900
900
مقالات

سلوي مرجان تكتب : الغيمة بنت الجبل

900
900

تمددت سلوان تحت السماء البنفسجية فاردة ذراعيها بسعادة ,وأخذت تردد أغنيتها المفضلة:
شا شا شا صوت السحاب يسافر… شا شا شا صوت الغيوم بعيدا
لا سحب تدنو من الأرض فلا عجب… إن صارت الغيمة ابنة الجبل
صا صا صا صوت رياح باردة ….صا صا صا صوت نجوم شاردة
لا ريح تعلو سمائنا…. لا نجوم تهجر أرضنا
هنا الغريب قريب … هنا الجميع أهلنا.
غطت سلوان في النوم لبضع دقائق, استيقظت بعدها على صوت أمها تنادي: سلوان أنت هنا ونحن نبحث عنك.
قامت سلوان وظبطت تاجها الورقي بعناية وقالت لأمها بضيق : لقد غافلتني الغيمة وهربت مني مرة أخرى.
أمسكت أمها بكفها الصغير ومضت بها وسط الحقول وهي تقول : ألا تتوقفين عن حديث الغيمات!
وقفت سلوان فجأة وقالت لأمها : لم لا تكون لي غيمتي الخاصة؟
سألتها أمها باهتمام: كيف يكون ذلك؟
وضعت سبابتها في منتصف جبهتها كمن تفكر ثم قالت : أصنع غيمتي يا أمي, غيمة لي وحدي.
تنفست أمها الصعداء وابتسمت لها وهمست في حنان : سأصنع لك واحدة إنه أمر سهل.
نظرت سلوان لأمها بشك, لكنها أومأت برأسها في استسلام وتمتمت : سأنتظر.
*أثناء الغداء وضعت الأم الصحون أمام كل واحد من الجالسين, بدأت بالجد, ثم الأب, بعده ابنة تاجر البندق( لوز), تلتها ابنة تاجر الصوف (حرير), وأخيرا سلوان. لفظ الجد البسملة بصوت مسموع وبعدها بدأ الجميع في تناول الطعام, أثناء ذلك قالت سلوان : ستصنع أمي لي غيمة.
نظرت لها لوز بانبهار وهتفت: هل ستمطر؟
قالت الأم : لا, سأصنعها من القطن.
حملقت سلوان في أمها وهتفت سريعا : أليست حقيقية؟
أجاب الأب بسرعة: هل رأيت من قبل أحدا يصنع غيمة حقيقية؟
هنا قالت حرير: الغيمة صنع الله, هكذا قال لي أبي.
ردت سلوان باصرار: الله صانع كل شيء, ولقد قال لي جدي أن الله أعطانا العلم لنصنع به ما نحتاجه؟
سألها الجد: وما حاجتك لصنع غيمة؟
أجابت سلوان: سأروي بها زرعتي.
نظروا جميعا لبعضهم, بينما تكلم الأب أخيرا قائلا : لا يمكنك صنع غيمة حقيقية.
هنا بدا على الصغار الحزن وسألت حرير: أيها العم لماذا لا تقول لها تستطيعين وتتركها تحاول.
أجاب الأب: أنا أنقل لكم خبرة الكبار.
فسألت سلوان بمكر: هل معنى خبرة الكبار أنكم حاولتم من قبل وفشلتم؟
أجاب الأب: هذه أشياء لا نجربها، فلم يسبق وسمعت أحدا يقول سأصنع غيمة، إنه شيء عجيب.
وضعت لوز شوكتها في الطبق ومسحت فمها بالفوطة وقامت من مكانها لتغسل يدها وهي تتمتم: لقد أخبرني أبي أن قصص الغيمات محض خيال.
بينما أكملت حرير طبقها في صمت، كان الجد يفكر في كل الكلام، وسأل سلوان: لكي تصنعي غيمة يجب أن تعرفي مما تتكون، فهل تعرفين؟
أجابت سلوان: نعم لقد درست الأمر في المدرسة، فعندما تنزل أشعة الشمسة على المسطح المائي، يتبخر الماء وتقل كثافته فيصعد إلى أعلى.
وضع الجد شوكته في الطبق وقال وهو يقوم من مكانه: حسناً، اصنعي غيمتك ما دمت تعرفين.
*في المساء كانت سلوان تشرب الشوكولا الساخنة في بيت لوز، سألتها والدة لوز: أخبرتني لوز أنك تريدين صنع غيمة.
قالت سلوان: وما رأيك يا خالة؟
أجابت والدة لوز (وهي امرأة حكيمة): البندق الذي يتاجر فيه والد لوز مكون من(كربوهيدرات، نشا، سكر، ألياف غذائية)، فما رأيك لو جئنا بكل تلك الأشياء بمقدار نسبتها في البندقة، وخلطناهم معا، هل نستطيع وقتها أن نصنع بندقة؟!
أطرقت سلوان تفكر ثم أجابت بعد نصف دقيقة : لا أعلم، لم أجرب، فهل جربت يا خالة؟
ابتسمت والدة لوز وقالت: لم أجرب، لكني على يقين أنها لن تصنع بندقة.
سألتها سلوان:من أين جاءك هذا اليقين من شيء لم تجربيه؟
قبل أن تجيب تكلمت لوز موجهة الكلام لأمها: ما دام الأمر يقينا دون تجربة، فلماذا عندما أخبرتك أني سأرسب في الحساب، قلت لي ذاكري أولا، فكل شيء يأت بالتجربة.
أجابت الأم: الأمران مختلفان تماما، ومع ذلك إن كانت سلوان تريد التجربة، فلا بأس.
وقفت سلوان وعدلت ملابسها وتاجها الورقي وقالت: إن شاء الله سأبدأ في الصباح، فغدا شديد الحرارة وستقوم الشمس بتبخير مياه النهر.
استأذنت ومضت وبداخلها إصرار على صنع الغيمة.

اترك تعليقك ...
900
900
زر الذهاب إلى الأعلى