بقلم / أحمد عبد الحليم
عندما يُنشر خبر عن قضية حماية “الطيور الحوّامة” من المخاطر، يتساءل البعض عن معنى هذه الكلمة، نعم هذا أمر يتطلب الاستفسار، لأنه لفظ جديد على مسامع الناس ويجب تفسيره، ثم الانتقال إلى قضية أهم وهي حماية هذه الطيور من المخاطر والتهديدات التي تقابلها أثناء هجرتها، علاوة على تساؤل أخر متوقع طرحه عن ما علاقة هذه الطيور بالتغـير المناخي وتوازن البيئة؟، وفي سطور هذا المقال سنتعـرف على معنى “الطيور الحوّامة”، وكيفية الوصول لحلول جذرية لحمايتها أثناء الهجرة، مع أبرز ما قامت به مصر من دورها الفعال في حماية الطيور المهاجرة وإدراج نقاط مشاهدتها بالبرامج السياحية، حيث إنها ثروة عالمية يجب الاهتمام بها للحفاظ على توازن البيئة وفائدة الإنسان.
في البداية، لابد أن نتعـرف على معنى ” الطيور الحوّامة”، وهي الطيور التي تأخذ التيارات الصعبة الساخنة حتى ترتفع وتُحلق في السماء إلى أعلى دون رفرفة أجنحتها، أو بذل طاقة، وتتجنب مرور الموانىء المائية الكبيرة، وتعبر الجبال، أو تُحلق بالطير على ارتفاع منخفض فوق سطح الماء أو اليابسة، وأغلب هذه الطيور تهاجر بطابع الغريزة من نصف الكرة الأرضية الشمالي إلى النصف الجنوبي طول السنة مابين فصل الخريف والربيع، وتتم هجرة هذه الطيور من آلاف السنين بحثًا عن أجواء مناسبة من الدفء والغذاء وإتاحة بيئة خصبة للتكاثر بعيداً عن ظروف معينة في مواطنها الأصلية.
من المؤكد إن هذه الطيور تعاني أثناء هجرتها ببعض المخاطر والتهديدات التي قد تؤثر على حياتها وتقليل أعدادها، نظراً لصعوبات في مسارها، وبالتالي ينعكس هذا التأثير على توازن الطبيعة وفائدة الإنسان منها، خاصة والأمر يتطلب حماية 37 نوع من أنواع هذه الطيور ومنهم خمس أنواع مهدد عالمياً بحسب القوائم الحمراء للإتحاد الدولي لحماية الطبيعة، فكان ينبغي إعادة النظر لحماية هذه الطيور، لأسباب عديدة خاصة بالتوازن البيئي وفائدة الإنسان، منها إقباح وفود من السائحين لمشاهدتها، وإقتناء البعض للتربية واليع من المسموح منها، هذا بخلاف إستمتاع الإنسان بمراقبة هذه الطيور، والتنافس والتحدي المتمثل في اكتشاف أكبر عدد ممكن من أنواعها وصولاً إلى الشعور بالهدوء من سماع أصوات العصافير والطيور التي تُغـرد بأنغام جميلة للإنسان لم تكن على مسامعه من قبل، ولهذه الأسباب وأكثر تم إعادة النظر بشكل عالمي في هذه المسألة لإيجاد حلول لحماية هذه الطيور من أي المخاطر أو التهديدات التي تقابلها أثناء هجرتها.
وعلى ذلك تم إطلاق “مشروع اليوم العالمي للطيور الحوّامة المهاجرة”، بتنسيق من هيئة الأمم المتحدة للبيئة، ويتم الاحتفال به سنويًا مرتين كل عام، خلال السبت الثاني من شهري مايو وأكتوبر، حيث يرتبط هذان اليومان بموعد هجرات الطيور التي تنطلق في الربيع وبداية الخريف، ويهدف تخصيص يوم عالمي للطيور المهاجرة إلى الحفاظ عليها وعلى موائلها حول العالم، لمنع التهديدات التي تواجهها أثناء هجرتها لمسافات كبيرة بسبب الصيد الجائر، الاصطدام بكابلات الكهرباء، ومولدات الطاقة، ومزارع الرياح، أو التعرض للتلوث في الهواء، والتعرض إلى المواد الكيميائية السامة الموجودة في المحاصيل الزراعية، وغيرها، حيث أن هذه الطيور تمر ببلدان عديدة، والأمر الذي يستوجب توحيد وتضافر الجهود والتعاون الدولي للحفاظ على الحياة الفطرية، التي تسهم في استعادة الأرض لتوازنها الطبيعي.
