العلاقة بين الفقر والتنمية المستدامة
بقلم / دكتور أيمن إسماعيل جراب - - - دكتوراه فلسفة العلوم البيئية والباحث بالتنمية المستدامة
يعتبر الفقر أحد المشــكلات الإجتماعیــة على مر العصور ومحل إهتمام الدول والمجتمعات والأفراد من الزاوية الإنسانية ، وهو أحد المعضـلات والعقبات نحو تحقيق التنمية المستدامة وأهدافها .. وهو ما جعل الأمم المتحدة وبإتفاق جميع أعضائها .. أن يكون محاربة الفقر والجوع هو الأولوية الأولى والهدف الأول من أهداف التنمبة المستدامة والذى وضعته كل الدول على رأس إستراتيجياتها حتى عام 2030 والذى حقق تقدما ملموسا بإنخفاض مؤشرات الفقر منذ عام 2000 إلا أن جائحة كورونا أعادته إلى الإرتفاع عالمياَ.
وتهتم الدول بدراسة الفقر لديها لما له من تأثير شامل ومباشر على المحاور الثلاثة الرئيسة للتنمية المستدامه (الإقتصادى-الإجتماعى-البيئى) والتى أثبتت الأبحاث أنها علاقة عكسية وثيقة ..بمعنى أنه كلما إنخفض الفقر إرتفع المستوى (الإقتصادى –الإجتماعى – البيئى) للتنمية ومستوى المعيشة بشكل عام ..والعكس صحيح فكلما زاد وإرتفع مستوى الفقر إنخفض مستوى التنمية بأنواعها ومستوى المعيشة.
ومع تتعدد أنواع الفقر وتعريفاتها إلا أنه على إختلافها فإنها تصف الحالة المتدنية للإنسان بشكل أو بآخر والتى لا تفى بحاجاته للحياه حياه كريمه.. ومن أنواعها وأهمها الفقر المدقع أو المطلق وهو ما يعنى عدم توفر الحد الأدنى لجميع متطلبات الإنسان فى حياته اليومية من المأكل والملبس والمسكن وخدمات التعليم والصحة والمواصلات. وقد عرفته الأمم المتحدة عام 1995 بأنه “حالة تتسم بالحرمان الشديد من الاحتياجات الإنسانية الأساسية،بما فى ذلك الغذاء ومياه الشرب والصرف الصحى والمسكن والتعليم والمعلومات”. ويرتبط الفقر بمفهوم وإصطلاح هو (خط الفقر) والذى عرفه البنك الدولي بأنه الذي يبدأ ويقل عن 1.9 دولار في اليوم للفرد ، وتراوحت نسبته ما بين 9.1 – 9.4% من سكان العالم في عام 2020. .
وفى مصر وطبقا للظروف الراهنة ومع قيام الثورة ثم جائحة كورونا فإن معدل الفقر فى مصر شهد إرتفاعا مستمرا خلال العشرون عاما الماضية .. ففى عام 1999/2000 بلغت نسبته 16.7% إلى أن بلغت نسبته 32.5% عام 2017/2018 .. وقد شهدت النسبة تراجعاَ لأول مره منذ عشرون عاماَ لتصل إلى 29.7% عام 2019 ، كما انخفضت نسبة الفقر المدقع من 6.2% إلى 4.5% خلال العامين الماضيين، وقد حدد الجهاز المركزى للإحصاء خط الفقر القومى بمبلغ 735 جنيها للفرد شهريا فأقل عام 2017/2018 بينما أصبحت 857 فأقل عام 2019/2020. ومع ذلك فإن الأمر يحتاج مزيد من الجهود والتعاون من المجتمع المدنى مع الدولة للوصول بالتخلص من الفقر طبقا لخطة التنمية المستدامة 2030.
