قراءة تحليلية في مشروع مدحت صالح : إحتفالية ” الأساتذة ” بدون ” الأساتذة ” !!
الحفل إهتم بنجوم الخمسينات والستينات فقط !! .. غاب أساطين التلحين والغناء سيد درويش وأبوالعلا وزكريا أحمد
كتب / نادر أحمد
شهد المسرح الكبير بدار الأوبرا المصرية إنطلاق أولي حفلات مشروع ” الأساتذة ” والذي أحياه نجم الغناء الفنان الكبير مدحت صالح ، بالتعاون مع وزارة الثقافة ممثلة بدار الأوبرا المصرية ، وأيضاً الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية ، وبهدف إعادة صياغة وتوزيع التراث الموسيقي العربي والمصري بأساليب عصرية جديدة ، وقد إنطلق الحفل وسط حضور جماهيري كبير ، وفي مقدمة الحضور د. نيفين الكيلاني وزيرة الثقافة ، ود.هاني سويلم وزير الموارد المائية والري ، ود. خالد داغر رئيس دار الأوبرا .
تضمن الحفل مختارات من أعمال زمن الفن الجميل التي وضعها كبار الملحنين المصريين والعرب من بينهم ألحان لموسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب ورياض السنباطي وفريد الأطرش ومحمد فوزي ومحمد الموجي وبليغ حمدي وكمال الطويل إلي جانب الرحبانية وطلال مداح من الموسيقيين العرب ، حيث تضمن الحفل أغاني نجوم الغناء الراحلين بتوزيعات أوركسترالية جديدة مع الحفاظ علي طابعها الفريد ، وبمصاحبة الأوركسترا الموسيقية بقيادة المايسترو هشام مصطفي ، وبمصاحبة عازف البيانو الشهير عمرو سليم .
قدم مدحت صالح في الحفل 16 أغنية مقسمة علي فاصلين ل 9 من نجوم الغناء تصدرها أغنيات العندليب الأسمر عبدالحليم حافظ ب ستة أغنيات من أجمل أغاني حليم وهي : قولوا قولوا الحقيقة – أول مرة تحب ياقلبي – فوق الشوق – صافيني مرة – أسمر ياأسمراني – إلي جانب أغنيته الكويتية يا هلي ياهلي .. ، كما غني لمحرم فؤاد ياواحشني رد عليا – شفت بعيني وما حدش قاللي ، وكذلك للراحل محمد فوزي أغنيتان ياجميل ياللي هنا – تمللي في قلبي ياحبيبي ، وأغنية واحدة لكل من فريد الأطرش مش كفاية ، ومحمد قنديل تلات سلامات ، وفايزة أحمد حمال الأسية ، وللأصوات العربية فيروز شط الإسكندرية ، وطلال مداح مقادير ، وإختتم الحفل – الذي بدأ متأخراً عن موعده في التاسعة والنصف وإمتد لبعد منتصف الليل – برائعة أم كلثوم مصر التي في خاطري .
( أغاني الخمسينات والستينات فقط )
وهنا علينا أن نقرأ ما بين السطور لتقييم تجربة ” الأساتذة ” ونلقي نظرة موضوعية علي الحفل الذي كان ناجحاً بكل المقاييس الفنية وأبدع خلاله مدحت صالح – كعادته – في كل حفلات الأوبرا ، بما يعني ليس هناك جديد بالنسبة لنجاح مدحت صالح فكل حفلاته ناجحة ، ولذا المبالغة في أن مدحت صالح حقق نجاحاً ليس له مثيل .. فهذا ليس له سوي معني واحد أن ما يردد ذلك القول لم يحضر من قبل حفل لمدحت صالح . !!
قدم مدحت صالح أغاني الزمن الجميل لأغنيات أغلبها من زمن الخمسينات والسبعينات ، أي من منتصف القرن الماضي ، وهي أغنيات نعرفها ونحفظها من علي ظهر قلب ، ولم يقدم لحن قديم من أوائل القرن العشرين ، حيث تردد في المؤتمر الصحفي أن مشروع أغاني ” الأساتذة ” سيمتد لألحان قديمة تصل لأوائل القرن العشرين ، ولكن ذلك لم يحدث وتوقف مدحت صالح عند كلاسيكيات منتصف القرن العشرين ، ولم نجد ما تردد أيضاً بأننا سنسمع لأغنيات لم لم نسمعها من قبل ، بل أن مدحت صالح لم يغني حتي لزكريا أحمد والذي بدأ فنه في أوائل القرن الماضي ، ولم يغني أيضاً للفنان سيد درويش والملقب بفنان الشعب ، ولم يعي أن ذلك العام يمر علي رحيله 100 سنة ، فلو قدم شئ من أعماله لكانت لفتة جميلة في ذكري الراحل ، وأيضاً لكان قدم شئ من كلاسيكيات الكلاسيكيات من بدايات القرن الماضي .
( الأساتذة بدون الأساتذة )
ونستخلص من ذلك أن مشروع ” الأساتذة ” ليس به أي جديد ، خاصة أن تلك الأغاني تردد في كل حفلات الأوبرا علي مدار العام من نجوم الأوبرا أو ضيوفها من الخارج ، بل أن أطفال مركز تنمية المواهب يرددونها في حفلاتهم .. إلي جانب أنهم يغنون أغنيات العشرينات والثلاثينات أيضاً ، إلي جانب أن نصف الأغاني التي تغني بها مدحت صالح يغنيها في حفلاته الخاصة بالأوبرا مثل أغنيات تلات سلامات – حمال الأسية – تمللي في قلبي ياحبيبي – ياواحشني رد عليا – أسمر ياأسمراني ، فما فعله في الحفل أنه أعاد ترديد الأغنيات التي يرددها علي مدار سنوات بحفلاته بالأوبرا.