هناك مسارات مختلفة تسلكها هذه الطيور أثناء هجرتها على مستوى العالم، وعلى سبيل المثال وليس الحصر هناك 34 موقعًا في مصر يضم البيئات الأساسية لهذه الطيور، ما بين الأراضي الرطبة والجبال عالية الارتفاع، وديان الصحراء، المسطحات الشاطئية، والجزر البحرية، وذلك ما بين مناطق البحر الأحمر والوادي المتصدع الذي يأتي له طيور النسور، الصقور، واللقلق، وكذلك مناطق البحر المتوسط الذي يعاني من الصيد الجائر العشوائي، بالإضافة إلى مسار نهر النيل، حيث أن هناك طيور مهاجرة تعبر على مصر في مسارات مختلفة والتي وصل عددها إلى 500 مليون طائر سنوياً تقريباً، كل هذه المسارات يتم متابعهتها من قِبل وزارة البيئة المصرية بالتعاون مع الأمم المتحدة، لإيجاد حلول للمشاكل التي تواجه “الطيور الحوّامة” المهاجرة أثناء هجرتها، مع التمويل من بوصة البيع العالمية وتنفيذ وزارة البيئة بالتعاون مع المجلس العالمي لحماية الطيور المهاجرة وبرنامج الأمم المتحدة.
كما أن هناك بعض المناطق المُطلة على البحر الأحمر مُعرضة لضغوط تطويرية هائلة وفقاً لدراسة أجراها “مشروع الطيور الحوّامة المهاجرة” تحت عنوان “التقليل من فقدان التنوع البيولوجي من المواد الكيميائية الزراعية” ولكن هناك قلق متزايد على الطيور من بعض التحديات في خمسة قطاعات أولها الزراعة بسبب التسمم المرتبط بشكل رئيسي بالقطاع الزراعي هو المسبب الرئيسي لموت الطيور المهاجرة، وتمت مناقشة هذه المسألة في مؤتمر الأطراف الخاص باتفاقية الأنواع المهاجرة الذي تم انعقاده في بريجن، النرويج في نوفمبر 2011، وفي ظل ارتفاع الطلب على الطاقة وإمدادات الغذاء والسياحة التي أدت إلى تغييرات كبيرة في استخدامات الأراضي، وتراكم النفايات، وانتشار الصيد العشوائي الجائر، فإنه يمكن لقطاعات الزراعة والطاقة، والصيد والسياحة وإدارة النفايات أن تعمل على توفر بيئة بشكل متزايد للطيور الحوّامة.
وعلى ذلك قام”مشروع الطيور الحوّامة المهاجرة” بالربط بين الدول على مسار الهجرة الفريد عبر القارات الثلاث، لدمج حماية هذه الطيور في هذه القطاعات الرئيسية للمجتمعات، ويجري تحقيق ذلك من خلال الشراكات والتحالفات الاستراتيجية مع الشركات الخاصة والمنظمات غير الحكومية والحكومات والمنظمات الدولية، من أجل دمج حماية مسار الهجرة في قلب قرارات التنمية والتغيرات في استخدامات الأراضي في المنطقة، بالإضافة إلى التعاون بين مصر و”مشروع الطيور الحوّامة المهاجرة” الذي أثمر بالأثر الإيجابي في علاج أزمة تقاطع مشروع مزرعة رياح في منطقة جبل الزيت، لتأمين مسار الطيور المهاجرة، وعلى ذلك نجح المشروع في تنفيذ ما يسمى بـ”الغلق عند الطلب”، حيث تتم مراقبة الطيور من سبع خبراء متخصصين، ويتم الاتصال المباشر بأسبانيا كخطة احتياطية للتوقيف، والناتج النهائي في 2016 لم يمت سوى تسعة طيور فقط خلال رحلة الهجرة في هذا العام، وهذا مثال واضح على دور مصر في حماية الطيور المهاجرة، كل ذلك وأكثر من بذل الجهد جاء من منطلق أن قضية حماية الطيور الحوّامة المهاجرة والتنوع البيولوجي هي أحد تحديات البيئة العالمية والإقليمية والتي تحرص مصر على تناولها خلال مؤتمر المناخ cop27 كأحد القضايا التي تعكس مدى الترابط في تحقيق التوازن بين الاتفاقيات البيئية متمثلة في تنفيذ اتفاقية التنوع البيولوجي وتنفيذ خطة المساهمات الوطنية للدولة في التصدي لآثار التغيرات المناخية وخفض الانبعاثات.
في النهاية، يجب أن نؤكد أن مصر أصبح لها الدور الفعال بالتأثير الإيجابي على حماية الطيور الحوّامة المهاجرة، ويجب المزيد من تضافر الجهود من الجميع بالاهتمام بهذه الطيور وحمايتها من المخاطر لتحقيق التوازن في الطبيعة، وذلك لأن قضية حماية هذه الطيور، والتنوع البيولوجي هي أحد تحديات البيئة العالمية والإقليمية والتي تحرص مصر على تناولها خلال مؤتمر المناخ cop27 في شرم الشيخ في نوفمبر القادم، كأحد القضايا التي تعكس مدى الترابط في تحقيق التوازن بين الاتفاقيات البيئية.