وتعدد وتتداخل أسباب الفقر بين الأسباب الإجتماعية والإقتصادية والبيئية… ومنها وأهمها عدم توفُّر الماء والغذاء الكافيين والمياه الصالحة للشرب ، والجهل وإنخفاض مستوى التعليم والتدريب والصحة وانتشار الفساد وانتشار الجرائم والفوضى ، وإنتشار الإدمان والمخدرات ، وعدم الجدية فى تنمية المهارات والبحث الجدى عن العمل والبطاله ، والحروب وعدم الاستقرار السياسي والصراعات الداخلية والحروب والاستعمار، وانعدام المهارات الاجتماعية وسوء الإختيار وعدم المساواه ، والعادات والتقاليد البالية والاتكال على الغير ، وعدم التكافل الاجتماعي بين افراد المجتمع. كذلك إنخفاض القدرات الاقتصادية والموارد المتاحة وعدم قدرة الدولة على تنميتها وإدارتها، وسوء المناخ القانونى والإقتصادى المشجع على الإستثمار. ومن أسباب الفقر أيضا التغيُّرات المناخية وهو ما يُوكدّه البنك الدولي فى أنّ تغيُّر المناخ يمكنه تحويل حياة 100 مليون شخص إلى حالة من الفقر الشديد خلال العشر سنوات القادمة.
وتعتبر الزيادة السكانية أحد أهم أسباب الفقر عندما يفوق النمو السكانى معدلات النمو الإقتصادى، والتى يجب أن تكون ثلاثة أمثال النمو السكانى فإذا كان معدل النمو السكانى فى مصر يتراوح بين 2.4 الى 3 % فإننا نحتاج إلى نمو إقتصادى من 7.5 الى 9 % سنويا وهذا يعتبر معدلا كبيرا إذا علمنا أن معدل النمو عام 2020 بلغ 2.4 وهو معدل متميز لمصر مع وجود جائحة كورونا وتأخر معظم دول العالم وتحقيق معدلات سالبه.
وتبدو علاقة الفقر بالتنمية المستدامة علاقة وثيقة والتى تتضح من خلال تعريف التنمية المستدامة ومحاورها وأهدافها.. فالتنمية المستدامة تعرف بأنها (تحقيق مطالب الأجيال الحالية من خلال الموارد المتاحة بكفاءة وفاعلية مع مراعاة متطلبات الأجيال القادمة والحد من او تقليل التلوث البيئي وفي إطار من التعاون المشترك). وللتنمية المستدامة ثلاثة محاور رئيسة (الإجتماعى والإقتصادى والبيئى)، ولها سبعة عشرة هدفا يمكن إجمالها فى (القضاء على الفقر والجوع، والماء النظيف والصرف الصحي ، والتعليم الجيد، والمساواة بين المواطنين وبين الجنسين ، والعمل اللائق والنموّ الاقتصادي ، والسلام والعدل، والطاقة النظيفة الميسورة التكلفة ، وتشجيع الصناعة والابتكار، والعمل من اجل المناخ ، والحفاظ على البيئة سواء فى البر أو البحر)…
ومن خلال التعريف والمحاور والأهداف نجد أن الأولوية الأولى فى تحقيق التنمية المستدامة تبدأ من القضاء على الفقر والجوع، ولذلك نجد أن مصر قد اتخذت إجراءات كبيرة وعديده، منها مشروع تكافل وكرامة، والمنح المالية للعمالة اليومية الغير منتظمة المتضرره من جائحة كورونا .
وكذلك والمشروع الأكبر على الإطلاق مشروع حياة كريمة لتطوير القرى المصرية والذي تتجاوز تكلفته 700 مليار جنيه ويعتمد بالدرجة الأولى على العمالة المصرية و إنتاج المصانع المصرية ، والذى يهتم بالقرى الأكثر فقرا والفقيرة وبتطوير جميع مناحي الحياة من توصيل مياه الشرب النظيفة والصرف الصحي وكذلك السكن الصحى واللائق حضاريا، ورصف الطرق و توفير الخدمات القريبة و تبطين الترع وتوفير البنية التحتية من الكهرباء والاتصال بالإنترنت وكذلك حل المشكلات الإجتماعية مثل الغارمين والمساعدة فى تزويج غير القادرين…إلخ ليتغير وجه الريف تغيرا حقيقيا وحضاريا .
