المصريون والأسعار / تشخيص وعلاج
بقلم / د منجى على بدر
الوزير المفوض والمفكر الاقتصادى
وعضو الجمعية المصرية للأمم المتحدة
ارتفعت أسعار السلع والخدمات فى مصر بمعدلات مبررة وغير مبررة وتكاملت أسباب الارتفاع بين دولية ومحلية وسلوك بعض المصريين سواء كانوا منتجين أو مستهلكين.. واستمرأ البعض الوضع الراهن وبالغ فى معدلات أرباحه واستمر البعض الآخر فى سلوكه وتعليقاته السلبية وألقى باللوم على الحكومة دونما فهم للأسباب الحقيقية .
وعالميا فقد بلغت معدلات التضخم وفقًا لصندوق النقد الدولي 8.8% في عام 2022 وهو أعلى مستوى للتضخم على مدار 25 عامًا، مقارنةً بمعدل للتضخم نسبته 4.2% خلال الفترة 1997-2021، بل إن معدلات التضخم بلغت في بعض دول العالم أعلى مستوياتها في 40 عامًا، وارتفعت معدلات التضخم في نصف دول العالم إلى 10% أو أكثر، وبلغت مستوى 100% أو أكثر في بعض البلدان الأخرى في عام 2022.
وتعود الموجة التضخمية العالمية الحالية لاستمرار جائحة كوفيد-19 للعام الرابع، والصراع الروسي-الأوكراني للعام الثاني، وتشديد السياسة النقدية لبعض الدول وخاصة الولايات المتحدة الامريكية وما نتج عنها من ارتفاعات قياسية لأسعار الفائدة على مستوى العالم .
وتسبب استمرار الصراع الروسي-الأوكراني في حدوث انتكاسة للتعافي الاقتصادي الضعيف من جائحة «كوفيد-19»، وكذا زيادة أسعار المواد الغذائية والطاقة نتيجة تعطُّل سلاسل الامداد والتوريد من روسيا وأوكرانيا مما أدى إلى زيادة أسعار الغذاء على مستوى العالم ، حيث ارتفعت أسعار الغذاء في عدد من دول العالم بما يفوق 50%، وسجل تضخم الغذاء ارتفاعًا في 91% من الدول في شريحة الدول ذات الدخل المتوسط المنخفض ومنها مصر , وعادت حاليا أسعار الغذاء لمعدلات تقترب من معدلات الاسعار قبل الصراع .
ونجحت مصر في خفض معدلات التضخم خلال عامي 2020 و2021 بسبب تبني البنك المركزي لسياسة خفض التضخم، ليدور حول مستوى 5% ولكن تأثر الاقتصاد المصري كغيره بالموجة التضخمية العالمية في عام 2022، وارتفع الى 14% عام 2022 وفقًا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء , وسجل متوسط معدل التضخم 18.7% في الربع الأخير من عام 2022 بسبب رفع أسعار الفائدة العالمية وارتفاع مستويات التضخم المستورد وعاد المعدل للزيادة مرة أخرى مع بدايات عام 2023 .
ويرى بعض المحللين الاقتصاديين أن أحد الاسباب الرئيسية للتضخم هو تنفيذ مصر لتعليمات صندوق النقد الدولى ومنها تخفيض سعر صرف الجنيه أمام الدولار الامريكى وتقليص الدعم سواء للمنتجين أو المستهلكين اضافة الى البيروقراطية التى تعطل أية مبادرات للتطوير والاستفادة من المزايا التى تمنحها قوانين الاستثمار للمنتجين وأيضا استمرار الغالبية الغظمى من رجال الاعمال المصريين فى تحقيق معدلات ربح عالية لاتتفق مع مفاهيم النظرية الرأسمالية أو الوضع الصعب للاقتصاد والارتكان لمفاهيم فى تحديد نسب الربح عفا عليها الزمن , بالاضافة الى قوة سلاسل الاحتكار فى معظم قطاعات الاقتصاد التى عجزت الدولة حتى الان فى تكسيرها أو اضعافها.
هذا وتنوعت جهود الدولة للسيطرة على التضخم ودعم الطبقات الفقيرة وتشجيع الانتاج أهمها :
– تخصيص 130 مليار جنيه لتخفيف آثار الازمة الاقتصادية على المواطنين. كما تمَّ رصد أكثر من 60 إجراءً اتخذته الحكومة لتعزيز الحماية الاجتماعية، والحد من التداعيات السلبية لارتفاع الأسعار، موزعة على 6 محاور رئيسية من واقع حزم الحماية الاجتماعية وكان آخرها في نوفمبر 2022، بتكلفة تُقدر بـحوالي 67 مليار جنيه سنويًّا، اضافة لمخصصات الحماية الاجتماعية في موازنة العام المالي الجاري 2022/2023 البالغة 356 مليار جنيه.
-رفع حد الإعفاء الضريبي للمواطن من 24 ألف جنيه في السنة إلى 30 ألف جنيه في السنة، بنسبة زيادة 25%
– زيادة مستويات الدعم الموجه للسلع الأساسية لنحو 90 مليار جنيه، وذلك وفقًا لموازنة العام المالي 2022/2023، بهدف ضمان توافر رغيف الخبز والسلع التموينية الأساسية لنحو 71 مليون مواطن مستفيد من منظومة دعم الخبز، وحوالي 63.3 مليون مواطن مستفيد من منظومة دعم البطاقات التموينية.
