900
900
مقالات

الإستفادة من تجربة الصين فى التنمية الإقتصادية

900
900

بقلم / منجي على بدر
الوزير المفوض والمفكر الاقتصادى

قدمت الصين نموذجًا فريدًا لتحقيق التنمية الاقتصادية خلال فترة زمنية وجيزة وخروج مئات الملايين الصينيين من دائرة الفقر، الأمر الذى جعل التجربة الصينية فى التقدم والصعود كقوة اقتصادية كبرى ذات أهمية عالمية ومغزى خاص للدول النامية كونها مثالاً يحتذى به وتجربة مغايرة للنظام الغربي .
-نجاح الصين فى التنمية الاقتصادية :-
اتخذت القيادة الصينية برئاسة السيد دينج شياو بينج قرارًا هاما فى نهاية عام 1978، بالبدء فى الإصلاحات الزراعية وفتح الأبواب أمام الاستثمار الأجنبى، وأخذ الاقتصاد الصينى ينمو بوتيرة متسارعة وبلغ متوسط النمو السنوى 10% خلال الأربعة عقود الماضية مما أدى إلى إحداث تحول شامل وبعيد المدى فى المجتمع الصينى وتحقيق نهضة اقتصادية غير مسبوقة ومعجزة تنموية , فتبوأت الصين ثانى أكبر اقتصاد فى العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية، إذ بلغ الناتج المحلى الإجمالى للصين حوالي ٢٠ تريليون دولار.. كما أصبحت أكبر دولة فى العالم من حيث حجم التجارة الخارجية وأكبر مصدّر وثانى أكبر مستورد فى العالم، حيث بلغ إجمالى حجم الصادرات والواردات الصينية 4.65 تريليون دولار عام 2020. وباتت الصين “مصنع العالم”، وتغزو منتجاتها الصناعية أسواق العالم وأصبحت الصين أكبر شريك تجارى لـ 130 دولة فى العالم. وقفز ناتجها المحلى الإجمالى مما يعادل 6% من ناتج الولايات المتحدة الأمريكية عام 1981 إلى أكثر من 70% فى عام 2021، وهى مازالت تمضى قدمًا فى تقليص الفارق، ومن المنتظر أن تتجاوز الولايات المتحدة الأمريكية عام ٢٠٣٠ .
المعجزة التنموية الصينية:
أدهشت المعجزة الاقتصادية التى أحزرتها الصين العالم ويتساءل عما إذا كانت تجربة الصين فى التنمية نموذجًا يُحتذى به للدول النامية ؟ ويرجع نجاح الصين فى التنمية إلى عوامل عديدة منها داخلية، مثل الدور المحورى الذى تلعبه القيادة والحزب الحاكم فى عملية التنمية ومنها خارجية، مثل: موجة العولمة الاقتصادية التى وفرت ظروفًا مواتية للصين .
ومنذ اتخاذ الصين لسياسة الإصلاح والانفتاح، كانت القيادات الصينية المتعاقبة تتمسك بالتنمية باعتبارها القضية الأولى والمركزية، إلى جانب قضية القضاءعلى الفقر.
وقد ارتكزت الإصلاحات الاقتصادية الصينية فى بداية الأمر على زيادة الإنتاج الزراعى والصناعى واستكمال إنشاء البنية التحتية فى الريف والحضر وإنشاء نظام حوكمة الشركات الحديثة مما أرسى أسسًا راسخة للتنمية الاقتصادية المستدامة , وكما يقول المثل الصينى: “تمهيد الطرق بداية الثراء”، و”لا استقرار بدون الزراعة، ولا ثروة بدون الصناعة” مما يدل على مدى اهتمام الصينيين بتطوير البنية التحتية والقطاعات الاقتصادية الأساسية.
ولاتؤمن الصين بالإصلاحات الجذرية الصادمة والحلول السريعة إنما اتبعت الأسلوب التدريجى، وهو الطريق الذى جنب الصين مخاطر التغير الاجتماعى المفاجئ وضمن لها الاستقرار , فسياسة الانفتاح التى تنتهجها الصين جرى تطبيقها، فى بداية الأمر، فى أربع مدن ساحلية فقط، ثم امتدت التجربة إلى 14 مدينة واقعة على سواحل البحار والأنهار، ثم تطبيق سياسة الانفتاح فى جميع المناطق الصينية.