وبالتأكيد فإن هذه المشروعات تساعد فى القضاء الفقر وحل المشكلات الاجتماعية المزمنة كالبطالة والفساد والجريمة … وكثير من الآفات التى مصدرها الأول الفقر والعوز.. وتتبع الدولة منهجاَ مميزاَ – وهو منهج أسميه (المنهج المستدام – يلا نجر خط) بمعنى أن يتم دراسة المشكلات المزمنة ووضع حلولا جذرية علمية وعملية مع ضمان إستدامتها وعدم عودتها وسد الثغرات والأسباب التى تراكمت وسببت فى حدوثها…
وتتبع الدولة إتجاهين لتحقيق هدف تقليل والحد من الفقر والقضاء عليه ، الإتجاه الأول هو توفير المناخ والخدمات والبنية التحتية وسبل الحياه الكريمة ، والإتجاه الثانى تأهيل المواطن وتنميته ذاتيا سواء صحيا وتعليميا …..الخ ، فعندما يتوفر للمواطن سبل الحياة الكريمة ويصبح مطمئنا في بيته وأهله وصحته ومؤهلا لطرق سبل الرزق فيصبح أكثرعطاءَ و تتحسن انتاجيتة وبالتالى ترتفع مستوى معيشته مما ينعكس على إرتفاع مستوى التنمية للدولة ، فدائما أقول أن المواطن هو الدولة والدولة هي المواطن وحده واحده.
وبالرغم من المشاركة الفاعلة للمجتمع المدنى إلا أننا نحتاج لمزيد من الإسهامات وبشكل اكبر وفعالية أكثر من خلال إستراتيجية تتبناها الدولة وبمشاركة المجتمع المدن ، ويمكن أن تقسم هذه الإستراتيجية إلى جزأين الأول توعوى والثانى إنتاجى. أما الجزء الأول التوعوي فأقترح دورات إلزامية توعوية المواطنين وخصوصا الشباب تكون فى المراحل الهامة والحاكمة لهم مثل عند (نتهاء الخدمة فى القوات المسلحة- طلب السفر- الزواج – بداية مشروع)…إلخ. وهذه الدورة تكون (اقتصادية واجتماعية وبيئة ) شاملة يعدها خبراء في هذه المجالات تدار بشكل علمى عملي ورقابة مركزية ، وحتى لا تتحول هذه الدورات إلى مجرد ورقة توضع في ملف المواطن ولكن يجب أن يكون هناك رقابة صارمة على الحضور والانصراف و رقابة الإلكترونية مركزية مصوره للتأكد من الحضور . والجزء الثاني فأقترح أن تكون هناك مشروعات قومية تتكامل فيه وتندمج المشروعات الكبرى مع المشروعات متناهية الصغر والصغيرة .. ولنأخذ مثالاَ فى إنشاء مصنع لإنتاج الألبان ومنتجاتها فيتم إختيار موقع ذات ميزة نسبية للمشروع من وتوفر العمالة والقرب من الطرق الرئيسة…إلخ. ويتم إخيار المواطنين والأسر وفقا للشروط والقواعد الموضوعة ، ويتم توزع الماشية والأغنام عليهم ووفقا للضمانات وتحت رعاية بيطرية ، على أن تجمع الألبان الى المشروع الرئيس وإتمام عمليات الإنتاج. وهو ما يمكن أن أطلق عليه المشروعات المتكاملة المجزأه. وبالتالي يتم تلافي المشكلات التي تعاني منها المشروعات متناهية الصغر وخصوصا في مجال التسويق.
وتدعم هذه الفكرة دخول جميع الاعمار والجنسين وكذلك دمج ذوى المهارات الضئيلة وغيرهم ممن لا يستطيعون الإندماج فى مجالات العمل لأسباب مختلفة.
والخلاصة .. أن الفقر يعتبر أحد الآفات التى تعوق تحقيق التنمية المستدامة وتسبب زيادة المشكلات الإجتماعية مثل البطالة والجرائم والفساد والتعديات ..إلخ ، وتعمل الدولة المصرية وفقا لإستراتيجية التنمية المستدامة 2030 إلى إنهاء والتخلص من الفقر بدرجاته والذى من شأنه أن يعود على المواطن والدولة فى رفع مستوى المعيشة وتقليل والحد من المشكلات الإجتماعية المزمنة ، مع الأخذ فى الإعتبار ومراعاة البعد الإجتماعى والتفرقة بين الفقير غير القادرعلى الكسب من كبار السن وذوى الأمراض والحالات الخاصة والذى تتبناهم الدولة للعيش حياة كريمة وبين الفقير القادر على الكسب… ويحتاج هذا الأمر إلى تضافر الجهود وزيادتها سواء من الدولة والمجتمع المدنى أو المواطنين ومن خلال إستراتيجية متوازنة للتوعية وتطبيق القانون من ناحية والمشاركة المجتمعية المادية وغير المادية من ناحية أخرى.