تمت الإشارة في الجزء السابق إلى النجاح الذي عرفته السينما المغربية إبان التسعينيات، وتطرقنا لعلاقة السينما بالمشاهد المغربي التي تحولت من منحى في اتجاه واحد إلى إتجاهين، حيث أصبح الجمهور قادرا على إبداء تصوراته وآراءه تجاه الفيلم المغربي بعد أن كان مستهلكا فقط للمادة السينمائية، في هذا الجزء سنتطرق لتحديات المخرجين الشباب و نجاحاتهم إعتمادا على انتاج الأفلام القصيرة كمدخلا لعالم النجومية واحتراف اخراج الفيلم الروائي.
اعتبرت المهمة الملقاة على عاتق السينمائيين في مرحلة التسعينيات “لا الإكتفاء بالتراث الفني باعتباره شكلا، بل البحث عن الرموز التي تؤسس وسيلة تعبير من هذا الشكل، وتخلق دلالات وتبرز مضمونا و تعبّر عن هوية قومية حضارية وتعكس وعيا قوميا معاصرا”، لقد كان الهاجس الأساسي هو ردم الهوة الكبيرة بين المتلقي المغربي وأشكال التعبير السينمائي وأدواته، وهكذا رأينا تنوعا على مستوى المواضيع و القضايا، حيث نوّعت السينما المغربية ثيماتها (المرأة، الطفل، التراث الشعبي، القضايا الإجتماعية والسياسية…)، وبدأنا ننظر للسينما كحامل فني وجمالي عاكس للتمثيلية المغربية فكرا ونقدا وخطابا.
لقد كان هذا هو المدخل الذي سمح لسينما العشرية الأخيرة من القرن الواحد والعشرين بالتألق، حيث خاض جيل جزيد من السينمائيين الشباب تجربة الإخراج مسلحا بمعرفة وتكوين جديدين على المستوى السينمائي، رغم أن ذلك لا يعني مطلقا بأن هناك وعيا جماعيا مؤسسا لتجربة متواجدة في الرؤية السينمائية، ويمكن القول إن ممثلي هذا الجيل راهنوا على خلق لغة تعبيرية جديدة، وعلى تطوير أشكال السرد السينمائي، وأيضا على تجاوز ضعف الإخراج و المونطاج، وقد انطلق أغلب هؤلاء من تمرين “الفيلم القصير”، وليس من النمادج التي تقترحها عليهم القاعات السينمائية، ذلك أن الأفلام المغربية لا تبرمج كيفا كان الحال في القاعات المغربية، وهذا ناتج عن تبعية أساسية ليست مسجلة في كتابة الفيلم بقدر ماهي مسجلة في نوعية خاصة من الذكاء أو البلادة (حسب الزاوية) التي يتميّز بها المواطن الموزع والمواطن المستغل للقاعات.
وصنّف الفيلم القصير بأنه مدرسة أساسية لهذا الجيل، الذي لم يخف أنه يسعى لتطوير مساره السينمائي من باب امتلاك القدرة على تدبير الزمن الفيلمي ليكون مكثفا وذالا، ومن باب البحث في ورشة الفيلم القصير على لغة سينمائية تتميز بالإقتصاد والشعرية، وأيضا بالبحث في جمالية أخرى ممكنة، وذلك رغم الصعوبات التي يطرحها الإنتاج، ورغم أن الفيلم القصير لم يجد بعد مكانته داخل السوق السينمائية المغربية، مادام الجميع يتعامل معها كعمل إجمائي وتدريبي قبل خوض تجربة الفيلم الروائي، ورغم أن السياق النقدي لا يتعامل بجدية مع هذا النوع من الأفلام.
وكما كان متوقعا، وقّع هؤلاء الشباب على أقلام تسعى إلى توجه فيلمي إبداعي له خصوصيته، ومن هؤلاء : فوزي بنسعيدي، نورالدين لخماري، جمال بلمجدوب، رشيد بوتونس، كمال كمال، ليلى المراكشي، زكية الطاهري، ياسمين قصاري، عبد الحي العراقي، أحمد بولان، عمر الشرايبي، دواود أولاد السيد، اسماعيل فروخي، ليلى الكيلاني، عزيز السالمي… ، واستطاع هؤلاء إلى جانب مخرجين متميزين آخرين، ممن كانوا يناضلون من أجل تحقيق مشروع السينما الوطنية على النحو المأمول، أنزيعيدوا متخيل الأفلام إلى النسق المغربي، وبالتالي لم يعد المشاهدون المغاربة يجدون ذلك الإحساس بأنهم أمام سينما غربية مدبلجة إلى اللغة العربية.
اترك تعليقك ...