يقول الدكتور محمد راتب النابلسي
توقفت كثيرًا في سورة يس، فوجدت فيها أمرًا ربما لا نلتفت إليه كثيرًا … ترتبط سورة يس بالموت غالبًا ما تجد أهل المتوفي يعكفون على قراءة سورة يس يوم الوفاة لعل الله ينفع بها الميت ، والأوفياء منهم يواظبون عليها عدة أيام بعد وفاة عزيز عليهم
لكني ألتفت إلى أمر مهم في سورة يس …. قال الله عن القرآن الكريم فيها ( لينذر من كان حيّاً ) ولم يقل لينفع من كان ميتًا ، لست أناقش هاهنا موضوع انتفاع الميت بقراءة الحي للقرآن ، ولكني ألتفت إلى أننا أغفلنا الحكمة الأعظم من القرآن ( لينذر من كان حيًا ) ، ثم جعلت أتسائل … كم من الأحياء الذين قرأوا سورة يس انتفع بها ؟ ، كم منهم تعلم منها ولو معنى واحد ؟ كم منهم أثرت في حياته وغيرت منها شيئًا ؟ هؤلاء الألوف الذين يقرأوها كل يوم .. ما صنعوا بها ؟
ثم سألتني … ماذا صنعت أنت بها ؟ …. ووقفت قليلاً أتدبر السورة ، حقيقة لفت انتباهي فيها آيات كثيرة ، لكنّ أبرز ما لفت انتباهي هي قصة القرية جاءها المرسلون
لعل أكثرنا يعرفها ، لكن الذي استوقفني فيها شئ أدهشني..
📚في القصة أن رجلاً من القرية اقتنع بما يدعوا إليه المرسلون ، وقام ملهوفًا على قومه ( من أقصا المدينة ) ، جاء يحاور قومه ويدعوهم إلي ما اعتقد أنه سبيل الفوز والسعادة ، جاء يحمل الخير لهم ، جاء فزعًا إلى نضج أفكارهم، جاء بخطاب يمس العاطفة فيستميلها ، ويخاطب العقل فيقنعه
وكانت مكافئته من قومه أن قتلوه ٠٠
📚ثم يدهشك ما سيحدث بعد ذلك ….ـ
يخبرنا القرآن أن اهذا الرجل قيل له ( ادخل الجنة ) … لو كنت مكانه لفكرت على الفور ” ياربي والقتلة ألن تنتقم لي منهم ؟ ألن تعذبهم ؟
” ….. لكن الذي أدهشني هو أمنية الرجل
ـ ( قال ياليت قومي يعلمون – بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين )ـ
حقيقة توقفت كثيرًا أمام هذه النفسية العظيمة ، نفس رحبة واسعة جدًا ، حتى أنها لم تحمل ضغينة ، بل على العكس كانت أول أمنية له فور أن بشر بالجنة لو أن هذا المجتمع القاسي الذي قابل الجميل بالقتل ، لو أنهم يعلمون المنقلب ، لو أنهم يطلعون على الخير الذي أعده الله للصالحين ( ياليت قومي يعلمون ) ـ
أدهشني حرصه على الخير لقومه مع ما واجه منهم
أدهشني تمسكه بالرغبة في إصلاحهم مع ما تبين من عنادهم
أدهشني همته في دعوتهم للخير مع توقف مطالبته بالعمل
أدهشني حبه الخير للآخرين ، حتى من آذوه…
أدهشني ان تكون أول أمنية له لو أنهم يعلمون
وبعد أيامٍ ، وقفت من سيرة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – على موقف مشابه ، رحلة الطائف ، ويأتيه ملك الجبال ” لو شئت أطبقت عليهم الأخشبين ” … فيجيب ( اللهم اهدي قومي فإنهم لا يعلمون )
وصلت إلى خلاصة .
الكبار وحدهم هم الذين يتحملون جهل الناس من أجل هدف أسمى … هو إصلاحهم
الكبار وحدهم هم الذين لا يعادون أحدًا انتقامًا لأشخاصهم
الكبار وحدهم هم الذين تكون أمنياتهم بناء
الكبار وحدهم هم من يتقبلون دفع ضريبة حمل الإصلاح للناس
الكبار وحدهم هم الذين لا يعرف عامة المجتمع أقدارهم
اللهم اجعلنا منهم …
اترك تعليقك ...