بقلم / أحمد عبد الحليم
بعد التقليد الأعمى من البعض للغرب واستخدام بعض الكلمات غير العربية إثناء تخاطبهم، أصبحت اللغة العربية في خطر، ورغم إن الجميع يدرك أهميتها ومكانتها الكبيرة خاصة بعد أن أنزل الله تعالى “القرآن الكريم” بلغة العرب لفهم ما به من تشريعات وتعاليم الدين، إلا أن هناك من يخرج من عباءته بذكر ألفاظ من لغات أخرى ومع الأسف أصبح منهج مع العديد من الناس بدون دراية إن ذلك يشكل خطراً على لغتنا الجميلة، الأمر الذي يقتضي وقفة وإعادة نظر من الجميع حتى تظل اللغة العربية على ألسنة أهلها العرب بكل بلاعتها وجمال محسناتها، وفي سطور هذا المقال سنتعرف على أهمية وتاريخ لغتنا الجميلة وكيفية الإعتزاز بها وحمايتها من دخول الألفاظ الغريبة عليها.
تتميز اللغة العربية بقدرتها على التعريب وإحتواء الألفاظ من اللغات الأخرى بشروط دقيقة معينة، وفيها خاصية الترادف، والأضداد، والمشتركات اللفظية، وتتميز كذلك بظاهرة المجاز، والطباق، والجناس، والمقابلة والسجع، والتشبيه، وبفنون اللفظ كالبلاغة الفصاحة وما تحويه من محسنات، الذي أبدع من خلالها شعراء العرب وتركوا لنا جواهر الشعر على ألسنتهم، ونستشهد بها حتى الآن.
كما تُعد أكثر لغات المجموعة السامية تحدثاً، وإحدى أكثر اللغات إنتشارًا في العالم، ويتحدث بها أكثر من 422 مليون نسمة منهم 298 مليوناً في الوطن العربي، ورغم ذلك إلا إن الأجيال المعاصرة جنحت بفكرها وتطلعاتها إلى إستخدام اللغات الأجنبية من باب التقليد الأعمى والتباهي بلغات الغرب من جهة وتعدد اللهجات العربية ومكتسبات مُفتعلة من ذويهم من جهة أخرى، وكان لذلك الأثر السلبي في المجتمع العربي ولغته العربية الجميلة، ومع الأسف أوشكوا على نسيانها، ولكن واجب علينا أن بذل كل الجهد لعودتها وإستدامتها من جديد.
مع الأسف الشديد، إذا سمعنا أي حوار بين شخصين نلاحظ فيه كلمات كثيرة دخيلة وليس لها أساس في اللغة العربية، بهدف التقليد الأعمى ما يدل على عدم الإنتماء للغتنا العربية، رغم أن أصحاب اللغات الأخرى لديهم تمسك بها فمثلاً السياح المسافرين لليابان يواجهون مشاكل في إن اليابانيين يرفضون التحدث بالإنجليزية حتى ولو كانوا يعرفونها نظراً لإنتمائهم وتمسكهم بلغة بلدهم، وأيضاً الألمان تجدهم لا يتعاملون إلا بلغتهم ويعتزوا بها إلا للضرورة القصوى، وكذلك البريطانيين عندهم تعصب شديد بلغتهم البريطانية، ونفس الشيء مع الفرنسيين وغيرهم، فلماذا لا نعتز ونتمسك نحن العرب بلغتنا العربية ؟
نلاحظ إن كثير من الناس يتباهى بالكلمات الإنجليزية فمثلاً: الأم تقول لإبنتها لبستي “الشوز” والزميلة تمدح زميلتها “الميك أب” بتاعك يجنن!، و”الهاند باك” لونه جميل! وهعزمكم اليوم على “تيك أواي”، وأكيد إنكم لاحظتم أكثر من ذلك، فلا يليق أن ندخل كلمات غربية غريبة على لغتنا ومسامعنا تبعدنا عن لغتنا العربية الجميلة، بل يجب التمسك بلغتنا العربية الجميلة وأن يكون لدينا إنتماء لها.
