بقلم / أحمد عبد الحليم
عُرفت الحضارة المصرية القديمة بأنها أقدم الحضارات عَبر التاريخ، وذلك بما سجله أجدادنا العظماء قدماء المصريين من أعمال تدل على إبداعهم وتقدمهم في كل المجالات العليمة وعلى رأسها نظام عملي وفَعّال للطب والعلاج من الأمراض، حيث تركت مصر القديمة إرثاً دائماً للبشرية جمعاء، وأخذ منها اليونانيون القدماء الكثير وتلاهم الرومان، علاوة على أن آثارها الضخمة أثرت وألهمت مُخيلة الرحالة والكُتاب لآلاف السنين، هذا بالإضافة إلى اكتشافات الآثار والحفريات المصرية في مطلع العصر الحديث من قبل الأوروبيين والمصريين، والتي أدت إلى البحث العلمي في الحضارة المصرية تَجلت في علم أُطلق عليه علم المصريات ومزيداً من التقدير لتراثها الثقافي في مصر والعالم.
من هذا المنطلق، وبناء على أن اهتمام الدولة المصرية بتطوير وتنشيط وترويح السياحة، حتى يكون له الأثر الإيجابي في زيادة الدخل القومي للبلاد من السياحة وجذب الاستثمار الأجنبي لمصر، بعد قدوم أكبر عدد من الوافدين للسياحة لمصر، والتعرف على أهم الآثار المصرية وحضارة قدماء المصريين، والمعالم الأثرية القبطية والإسلامية، هذا إلى جانب السياحة العلاجية للاستشفاء، التي يأتي السائح لمصر من أجل العلاج، فلماذا لم ينتهج المصريين الأحفاد نهج الأجداد في مجال الطب والعلاج؟ ونتخذه في بداية خطوات تطوير السياحة العلاجية، ولكن بطريقة فرعونية من حيث أن قدماء المصريين لهم الباع الأول في هذا الصدد والعلاج الفرعوني مجرب ومضمون، وفي سطور هذا المقال سنتعرف على مقترح منا لكيفية توافق الطب الفرعوني القديم مع الطب في العصر الحديث وتطبيقه بضوابط محددة من خلال إشراف الجهات المعنية المختصة.
بلا شك إن السياحة العلاجية موجودة في مصر، وتعتمد على تقديم الخدمة العلاجية والسياحية في آن واحد في الأماكن المخصصة لها في المنتجعات والمسطحات التي تساعد على الاستشفاء من خلال جلسات يقوم بها المعالجين المتخصصون خاصة مع توافر الرمال المليئة بالمعادن والمياه العلاجية الدافئة والشمس المشرقة طول السنة، وذلك في العديد من المناطق المصرية منها العين السُخنة وبها كهف الملح في بورتو السُخنة، والواحات البحرية بالدفن في الرمال التي تشتهر بالعناصر المعدنية، وفي سفاجا التي تتميز بالرمال السوداء المفيدة للجسم والاستشفاء، وسيوة وبها جبل الدكرور الذي يتميز بالرمال الساخنة، وعين كيغار التي تُعد من العيون الأكثر شُهرة في سيوة وتصل فيها درجة الحرارة إلى نحو 67 درجة مئوية وتحتوي على نسبة عالية من الأملاح المعدنية والكبريت، وغيرها من الأماكن المميزة للسياحة العلاجية.
الجدير بالذكر أن ما سجله التاريخ عن قدماء المصريين وبراعتهم في علم الطب والعلاج من الأمراض، وهناك برديات عديدة أثبتت براعة قدماء المصريين في علم الطب والعلاج من الأمراض، فلابد من الاستفادة من علم الطب القديم إلى جانب السياحة العلاجية الموجودة حالياً في مناطق مصر والاستفادة من تاريخ مصر الفرعوني وتجاربهم الناجحة.
من المؤكد أن تواجد السياحة العلاجية الفرعونية على الساحة بطرح علم وفكر أجادنا العظماء قدماء المصريين وتجاربهم الناجحة سيكون له الأثر الإيجابي على السياحة والصحة العامة على الصعيدين العالمي والمحلي، خاصة بعد تطبيق ما أثر عن قدماء المصرين في علم الطب القديم، وذلك بعمل إستعادة للتاريخ الفرعوني القديم من معلومات في الطب والعلاج والتداوي من الأمراض التي جربوها قدماء المصريين ونستخدمها على أرض الواقع مع المصريين والوافدين، وذلك بعمل مُلحق طبي لكل متحف أو مزار سياحي للعلاج من الأمراض وتقديم وصف الحالة والدواء لكل مريض بالاتفاق مع بعض الجهات المختصة مثل وزارة الصحة والبحث العلمي ومركز البحوث، مما يدر عائداً مادياً للدولة بعد شراء الدواء من الأعشاب الطبية أو تقديم وصفة علاجية مُجربة، وبالتالي سيتوافد العديد من السائحين للعلاج وبعد عودتهم سينقلون لذويهم في بلادهم ما تم من علاجهم في ملحقات العلاج الفرعوني الموجودة في المزارات والمتاحف الأثرية المصرية، ويمكن أن تطبق هذه الملاحق على جميع مناطق الآثار والمعالم الأثرية في مصر.
