– ترى هل يقرأ الآخرون تلك الأعمال بنفس إحساسنا ونفس مشاعرنا؟ أظنّه من الصّعب الشّعور بالوجع دون تجربة. هم يتعاطفون معنا، يتألّمون لألمنا، لكن ليس بدرجة وجعنا. قد نتفاوت نحن أيضا بالشّعور بالألم، من عاش في المخيّمات تحت صقيع البرد، ولم يجد قوت يومه، ولم يعامل كمواطن من الدّرجة الأولى لا يمكن أن يقارن بمن عاش مواطنًا في بلد تعطيه نفس الحقوق الّتي يتمتّع بها أهلها.
– لا أتّفق معك نهائيًّا. موجعة آلامنا حتّى لو طالنا بعض من رغد ورفاهية عيش. الحزن يسكننا منذ أن ولدنا. بعضنا ولد في أرض الجذور، لكنّه يعيش المنافي والتّشرّد، فبات من الصّعب أن ينعم بدفء حقيقي؛ بعضنا ولد بعيدًا عنها مقطوع الجذور، يحاول العيش على فتات ترميه له قسوة الحياة، حتّى من لم يكن فلسطينيّ الجذور يشعر بإحساسنا. أنت تعلمين كم ضحّت الشّعوب بمالها وروحها في سبيل فلسطين. فلسطين حلم كلّ مخلص، وجهة كلّ شهم، أقصاها قبلة كلّ مسلم.
هل تشعرين بعيش طبيعيّ بعيدًا عن فلسطين ؟
– بالطّبع لا، هناك ما ينقصني دومًا. تكفيني دموع أبي وهو يعانق صورة جدّي وجدّتي، وهو لا يستطيع زيارتهما في بيته الّذي ولد فيه إلّا بتصريح ممّن سرق جذوره.
ناولته الكتاب في لحظة عابرة، قال لي حينها:
– لاحظت عدم اقتنائك الأعمال العالميّة؟
– ربما لأنّني أعيش في غربتي الّتي أحاول أن أقطعها بالتّقوقع بين نبضات اللّغة الّتي أعشقها.
– لا أظنّ العيش بالأردن غربة.
– معك حقّ، هي العشق، لكنّها لن تكون وطنًا بديلًا يومًا. غربتي من نوع آخر، عشت وعائلتي بعيدًا عن جدّتي وجدّي، عمّي وعمّتي، خالي وخالتي، كم تمنّيت أن أحتفل بعيدٍ واحدٍ على الأقلّ برفقتهم أو أيّة مناسبة مهما صغرت؛ هي غربة من نوع آخر يا عزيزي.
– ألم أقل لك كلّنا يعيش غربة وألمًا، لكن بأشكال مختلفة، لكنّ هذا لا علاقة له بامتناعك عن قراءة العالم الآخر.
اترك تعليقك ...