أما على مواقع التواصل الإجتماعي فحدث بلا حرج، وعلى سبيل المثال وليس الحصر نجد شخصين من العرب بنفس الجنسية يتحدثون مع بعضهما بالإنجليزي!! ، طيب ليه؟ لو فرضنا إنهما يتدربون على اللغة الأجنبية ليطورون من أنفسهم سوف نقول كلام مقنع ولكن نجد الكثير منهم ليس كذلك، فلا أقصد أن نتحدث بالفصحى كما كانت في الجاهلية ولكن على الأقل الفرد منا يكون لديه إعتزاز بلغته حتى لا تضيع عراقة لغة أجدادنا.
ومن الغريب أن يبتعـد الشباب الصغير عن لغتهم العربية ببعض الألفاظ التي يطلقون عليها (روشنة) مثل (نفضله، وقصر، وبيس يامان، وشهيص) وغيرها، من قاموسهم المُحرف الذي يفتك باللغة العربية، وكذلك الكلمات المتكررة الدخلية على اللغة والتي يسمعها الشباب في التلفاز والتي تأتي في المسلسلات والأفلام والإعلانات، وعلى ذلك إنحدرت وسيلة التخاطب بين الشباب إلى القاع وهذا ما يؤثر تأثيراُ سلبياً على المجتمع العربي ككل، هذا بالإضافة إلى أن كثير من الشباب ضعاف القراءة والإملاء لا يعرفون أبسط شيء فيها وهي علامات الترقيم؛ وهذه كارثة أخرى يجب إعادة النظر فيها.
يجب أن نتحدث بطريقة طبيعية بدلاً من الكلام بلغة مكسرة لا يعرفها الناس، وعدم اللجوء لألفاظ دخيلة من أي لغة غير العربية، حيث نجد في أغلب الأحيان من يأتي بكلمة أو جملة باللغة الإنجليزية في حديثه وإذا تخاطبنا معه بنفس اللغة نكتشف أنه لا يعرف سوى هذه الجملة ويعود للتحدث باللغة العربية من جديد وبذلك يضع نفسه في إحراج شديد!!
من المؤكد يستحيل حفظ اللغة العربية من الألفاظ الغربية والدخيلة عليها وكل ما يفعله أساتذة اللغة العربية والمتخصصون هو تنقيتها من الألفاظ الشاذة، حيث أن اللغة العربية لها قواعد تنظمها وتحميها ونتيجة لعدم إتقان الشباب للغة العربية انصرفوا عنها توجهوا للغات الأجنبية “الإنجليزية – الفرنسية – الألمانية”،وإستخدموها في حوارهم علي مواقع التواصل الإجتماعي، فلابد أن نسعى جاهدين لتعليم أبنائنا وشبابنا اللغة العربية من الصغر ونشجعهم علي القراءة، حيث أن كثير من الشباب يقضي ساعات أمام التلفاز والحاسب الآلي ولا يصبر علي قراءة الكتاب لمدة ساعة، فيجب على الشباب تخصيص جزء من وقتهم للقراءة حتى تتحسن لغته.
نعلم أن القوانين ليست الوسيلة لحماية اللغة من الألفاظ الغربية والشاذة التي يستخدمها الكثيرون في حوارهم، وإنما تدريسها بالطرق الصحيحة هو الطريق الأمثل للحفاظ عليها وحمايتها، وعلي الرغم من تشريع قوانين لحماية اللغة العربية، إلا إنه لا يتم تطبيقها وتفعيلها علي من يسيئون استخدامها.
