قراءة في رواية الأرملة للأديبين ديمة السّمان وجميل السّلحوت
بقلم / هناء عبيد
صدرت هذا العام 2023 الطبعة الأولى من رواية “الأرملة” للأديبين ديمة السمان وجميل السلحوت عن مكتبة كل شيء حيفا، وهي من تصميم شربل إلياس، تقع الرواية في ٢٢٧ صفحة من الحجم المتوسط.
كما هو واضح من العنوان أن ثيمة الرواية تتحدث عن ظاهرة اجتماعية تخص السيّدات في بلادنا العربية، فما زالت مجتماعتنا لا تنصف السيدة الأرملة، حيث أنّها تتعرض إلى المضايقات المستمرة الّتي لا ترحم.
نتعرف من خلال هذه الرواية على سيدتين أرملتين؛ وردة وندى. وردة الشابة الجميلة الّتي لفتت أنظار شباب الجامعة لجمالها، تتزوج وتنجب طفلين وتعيش السعادة مع عائلتها؛ لكن الأقدار تصدمها وتأخذ منها زوجها الّذي احتل مكانة كبيرة في قلبها، فيتركها بحسرتها وبرفقة طفليهما.
تبدأ معاناتها مع نظرة مجتمعها العربي الّذي يجلد أعضاءه المرأة الأرملة، فتلاحقها أعين الطامعين وتنال منها أسواط ألسنة الثرثارين الذين يجدون من التدخل في حياة وردة مادة دسمة تشبع فضولهم وعشقهم للثرثرة.
وتظل العادات متشابهة في كل البلاد العربية، حيث يتم دومًا عرض فكرة الزواج على الأرملة لأنه أفضل لها ولأطفالها حسب رأيهم. وهذا ما حدث لوردة الّتي اقترحوا عليها الزواج من عمر أخي زوجها المتوفى للحفاظ على الأطفال في ظل حنان عمهم، كما عرضت عليها صديقتها وسيلة الزواج من رجل أرمل، ويستمر الأمر فيطلب الزواج منها أحد الأساتذة “شادي” وهو في الخمسين من عمره، لكنها تسخر منه بقولها له: ابنتك من جيلي.
وتستمر المعاناة مع ندى، الّتي نتعرف عليها في البداية من خلال قصة جانبية، حيث يتهم والدها صلاح بسرقة الخزنة في العمل زورًا وبهتانًا، ويتم اكتشاف السارق، حيث يكون صديق وزميل صلاح بالعمل، قام بالسرقة بسبب غيرته فهو يعتقد أنه الأحق بالوظيفة من صلاح في رئاسة القسم. تصدم صلاح شاحنة ويموت فتتحكم زوجته منال (زوجة أبي ندى) بمصير ندى الّتي تفرض عليها الزواج من صقر، فتمر بأقسى أنواع المعاناة مع زوجها الّذي طال ابنته براء فنجده يضربها لأنها تعرفت على شاب بالميديا، ويأمرها أن تتزوج جاره الأرمل الستيني أبو الفضل، لكن تشاء الأقدار أن يموت صقر بسبب سقوطه من أحد المباني.
بعد وفاة صقر زوج ندى، تتعرض إلى قسوة المعاملة حتى من أقرب صديقاتها وجاراتها، إذ توقفن عن الحديث إليها ودعوتها إلى المناسبات الاجتماعية، فكل واحدة أصبحت تخشى على زوجها منها ومنهن أم عارف التّي حذّرتها الجارات من ندى بسبب مساعدة أبي عارف لها من منطلق الأخوة وأن الجار للجار.
تعرضت الرواية أيضا إلى المضايقات الّتي تتعرض لها الأرملة بسبب ألسن الناس والّتي شملت المتعلمين منهم، فما جرى في المدرسة يدل على جهل العادات والتقاليد الّتي لم تستطع الثقافة كبح جماحها.
أيضًا تعرضت الرواية الى جرائم الشرف من خلال قصة وضحى الأرملة التي قتلها أخاها لأنها ابتسمت في وجه بائع الخضار،
كما أن الرواية أظهرت أن بعض أبناء الأرامل قد تظهر القسوة على تصرفاتهم لخوفهم على أمهاتهم ونرى ذلك من خلال شخصية صخر الّذي حولته الظروف الّتي عاشها بكنف أمه الأرملة إلى شخص قاس حتى مع زوجته ندى وابنته براء.
تظهر الرواية قوة المرأة الفلسطينية، وهذه حقيقة فهي ذات شأن في فلسطين وفي المهجر وربما يعود ذلك إلى التحديات التي واجهتها، فكل قضية مهما كبرت تصغر أمامها، لاحظنا ذلك بوضوح حينما استطاعت وردة أن تتحدى المجتمع وتستمر في عملها، كذلك الحال مع ندى الّتي حاولت الالتحاق بجامعة القدس المفتوحة في العيزرية لإكمال دراستها بتشجيع من ابنتها براء.
ولم تبالغ الرواية في هذا الجانب، إذ أن هناك العديد من قصص نجاحات كبيرة في الواقع لأرملات لم يستطع أن يفرض المجتمع عليهن هيمنته بعاداته وتقاليده الظالمة، فالإنسان يكمن في داخله مارد عملاق يخرج بعد الانعتاق من سجن العادات ليسجل انتصاراته كما ذكرت براء في الرواية.
