د. محمد كامل الباز يكتب : كيف تكون قائد ناجح؟.. رسالة إلى كل مدير
عندما تقرأ فى كتب الادارة أو تناقش أحد مما حضر دورات إعداد القادة تجد شبه إجماع على ضرورة تواجد بعض الصفات لأى مدير أو قائد كي تنجح إدارته وتكمل مسيرته.. لابد أن يكون المدير شديد مع موظفيه، حاسم معهم، كثير التوبيخ واللوم، صارم لدرجة الشدة الفظيعة، تدخل لمدير أى مصلحة أو هيئة تجد صفات مشتركة فى معظم المديرين، كلام قليل، ابتسامة نادرة، يحب الصوت العالى فى كثير من الأحيان، علاوة على الشدة فى اتخاذ القرارات وخصوصاً العقاب منها..
لماذا لم يشذ أى مدير عن هذه القاعدة لنرى شخص حبوب، طيب، يضحك ويستمع للموظفين.. لا من أجل معرفة أخبار زملائهم ولكن لكسر الحاجز بين المدير وموظفه.
منذ أكثر من أربعة عشر قرن كان هناك أفضل مدير عرفته البشرية، منذ أكثر من أربعة عشر قرن تواجد خير الخلق ودرة تاج الجنس البشرى لم يكن مدير على أفراد فى مصلحة او هيئة، لم يكن مسئول عن عدة شركات فحسب بل كان قائد على مجتمع كامل بأسره، مسيطر على رجال لو وزنوا الآن لرجحت كفتهم عن الذهب، لم نسمع أنه كان يوبخ هذا ويعاقب ذاك، لم نقرأ انه رفع صوته بحدة وتهكم على أحد، لم يفعل هذا من أجل مصلحة الناس وضمان قوة الإدارة، لم يلجأ للشدة كى يحسن الأداء والعمل كما نسمع الآن، لم يجُرم الضحك والإبتسامة كى يحفظ الهيبة والوقار، بل استطاع ببساطته وتواضعه، برفقه ولينه أن تنجح شركته بل يحبه كل مساعديه، بدأت الشركة من عشرات الأفراد المغضوب عليهم من قومهم والمطاردين من ديارهم، لكن بفضل الله ثم حكمة القائد زاد العدد فى الشركة وتحولوا من مطاردين إلى مهاجرين داخل مجتمع جديد، زاد العدد واتسعت الشركة وتثاقلت أعباء الإدارة لكن المدير ليس أى مدير، هو أشرف وأجل الخلق، استطاع ان يسوس هذا العدد ويستوعب المزيد منه فى درس عملى فى الإدارة والقيادة، أصبح المجتمع نموذج للرقى والحضارة، مثال للترابط والتماسك والفضل بعد الله سبحانه وتعالى يرجع لذلك المدير العبقرى الذى فعل كل السبل الصحيحة لتكوين كيان قوى، كان المثل والقدوة فى كل شىء لذا استجاب له كل أفراد الشركة، لم يأمرهم بشىء إلا كان أول من يفعله، عند وجود ازمة اقتصادية كان اول المتضررين، لذا شعر الجميع بتكامل وترابط مع القائد، اطاعوا أمره عن حب وتسليم، أطاح بأى أمل للواسطة والمحسوبية فى الشركة عندما جاء له حبيبه أسامة بن زيد يتشفع للمرأة المخزومية قائلا بكل حزم ( اتشفع فى حد من حدود الله يا أسامة وايم الله لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطعت يداها) عرف الجميع داخل الشركة ان المحاباة ليست مطروحة لذا كان العمل فالقانون يُنفذ على الجميع، لم يروا مديرا كما نرى اليوم يترك راحة لفولان، واجازة لعلان لأنه يخدمه خدمة او ينفذ له شىء، كان قائد مختلف لذا عندما هاجر من مكة كان معه العشرات وبينما عاد إليها بعد ثمان سنوات شاهدت مكة معه عشرات الآلاف، أعاد التوزيع الجغرافي فى المنطقة بأسرها بل فرض كلمته على الشرق والغرب ليس بالشدة المفرطة والعنف والتجهم بل باللين وحسن الخلق والقدوة الحقيقة عندما غضب الرسول صلى الله عليه وسلم من عدم تآسى الصحابه له بعد الحديبيه، ماذا فعل هل خصم من عمر أيام أو تكلم مع ابى بكر بحدة هل تجاوز فى حق على أو أحرج عثمان لا بل فعل كما أشارت له أم سلمة رضى اللَّه عنها واخذ بالمشورة ونحر وحلق فما منهم إلا أن أسرعوا للهدى فنحروه وحلقوا، قائد عندما يطلب فعل شىء من مساعديه لم يجد أفضل من فعل هذا الشىء بنفسه فيجد الجميع يفعل مثله، نعم هو القائد الأمين الذى لم يجدوا معه إلا الحب والإخلاص والاحترام، قائد وزعيم بل نبى مرسل هو خاتم النبيين كان معه خادمه طيلة عشرات السنين لم يصدر منه اى شىء فيه توبيخ أو حتى لوم وعتاب، عن انسى رضى الله عنه (ما مسست ديباجًا ولا حريرًا ألين مِن كفِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا شممت رائحة قط أطيبَ من رائحة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقد خدمتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين، فما قال لي قط: أف، ولا قال لشيء فعلتُه: لِمَ فعلتَه؟ ولا لشيءٍ لم أفعله: ألا فعلتَ كذا؟)؛ متفق عليه
عاش ابن مالك مع المصطفى اكثر من عشر سنوات عاما لم يلومه او يوبخه على شىء!! لم يقل له لماذا فعلت هذا و لماذا لم تفعل ذاك كان هكذا مع خادمه!! ليس ضعف ولكنها الحكمة والنجاح فى الإدارة، كان يعتبره مثل أصحابه وأقاربه، لذا كون هذا النبى والقائد العظيم كمّ هائل من الاتباع والاحباب يتمنون أن يفدوه، بل يتقاتلوا على وضوءه كما نقل سهيل بن عمرو لقريش الصورة كاملة أثناء توقيع صلح الحديبية، ليتعلم كل قائد ومدير كيف تكون الإدارة، ليعرف كل صاحب شركة كيف يدير شركته بدل من أن يكلف نفسه فى الكورسات والبرامج لديه سيرة أعظم الخلق يتعلم منها كيفية القيادة وطريقة الريادة.