من المؤكد أن هناك معـوقات تواجه اللغة العربية وتضربها في مقتل، وأهمها الإزدواج اللغوي بين العامية والفصحى والركاكة في الألفاظ، مما دفع مجمع اللغة العربية لطرح بعض الألفاظ الصحيحة ولكن الناس لازالت تستخدم الألفاظ العامية والركيكة، فلابد أن نعمل بكل طاقتنا لتأهيل اللغة العربية لتواجه متغيرات العصر؛ فليس لنا أدوات لفرض اللغة العربية علي ألسنة الناس وبالتالي الوسيلة الوحيدة هي الدراسة الجيدة بمراحل التعليم الأولى وتطويرها مع التوجيه والتوعية بداية من الأسرة إلى المؤسسات التعليمية وذلك لعودة لغتنا الجميلة لمجدها ومكانتها، وذلك من خلال طرح المزيد من برنامج لتدريس مهارات القراءة والكتابة بطريقة لها نتاج إيجابي في المستقبل.
بلا شك أن اللغة العربية تحتضر لعدم الاهتمام بها، فلابد من إحيائها باعتبارها اللغة الرسمية للدولة طبقاً للدستور، ويجب تنمية مهارات القراءة والكتابة بداية من النشء بتشكيل الكلمات لنطقها بالنطق الصحيح ومحو أمية من ترك التعليم، وذلك من أجل النهوض باللغة العربية في البلاد.
ومن جانب الإهتمام باللغة العربية، حافظت مصر عليها وأعطتها إهتماماً كبيراً، حيث أنشأت هيئات متخصصة كمجمع اللغة العربية الذي أنشئ خصيصاً للحفاظ علي اللغة العربية وآدابها والحرص على مواكبة لغات العصر الحديث، والتعبير عن مستحدثات اللغة وفتح الباب للتعريب والتوليد بحساب تفرضه ضرورة المعاصرة، وكان ختام فعاليات مؤتمر مجمع اللغة العربية مايو2022، الذي احتضن عدة فعاليات وآخرها محاضرة بعنوان “تجربة السودان في تعريب العلوم التطبيقية وتدريسها: الماضي والحاضر والمستقبل، ومحاضرة بعنوان “تجربة الجزائر في تعريب العلوم: النتائج، والمشكلات، والحلول”، ومحاضرة بعنوان”حركة الترجمة في ليبيا”، ومحاضرة بعنوان “ترجمة العلوم وتعريبها نحو رقمنتها بتقنية الذكاء الاصطناعي”، ومحاضرة بعنوان “التعريب بين واجب العلماء ومسؤولية الدول العربية”، وأخرهم الملتقى العلمي الرابع عشر لهيئة كبار العلماء في إطار الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية الذي يوافق ١٨ من ديسمبر من كل عام، وفي إطار ما تقوم به الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء من جهود علمية تهدف للحفاظ على هوية الأمة، فلماذا بعد كل هذه الفاعليات هذه نلجأ إلى ألفاظ من غير اللغة العربية؟.
وأخيراً يجب إلقاء الضوء على ضرورة الإهتمام باللغة العربية، في يوم الإحتفال بعيدها الذي ينعقد كل عام في نفس الوقت، وذلك بالإعتزاز والتمسك بها، لانها لغة “القرآن الكريم” ولغة رسولنا صلى الله عليه وسلم ولغة عدد من الأنبياء، كما يجب تطبيق وتفعيل القوانين الخاصة بحماية اللغة العربية علي من يسيئون استخدامها، ونشر برامج لتوعية الناس وحثهم على الإنتماء للغتهم اللغة العربية، والتوجيه والمتابعة بداية من الأسرة ومروراً بالمؤسسات التعليمية ودور العبادة وتضافر كل الجهود من مؤسسات المعنية بالدولة، وأن تتبنى الجهات المختصة الشباب ضعاف القراءة والكتابة لمحو أميتهم، حتى ترجع لغتنا الجميلة لحضن أبنائها بدون أي إضافة دخيلة من لغات أخرى، فلماذا نلجأ إلى لغة غريبة علينا؟ ولدينا لغتنا الجميلة!!.