أعتقد أن الأغنيات التي قام بغنائها مدحت – ولا تتردد في حفلات الأوبرا – تمثلت في أغنيتان أحدهما الأغنية الكويتية ” ياهللي ياهللي ” لعبدالحليم حافظ ، و” مقادير ” للراحل السعودي طلال مداح ،أما عدا ذلك فبقية الأغنيات يرددها مطربي ومطربات الأوبرا .. ونحن أيضاً . !!
ومن الملاحظ أيضاً كثرة السوليهات لكل أغنية ، وهو لم نعتاد عليه لا في حفلات مدحت صالح او حتي حفلات الأوبرا ، فمع بداية كل أغنية نجد عزف منفرد لأحد عازفي الفرقة ، فهل هو تقليد لحفل نجم الغناء محمد منير الذي أقيم مؤخراً بمدينة جدة بالسعودية ؟؟!!
( خطأ فادح )
وقعت إحتفالية ” الأساتذة ” في خطأ فادح جاء في بداية الحفل عندما قام عازف البيانو الشهير عمرو سليم بعزف مقطوعة موسيقية لأغنية نجاة ” إشمعني ده .. إيه هوه ده ” لاقت إعجاب الحضور ، وتزينت شاشة العرض في قلب المسرح بصورة الموسيقار محمد عبدالوهاب في إشارة بأنه صاحب اللحن ، وأعتقد أغلب من في الحفل بأن الإحتفالية بدأت بموسيقي وألحان موسيقار الأجيال تقديراً له ، ولكن الحقيقة أن اللحن ليس لعبدالوهاب بل للموسيقار محمد الموجي ، مما دفع إبنته د. ألهام الموجي الأستاذ بالمعهد العالي للموسيقي العربية بمهاجمة مدحت صالح والقائمين علي الحفل من خلال صفحتها علي الفيس بوك ، ووصفت الأمر بالإهمال وليس خطأ فقط ، وقالت معلقة : “يعني تبقي البداية عك بالشكل ده يا مدحت يا صالح؟”.. كما وجهت اللوم لدار الأوبرا قائلة : “الأغنية لحن محمد الموجي ليه العك ده وكأنكم متعمدين دا مش خطأ ، ده إهمال وجهل فني وإداري .. حاجة تحرق الدم ” .
( الإدانة للجميع )
وفي هذا الأمر لا يلام مدحت صالح فقط أو إدارة الأوبرا ،بل أيضاً مايسترو وقائد الحفل ، والموسيقيين والعازفين الذين حضروا جميعاً البروفة الأخيرة ، والتي تكون طبق الأصل من فقرات الحفل ، وشاهدوا صورة عبدالوهاب بدون أي تعليق ، مع العلم أن ذلك الخطأ الفادح لم يحدث أبداً في حفلات الأوبرا الموسيقية ، ومع الإشارة للفرقة الموسيقية يجب أن لا ننسي ما حدث من العازفين عندما لم يتمكنوا من عزف لحن أغنية ” قولوا الحقيقة ” وحاول مدحت صالح تدارك الأمر أكثر من مرة .
كنت أنتظر أن يلتزم الفنان مدحت صالح بكل ما ورد وردده في المؤتمر الصحفي ، وخاصة أن هناك زخم إعلامي كبير قبل الحفل يشيدوا بالتجربة القادمة ، كما إهتمت الأوبرا بالحفل وفرشت السجادة الحمراء للضيوف والجمهور معاً ، ونقل الحفل علي الهواء بقناة الحياة الفضائية وبتأييد من المتحدة للخدمات الإعلامية ، وتضاعفت تذكرة الحفل وتراوحت ما بين 700 جنيه في الأدوار العليا و1800 جنيه للصفوف الأمامية بالصالة .
وهنا أؤكد أن ما قدمه مدحت صالح ليس له علاقة بأعمال الفنان علي الحجار بمحاولاته في الحفاظ علي أعمال صالح عبد الحي وداوود حسني ومحمد عثمان ، فمدحت لم يقترب منهم ، فمشروع علي الحجار كما هو لم يمس من قريب أو بعيد ، وإن كان للحق أجهد تماماً في التحضير للحفل ، حتي أنه كان يغير ما بين الفينة والأخري عدة أغنيات لدرجة أن دار الأوبرا لم تتمكن من طبع برنامج الحفل .
( المستقبل لكورال الأطفال )
وفي النهاية يجب أن أشيد بمدحت صالح حيث أنه قدم حفل رائع – كعادته – وأن يحاول أن يلتزم بالغناء للأساتذة الأولين ، والذين كانوا السبب الرئيسي في نهضة الموسيقي العربية ، بل أن أفضالهم علي جميع الأسماء من جيل الخمسينات والستينات التي ترددت أعمالهم في الحفل ، وإذا كان مشروع ” الأساتذة ” سيتكرر .. فعلي مدحت صالح أن يرجع للأساطين الكبار ، وغير ذلك فليس لمشروع ” الأساتذة ” أي معني بدون هؤلاء ، ومن الممكن أن يقوم به كورال الأطفال من مركز تنمية المواهب ، مع الإهتمام بالدعاية الحقيقية لحفلتهم .. لأن هؤلاء الأطفال هم الكنز الحقيقي لدار الأوبرا . !!