بقلم / أحمد عبد الحليم
بلا شك أن السلوكيات الخاطئة مرفوضة في كل مجتمع، وقد تكون مُحرمة وممنوعة في الشرائع السماوية، ورغم ذلك إلا أن البعض يتعمد فعلها بدون مبرر، ومن هذه السلوكيات الممنوعة والمُحرمة “سوء الظّن”، لأنه من الأمور الهامّة التي يغفل عنها كثير من الناس ويجب اجتنابه، حيث أنه يُعد امتلاء القلب بالظنون السيئة بالآخرين بدون وجه حق، ويظهر بشكل واضح بالبغض والتخوين والهمز واللمز على البعض، أي إنه مجرّد تهمة بالسوء لأهل الخير، مما يدل على الكراهية التي لا تتناسب مع الإنسان السوي، فيجب إلقاء الضوء على هذا السلوك الخاطئ وضرره على سيء الظن وعلى الآخرين، وفي سطور هذا المقال سيتم عرض أسباب “سوء الظن” وطرق التخلص من هذه الآفة التي يجب بترها من المجتمع، حتى نرتقي بمجتمعنا العريق الذي يحمل حضارة أكثر من 7 آلاف سنة من خلال أجدادنا العظماء قدماء المصريين.
في البداية حذر الإسلام من “سوء الظن” حيث قال سبحانه وتعالي في سورة الحجرات بسم الله الرحمن الرحيم “: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ ”
كما جاء النهي عن “سوء الظن” في السنة النبوية، قال رسول الله ﷺ: (إياكم والظنَّ، فإنَّ الظنَّ أكذب الحديث)، وقال الصنعاني: (المراد بقوله ﷺ: ((إياكم والظنَّ) سوء الظنِّ به تعالى، وبكلِّ من ظاهره العدالة من المسلمين وقوله: (فإن الظن أكذب الحديث).
وفي تعريف “سوء الظن”، قال ابن كثير: سوء الظن “هو التهمة والتخون للأهل والأقارب والناس في غير محله”، كما عرف ابن القيِّم: “سوء الظن: هو امتلاء القلب بالظنون السيئة بالناس؛ حتى يطفح على اللسان والجوارح”، ومن جانبه عرفه الماوردي: “سوء الظن: هو عدم الثقة بمن هو لها أهل”.
إن أسباب “سوء الظن” تتلخص في أمراض القلوب من غِيرةٍ، وغلّ، وحسد، وبغضاء، وعدم مراعاة الآداب الإسلامية، والغفلة عن الآثار التي تترتب على إساءة الظّن، والاتصاف بالخصال السيئة من كذبٍ وخيانةٍ.
كما يجب أن نعرف الفرق بين “الظن” و”الشك”، حيث أن “الظن” يطلق على ما كان راجحاً من الاحتمالين و”سوء الظن” إثم وحرام شرعاً، أما “الشك” يُطلق على ما استوى طرفاه ولم يترجح احدهما على الآخر، وأن الشك هو تلك العقبة التي تعوق الإنسان من ممارسة حياته بشكل طبيعى وله أنواع أخطرهم الشك الملازم لشخصية الإنسان الذب يصبح سمة من السمات الشخصية، مما يؤدي إلى الكثير من الإعاقات النفسية، وهناك نوع أخر هو الشك المرضي الذي يصاب الإنسان فيه بأوهام اضطهادية يعتقد الإنسان من خلالها إن الآخرين يريدون به الشر أو المكايد، وهذا النوع خطير أيضاً.
من المؤكد أن تصحيح “سوء الظن” أمر ضروري في المجتمع، وللتخلّص منه يجب علي المسلم أن يحسن النية قبل أي شيء وأن يتحرّى الخير في نواياه وفي أقواله وأفعاله إلى أن يثبت العكس، وإذا وقع في اعتقاد الشرّ فلابد له من الرجوع للخير، وذلك يتطلّب بعض الأمورٍ، لكي يتعرف ويتأكد الإنسان من الذنب الكبير الذي يفعله عندما يسيء الظن بالآخرين، وأن يدرك ما يترتّب عليه من عقاب من الله عز وجل.
هذا ما يعني أن “سوء الظن” إثم وذنب يفعله البعض بدون مبرر، وإذا كان لديهم من المبررات فستكون سيئة للغاية، وتضر بسيئ الظن نفسه ومن حوله أيضاً، ولا يقتصر صاحبه على مجرد ذلك إنما يتعمد على إساءة الظن بالمسلم وبغضه، وعداوته، ليفتح أحد أبواب الشيطان التي يدخل منها إلى الإنسان للإيقاع به في مصيدته وهذا لا يليق بالمجتمع الأصيل، فيجب اجتناب هذا السلوك حتى لا يؤثر على المجتمع بالسلب.
وعلى ذلك العلاج يبدأ من تنشئة الفرد على حسن الظّن، من الأسرة، والتعليم، علاوة على التوعية من وسائل الإعلام ودور العبادة، وإبراز نماذج من القدوة الحسنة في برامج التليفزيون للإقتداء بهم، ومصاحبة الصديق الصدوق الصالح، والأهم بتقوى الله، والإحساس بخطورة :سوء الظن” وما سيقع على سيئ الظن من عقاب الله، فلا يجوز اعتقاد الشرّ دون أيّ دليلٍ أو برهانٍ، ويجب ضبط النفس بعدم الاستجابة لأي أهواء أو غرائز، والعمل على سلامة الفؤاد من البغض، والكراهية بالتعود على قراءة القرآن الكريم والدعاء، والرضاء بما قسم الله من زوق، إضافة إلى البعد عن مواطن الريبة والشبهات، وتهيئة النفس على حُسن الظّن، والمحافظة على أداء الصلوات الخمس في جماعةٍ، وأن يتحمل الإنسان السوي أفعال وأقوال مسيء الظنّ وما يصدر منهم، حتى لا يعطي الفرصة لتماديه في هذا السلوك السيئ، وذلك إقتداءً بالنبيّ صلى الله عليه وسلم عندما صبر وتحمّل ما قيل عن زوجته عائشة ـ رضي الله عنها ـ حتى تمّت براءتها من الله عزّ وجلّ.
وخلاصة القوليجب أن نعرف إن “سوء الظن” حرام شرعاً، لقوله تعالى بسم الله الرحمن الرحيم «إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ»، ويُعـد تهمة تقع في القلب بلا دليل، ويفترض صاحب “سوء الظن” ظاهر الأمر مقام الضمير، فسيء الظن هو من يظن سوءًا بغيره بأقوالهم وأفعالهم ومظاهرهم، ويرتب عليه آثارًا مدمرة، فيجب اجتناب هذا السلوك الخاطئ والحرام، حتى لا يقع الفرد في ذنب يعاقب عليه الله تعالى.