دليل يُثبت تعرضه للتنمر بأخذ لقطة شاشة وحفظها، ويُمكن الاستعانة بشخص أو صديق آخر يثق فيه لكي يُساعده على حل الأمر، وحظر الأشخاص المتنمرين على الإنترنت، كما يُمكن الإبلاغ عنهم للتخلّص من مضايقاتهم، أمّا في حالة ما إذا كانت التهديدات تتعلّق بالتسبب بإيذاء جسدي فيجب في هذه الحالة الاتصال بالشرطة.
كما يمكن مكافحة التنمر الالكتروني باستخدام التكنولوجيا لمنع الأشخاص من التعرض للتنمر، بأن يتم تفعيل تقنية الذكاء الاصطناعي لتصفية تعليقات التنمر التي تهدف إلى المضايقة أو الإزعاج وإخفاءها تلقائياً، وذلك حتى نأمن شر المتنمر وصولاً إلى أفضل الطرق للتعامل معه، وأن يكون الفرد آمناً خلال تواجده على وسائل التواصل الاجتماعي بدون أي منغصات.