المملكة واللغة العربية.. الروح والجسد
كتبت / علا عبد الهادي
دأبت المملكة ومنذ نشأتها على إيلاء اللغة العربية عناية فائقة، كيف لا وهي لغة الدين ولسان القرآن الكريم، وبها نزل الروح الأمين، ولذلك حرص ملوك هذه البلاد المباركة بدءا من الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن، مروراً بأبنائه الملوك – رحمهم الله جميعا – ووصولاً لعهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود – حفظه الله- على الحفاظ على اللغة العربية ودعم تعليمها وانتشارها على الأصعدة كافة.
يقول خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود – حفظه الله -“إن من أجلِّ النعم على أمة الإسلام نعمة القرآن الكريم الذي نزل بلسان عربي مبين. قال تعالى: (إنا أنزلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون)، فقد حفظ هذا الكتاب المبين لأمة العرب لغتها، ولأمة الإسلام طريق الخير والهداية وسائر الأحكام، ولشبابها أحسن الأخلاق والآداب، ثم إن من النعم الكبرى التي تستوجب الشكر أننا نعيش في دولة أُسست على هدى من كتاب الله الكريم، وسنة رسوله الأمين صلى الله عليه وسلم، تطبق شرعه، وتقيم حدوده، وتلتزم عقيدته في سائر تعاملاتها الداخلية والخارجية”.
ونظراً لأهميتها الكبيرة؛ يحث الملك سلمان – أيده الله – المواطنين والمواطنات على تعلم اللغة العربية، حيث يقول حفظه الله: “يجب على المواطن، وخاصة الشباب والشابات، أن ينهلوا من لغتهم العربية؛ ليتمكنوا من خدمة دينهم ووطنهم أكمل الخدمة، وعليهم أن يحذروا من الشوائب والمفردات التي لا تتفق مع اللغة العربية، أو تُؤثر سلباً، فلغتنا العربية ذات معجم ثري، ومفردات خلاقة جميلة، تستطيع التعبير بوضوح عن مكنونات النفس بمختلف الصور، وتحوي كوامن الإبداع، وهي سهلة لكل من تمكن منها، ثرية غاية الثراء في الكلمات والمعاني والمفردات”.
واللغة العربية – بحسب ما أوضح عضو هيئة التدريس في كلية الملك خالد الدكتور صالح الشثري- لغة حضارة وثقافة، وقبل ذلك لغة الدين القويم، وهي لغة عالمية كبرى شملت المعتقدات والثقافات والحضارات، ودخلت في مختلف المجتمعات العالمية.
وجاءت العناية باللغة العربية في المملكة العربية السعودية سواء في القطاع الحكومي، أو الخاص إيماناً بالواجب الديني الذي يمثل الارتباط بين اللغة والدين، وحفاظاً على هوية الأمة ومستقبلها، ومكانتها المرموقة بين الأمم، وتأكيداً على أن اللغة وسيلة لتقدم الأمة وازدهار علومها، وشعوبها.
ويستشهد الدكتور الشثري بمحافظة المملكة على اللغة العربية، بقوله:” أول ما نقف عنده النظر في المادة الأولى لنظام الحكم في المملكة التي ورد فيها: (المملكة العربية السعودية دولة عربية إسلامية ذات سيادة تامة، دينها الإسلام، ودستورها كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ولغتها هي العربية، وهذا يؤكد ويعزز مكانة المملكة في العالم العربي والإسلامي في العناية بلغة القرآن الكريم، فهي مهبط الوحي، ومستقر الحرمين الشريفين، وعلى ثراها الطاهر سجل التاريخُ المشاهد والأحداث في عصر النبوة”.
ومن هنا جاءت جميع الأنظمة والقرارات لتؤكد الالتزام باللغة العربية في التعليم، ووسائل الإعلام، وفي كل التعاملات الحكومية والقطاع الخاص، هذا في جانب السياسة العامة للمملكة.
واضطلعت المملكة بخدمة اللغة العربية وحفظها ورعايتها، بل حرصت كل الحرص على تعليمها لغير الناطقين بها، حتى بزغ نجم المملكة في تلكم الجهود العالمية، فنالت مكانة واهتماماً على المستوى الحكومي والشعبي، فأصبح بين المملكة واللغة العربية علاقة الجسد بالروح، فهي موطن العربية الأول وفيها ترعرعت ومنها انتشرت.
وقد اعتنت المملكة ولا تزال بنشر ودعم اللغة العربية في الوطن العربي، وفي أرجاء العالم كافة، وكان لهذه الجهود ثمار مباركة في كل قارات العالم، فقد تم إنشاء المعاهد الخارجية المختصة بتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها، وافتتاح الأكاديميات والمدارس السعودية في الخارج التي تعلم اللغة العربية، ودعم المنظمات الدولية في تعليم اللغة العربية، كجامعة الدول العربية، ومنظمة الإيسسكو، وغيرها من المراكز والمعاهد الثقافية حول العالم، وإنشاء مجمع عالمي متخصص في خدمة اللغة العربية باسم “مجمع الملك سلمان العالمي لخدمة للغة العربية”، وإنشاء الكراسي العلمية المتخصصة في تعليم اللغة العربية في عدد من الجامعات العالمية، واستقطاب عدد كبير من الطلاب لدراسة اللغة العربية في الجامعات السعودية، والمساهمة في إعداد معلمي اللغة العربية وتطوير قدراتهم عبر الدورات التدريبية المتخصصة لمعلمي اللغة العربية لغير الناطقين بها.
مما لا شك فيه أن هذه الجهود المباركة التي عمت كثيراً من الأقطار العربية وغير العربية، كان لها ثمار ونتائج طيبة يشاهدها القاصي والداني.