حينما عرفتني وداد في بداية دخولنا الجامعة، أطلقت عليّ لقب الثريّة المتواضعة؛ قلت لها يومًا: حسنًا، إذن سأوصلك في سيّارتي إلى بيتك بشرط أن تعديني بوضع كمّامة على أنفك ، فسيّارتي البورش تستخدم نوعًا خاصًّا من البنزين. وحينما زارتني، ودخلت غرفتي لأوّل مرّة قالت لي: ألم أقل لك إنّك ثريّة متواضعة؟ انظري إلى أثاثك المنتقى من أحسن أنواع الخشب؛ قلت لها ضاحكة: اقتربي يا عزيزتي أكثر، كانت تبتسم وهي تكتشف الحفر المحشوّة بالمعجون في مناطق مختلفة من الخزانة والسّرير. كم من المرّات قلت لك: يا عزيزتي الذّكاء يكمن في العيش بأقلّ الأسعار وبأرفع درجات الجمال؛ أمّا إن تحدّثت عن ملابسي فلي ذوق في اختيارها، فهي من أرقى المحلّات – فرانسوا – للملابس المستعملة. ضحكنا عاليًا. حدّثتها كثيرًا عن ثائر، كانت تصغي لي، وكلّ عينيها سخرية، فكم سمعتني وأنا أسخر من عشّاق الحبّ من أوّل نظرة وسذاجتهم. حدّثتها عن لقاءاتي به، كانت تستمع إلى حديثي، وكلّها نظرات استهزاء؛ لم تتعوّد منّي الحديث عن الحبّ. قلت لها: ستتغيّر نظرتك حينما تقابلينه يومًا. شاءت الأقدار أن يكون لها لقاء معنا. لم أعد أرى نظرات السّخرية على وجهها بعد لقائها بثائر. أخيرًا تيقّنت وداد أنني أحلّق بجناحين من نور. يبدو أنّ وداد أيضًا كانت على موعد مع جناحين، لكنّهما من حديد. كان سفر وداد ضربةً قاسيةً على قلبي، فقد تعوّدت البوح لها بكل صغيرة وكبيرة. غادرتني إلى مدينة الضّباب لإكمال دراستها. كم هي قاسية هذه الحياة، وكم هي مرهقة. لقد أخذت توأمي إلى مكان بعيد، وانقطعت أخبارها عنّي. كنّا دوما نقول: لن نفترق يومًا.
اترك تعليقك ...