كما فتحت الصين أبوابها على العالم بشكل كامل حرصًا منها على تحسين العلاقات مع العالم الغربى، وانتهاج سياسة حسن الجوار مع البلدان المجاورة، واعتنقت الصين مبادئ العولمة بل أضحت أقوى مدافع عنها، إذ تحولت الصين من اقتصاد معزول عن النظام الاقتصادى العالمى -بعد الانضمام إلى عضوية منظمة التجارة العالمية عام 2001- إلى فاعل نشيط وأكبر مستفيد من العولمة، حيث نجحت الصين فى اجتذاب رصيد هائل من الاستثمار الأجنبى واستضافت كبريات الشركات العالمية مما أدى إلى الاستفادة من التقدم التكنولوجى على أرضها فتعلمت منها عن قرب التكنولوجيا العالية وأساليب الإدارة الحديثة وبذلك ارتفعت القدرات التنافسية للشركات الصينية فظهر العديد من الشركات الصينية القادرة على خوض المنافسات الدولية.
وفى السنوات الأخيرة، طرح الرئيس شى جين بينج مبادرة “الحزام والطريق” بهدف تحقيق التنمية المشتركة مع الدول النامية خاصة تلك الواقعة على طول طريق الحرير الجديد، عن طريق الاستثمار فى بناء مشروعات البنية التحتية والمساهمة فى عملية التصنيع وتيسير التجارة البينية وتعزيز التعاون المالى ,
وتلعب الشركات المملوكة للدولة دورًا رئيسيًا فى الصناعات الاستراتيجية وتتحكم فى شرايين الاقتصاد الصيني أما أغلب القطاعات فيقوم فيها القطاع الخاص والمشترك بالدور الرئيسى , مما أدى إلى تفوّق العديد من الشركات الصينية فى مجال الاتصالات والتسويق الإليكترونى والدفع الإليكترونى والطاقة المتجددة والذكاء الاصطناعى وغيرها من المجالات.
مشاكل التجربة الصينية:
لاتخلو التجربة الصينية من بعض السلبيات، حيث تحتوى إلى جانب النجاحات عددًا من المشاكل أيضًا حيث يوجد تباين فى مستويات التنمية بين مناطق مختلفة فى البلاد، والتفاوت فى الدخل بين سكان المدن وسكان الأرياف، وتسعى الصين حاليًا إلى تحقيق الرفاهية بهدف تقليص الفجوة بين المناطق المختلفة.
ويعدّ تلوّث البيئة والاستهلاك المفرط للطاقة من الآثار السلبية للتنمية الصناعية. وفى ضوء التعهدات الصينية فى بلوغ أهداف الحياد الكربونى بحلول عام 2060.. تبذل الصين حاليًا جهودًا حثيثة لخفض الانبعاثات الكربونية للمساهمة فى الجهود الدولية فى مكافحة التغيّر المناخى ومعالجة البيئة .
وأيضا من أهم المشاكل الناجمة عن التنمية الاقتصادية فى الصين أن قطاع العقارات قد أصبح من أهم القطاعات فى الاقتصاد ومصدرًا رئيسيًا للدخل الحكومى، مما جعل أسعار البيوت مرتفعة خاصة فى المدن الكبرى كبكين وشانغهاى، وباتت المضاربات فى سوق العقارات أمرًا شائعًا.
وبدأت الصين تعانى من قلة الأيدى العاملة بسبب تنفيذ سياسة “الطفل الواحد” لسنوات طويلة رغم أنها قد سمحت حاليا بطفلين حتى ثلاثة أطفال لكل أسرة، وهو الأمر الذى قد يؤثر سلبًا على التنمية الصناعية.
وفى الختام ، فإن التجربة التنموية الصينية رغم نجاحها لا تقدّم حلولاً جاهزة لدول أخرى ولا يمكن تطبيقها فى بلد آخر دون تعديل، وعلى كل دولة أن تستكشف نمط التنمية المناسب لها مستفيدة من دروس وتجارب الدول والأمم الأخرى ووفقًا للظروف المحلية لكل دولة.

اترك تعليقك ...
900
900
زر الذهاب إلى الأعلى