تلتقي حكاية وردة وندى في الفصل المعنون باسميهما، حيث تلتقيان بسبب براء ابنة ندى، فقد كانت وردة معلمتها في دار الطفل العربي. تشترك وردة وندى في إنشاء روضة تعتمد المناهج الفلسطينية غير المزورة للتاريخ و بعيدًا عن المناهج المروجة لرواية الصهيونية الّتي تخدم أهدافهم الاحتلالية.
القضية الفلسطينية في الرواية
وكما معظم الروايات الفلسطينية، لا بد من التركيز على القضية الفلسطينية وتبعاتها وما يتعرض له الشعب الفلسطيني من تعذيب وظلم على يد الاحتلال. يظهر ذلك جليًا من خلال بعض الحكايات والنصوص الّتي تساند هذه الجانب، منها قصة الفتي المقدسي الذي لم يتجاز عمره الثالثة عشرة عامًا والّذي تعرض إلى الضرب من قبل جنود الاحتلال في ساحة الأقصى، ومن ثم اعتدائهم على عنان الذي حاول إنقاذ الطفل، فزجوه في سيارة حرس حدود ثم نقلوه إلى سجن المسكوبية إضافة إلى أخيه الذي انتهت حياته شهيدًا برصاصة في رأسه .
أيضًا توضيح فرض الاحتلال للمناهج الصهيونية التي تحاول تزوير التاريخ ومناهضة ذلك بإنشاء روضة تديرها كل من وردة وندى.
كذلك التركيز على محاولة الاحتلال الدائم بالحفر تحت الأقصى بحجة وجود أماكنهم الدينية. ولم تغفل الرواية مدينة القدس التي تتعرض إلى التهويد ومحاولة نزع طابعها العربي والإسلامي ومحاولة تفريغها من سكانها الأصليين الفلسطينيين وفرض الضرائب الباهظة عليهم.
المكان في الرواية
وكما هو الحال في معظم الروايات الفلسطينيّة لا بد أن تتطعم الأحداث بالأماكن وتاريخها، وتظل القدس حاضرة بمعالمها وحضارتها وتميزها ففي الصفحة ١٦٢ نجوب مع براء في رحاب القدس وهي تصفها لنا حين نزولها عند باب العمود، فنستمتع معها بهوائها وأزقتها وحواريها، حيث أنغام أصوات الباعة وهم يسوّقون ما عندهم من بضائع، وروائح القهوة والتوابل المختلفة عند مدخل سوق العطارين. ثم باب خان الزيت حيث الأعمال المطرزة اليدوية التي تعكس حضارة وثقافة الشعب الفلسطيني.
ولا بد من ذكر المسجد الأقصى وما حل به من حفر أنفاق لإيجاد هيكل سليمان المزعوم، كما نتعرف على شعفاط وما حل بها، فبعد أن كانت ريفًا أصبحت حارة من حارات القدس، تحيط بها المستوطنات اليهودية وتشوه براءتها.
أيضًا نتعرف على بعض المطاعم في القدس مثل الكولونية الأمريكية وفيلادلفيا وعلى بعض المعالم والمستشفيات والحارات والشوارع، مثل مستشفى جمعية المقاصد الخيرية ومستشفى الهلال، وحارة الشيخ جراح والسعدية، وباب الساهرة والمسرح الوطني الفلسطيني، الفندق الوطني في شارع الزهراء، وشارع صلاح الدين، نجوب في بعض المدن منها العيزرية، أبو ديس، كفر عقب، بيت حنينا والأسعار المرتفه للأراضي والمباني فيها.
الشخصيات في الرواية
وردة وهي إحدى الشخصيات الرئيسية في الرواية، تمتاز بقوة شخصيتها التي تحدت المجتمع الذي يحاول إعاقتها من التقدم لأنها أرملة، لكنها تقف بصلابة أمام العادات والتقاليد البالية بعلمها وذكائها، وقد تعرفنا عليها من خلال الحوارات الداخلية والخارجية في الرواية.
ندى هي الشخصية الرئيسية الثانية في الرواية، وقد ظهرت ضعيفة حينًا وقوية حينًا آخر، تعرفنا عليها من خلال المواقف المتعددة التي مرت بها
صخر يمثل الشخصية القاسية التي تأثرت بقسوة المجتمع على أمه الأرملة؛ فنجده يمارس القسوة على زوجته وأبنائه وهو أيضًا كان ضحية للمجتمع في صغره.
عنان؛ الشخص الشهم الوطني الذي أحب ندى في شبابه، وقد تصدى للاحتلال حينما حاول إنقاذ الطفل الّذي تعرض للضرب في باحات الأقصى.
تقنية السرد
اعتمدت الرواية السرد الكلاسيكي، وقد ارتكزت على الحوار الخارجي الذي تعرفنا من خلاله على الشخصيات، كما أنها اعتمدت الحوار الداخلي الذي عبر عن هواجس أبطال الرواية، احتوت الرواية على بعض القصص الجانبية والحكايات التي تفرعت لخدمة النص.
اللغة جاءت من النوع السهل الممتنع وقد كانت شاعرية في بعض الأجزاء.
كما اعتمدت الرواية على العديد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وبعض الأمثال الشعبية
رواية توثيقية تضيف قيمة ثرية إلى رفوف المكتبات العربية.