– زيادة أعداد المستفيدين من برنامج تكافل وكرامة، وتخصيص نحو 22 مليار جنيه لتمويل برنامج تكافل وكرامة، بما يسمح بتقديم دعم نقدي للأسر الأقل دخلًا، متضمنة 450 ألف أسرة جديدة تمت إضافتها للبرنامج، وفقًا لموازنة العام المالي 2022/2023 ليصبح حجم المستفيدين أكثر من 20 مليون مواطن على مستوى الجمهورية.
– تنفيذ المشروع القومي لتنمية الريف المصري «حياة كريمة» بتكلفة إجمالية تتجاوز800 مليار جنيه على ثلاث مراحل لتطوير القرى وتحسين مستوى المعيشة حيث تستهدف المبادرة قرابة 4600 قرية تقع في 175 مركز داخل 20 محافظة، بإجمالي عدد مستفيدين 60 مليون مستفيد في مراحله المختلفة، وقد أدرجت الأمم المتحدة المبادرة المصرية ضمن أفضل الممارسات الدولية.
-منح حافز توريد إضافي لسعر أردب القمح المحلي للموسم الزراعي 2022 لتشجيع المزارعين على التوريد، والإعلان مبكرًا عن سعر توريد القمح قبل الزراعة لأول مرة لموسم 2023 ليصبح سعر الاردب 1250 جنيهًا بدلا من سعر 1000 جنيه وذلك مقارنةً بـ 820 جنيهًا للموسم الماضي.
-زيادة مستويات الاكتفاء الذاتي من السلع الزراعية والصناعية، وتنفيذ العديد من مشروعات التوسع الرأسي والأفقي في قطاع الزراعة، واستهداف زيادة الرقعة الزراعية بأكثر من 3.5 مليون فدان، من خلال عدد من المشروعات أهمها: توشكى الخير، الدلتا الجديدة العملاق، تنمية شمال ووسط سيناء، تنمية الريف المصري، والمشروعات الأخرى في جنوب الصعيد والوادي الجديد وتستهدف الحكومة زيادة استثمارات قطاع الزراعة لتصل إلى 82.9 مليار جنيه، وفقًا لخطة العام المالي 2022/ 2023، مُقابل حوالي 62.9 مليار جنيه لعام 2021/ 2022، بنسبة نمو 31.8%.
– تعميق الإنتاج الصناعي المحلي وزيادة الناتج الصناعي ليصل إلى 1357.9 مليار جنيه وفقًا لخطة العام المالي 2022/2023 بالمقارنة ب 1176.8 مليار جنيه في العام المالى السابق، بنسبة زيادة 15.4% وباستثمارات تبلغ 93.5 مليار جنيه للصناعات التحويليّة خلال العام المالي 2022/ 2023، بنسبة زيادة 6.1% عن العام السابق، وتستحوذ الصناعات التحويليّة غير البتروليّة على 80% من اجمالى استثمارات القطاع البالغ 74.1 مليار جنيه
– التحول من الاستيراد الى الانتاج المحلى واحلال الواردات للسلع التى تتميز فيها مصر بميزة نسبية : حيث سبق أن أعد مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار وثيقة هامة فى هذا الشأن وتم تحديد عدد من القطاعات السلعية الأكثر احتياجًا للتوطين محليًّا وجاءت مجموعة الواردات من المنتجات النباتية في مقدمة المجموعات السلعية المستوردة بقيمة 14.7 مليار دولار في عام 2022، يليها مجموعة المعدات الكهربائية بواردات قاربت 13 مليار دولار، ثم الصناعات الكيماوية بواردات بلغت 11.7 مليار دولار.
وقد اتخذت الدولة العديد من السياسات لتعزيز فرص الاستثمار المحلي في مصر، وتحديد الفرص الاستثمارية بالقطاع الصناعي وخاصة : الصناعات الخشبية والأثاث، والصناعات الطبية والدوائية، والصناعات الغذائية والحاصلات الزراعية، والصناعات النسيجية، وصناعات الطباعة والتغليف، والصناعات الكيماوية، وصناعات مواد البناء والصناعات المعدنية، والصناعات الهندسية، ثم قامت وزارة التجارة والصناعة بإعداد قائمة مبدئية تشمل 131 منتجا مُستهدف توفير البدائل المحلية منها طبقًا لاحتياج السوق المحلية وقدرة الصناعة الوطنية على توفيرها، وذلك في ضوء نتائج تحليل هيكل الواردات المصرية خلال الفترة 2017 -2021، وتم تصنيف تلك المنتجات طبقًا لنوعية الاستثمار المطلوبة وتتراوح مابين : استثمارات جديدة / توسعات لاستثمارات قائمة ، وتحديد أهم المصنعين المحليين لتلك المنتجات.
وتبذل الدولة قصارى جهدها فى كافة الاصعدة للسيطرة على التضخم، ولكن الاسعار مازالت تأخذ الاتجاه التصاعدى لعدد من السلع الاساسية بسبب ارتفاع قيمة الدولار أمام الجنيه ومن ثم ارتفاع تكلفة الواردات من المواد الخام وعدم مرونة الجهاز الانتاجى ومشاكل سلاسل الامداد والتوريد العالمية, ونؤكد أن توجه الدولة الحالى هو تشجيع الانتاج السلعى والخدمى باتباع سياسات ضريبية ونقدية وتجارية مرنة بجانب جهود جهاز حماية المستهلك وزيادة عدد المنافذ البيعية التابعة لوزارة الداخلية والدفاع والتموين , مما سيؤدى لضبط الاسعار قريبا وهى مرحلة تحتاج تكاتف كل القوى الوطنية لعبورها بسلام ان شاء الله.