بالطبع لم يختلف باحث في علم التاريخ المصري القديم، أو عالم في الطب، على حقيقة ثبوت التقدم في عالم الطب لدى قدماء المصريين، خاصة بعد العثور على برديات أثرية مدون بها تقدم الفراعنة في علم الطب والعلاج، حيث أنه تم اكتشاف أكثر من 13 بردية مخطوطة عن براعة قدماء المصريين في العلاج بالطب الفرعوني القديم، كما عَثر على عدد كبير من القشافات الحجرية والفخارية مسجل عليها موضوعات طبية، وعلى رأسهم بردية “كاهون” المعنية بالطب الفرعوني القديم، وتاريخ هذه البردية يرجع إلى نحو 1850 قبل الميلاد، والتي شملت على وصفة في طب النساء، الطب الباطني، طب الأسنان، طب الطفيليات، طب العيون، وطب الأمراض الجلدية، وأيضاً علاج الالتهابات وعلاج الأورام، وجبر كسور العظام، وكذلك علاج الحرق، وبها أطروحة عن علاج القلب، والأوعية الدموية وقسم قصير عن الانهيار العصبي، كما يوجد بها عدد من وصفات العقاقير العلاجية، ومعها طرق لعلاج الحيوانات، وكان ذلك مفاجأة لعلماء الآثار المصرية القديمة، كما تمكن علماء الأمراض القديمة من استخدام “الأشعة السينية” وما بعده من “الأشعة المقطعية” لمشاهدة عظام وأعضاء المومياوات، وسمحت المجاهر الإلكترونية، قياس الطيف الكتلى وتقنيات الطب الشرعي المختلفة بالعلماء لمحات فريدة عن الحالة الصحية في مصر قبل 4000 عام، كما يذكر أن قدماء المصريين طبقوا علاج على مرض البلهارسيا منذ آلاف السنين من قبل أي اكتشاف في العصر الحديث، وكانت لديهم “شجرة المُورينجا ” المُعمرة الممتدة إلى العصر الحديث، والتي كانت تزرع في الأراضي المصرية في العهد الفرعوني، ليستخدمونها في علاج العديد من الأمراض.
وهناك أيضاً العديد من البرديات التي تثبت براعة قدماء المصريين في علم الطب، منها بردية “إيبرز” التي تعود إلى عهد الملك “أمنحتب الأول” 1534 قبل الميلاد، وتركز البردية على تشخيص أمراض الباطنة، والجلدية، وتقدم وصفات طبية رائعة للعلاج، لدرجة إنها تقدم وصفة لإعادة نمو الشعر في حالات الصلع، كما تثبت “بردية هرست”، أهمية وقيمة علمية كبيرة، حيث تتحدث عن تشخيص وعلاج واضح للعديد من الأمراض، مثل أمراض الجهاز الهضمي، والبولي، وعلاج العظام والأسنان وتساقط الشعر، وبرديات “شستر بياتي”، وعددها 19 بردية، وتتحدث جميعها عن علاج الصداع وآلام فتحات الشرج، أما “برلين” فتُعد كمرجع طبي جوهري، لإنها تناولت توصيف الأمراض العصبية، وكيفية طرق العلاج، وهو ما يؤكد عبقرية المصريين القدماء الذين توصلوا للأمراض العصبية، ومحاولة علاج الشلل، بكل أنواعه، وهناك العديد من المخطوطات البردية التي تحدثت عن براعة قدماء المصريين في علم الطب والعلاج من الأمراض، فكان المصدر الأول للتقدم الطب عند قدماء المصريين قبل أن يكون للدول الكبرى، غيرها من البرديات التي تُعد مراجع علمية مهمة للعصر الحديث.
في النهاية ملخص القول، أن الأمر يتطلب الجهد المبذول من بعض الباحثين في علم الطب والعلاج الفرعوني القديم مع متخصصين وباحثين في الطب الحديث لإيجاد نوع من التوافق بين العلاج في الماضي والحاضر بالطريقة الفرعونية، وتطبيقه بالعلاج من خلال مُلحق في كل مزار أو متحف أثرية لكي يتم الاستفادة السائح بالعلاج وعلى البلاد بزيادة الدخل القومي، إلى جانب الاستفادة من علم الأجداد وتطبيقه في العصر الحديث، على أن يكون تحت مظلة جهات حكومية مثل وزارة الصحة والبحث العلمي ومركز البحوث، حتى يطرح بشكل رسمي ويحقق الاستفادة الكاملة للجميع، وبالتالي سيتم نشر براعة أجدادنا العظماء قدماء المصريين لكل وافد لنشرها في بلده بعد عودنه لبلادة بعد اقتناع.